أسطورة نرجس

اقرأ في هذا المقال


تعتبر أسطورة النرجس من أشهر الأساطير اليونانية نظرًا لتميزها وحكايتها الأخلاقية فاشتهر نرجس بجمال وكان محبوبًا من قبل أبولو بسبب لياقته البدنية غير العادية، ونرجس هو شخصية من الأساطير اليونانية فكان وسيمًا بشكل مستحيل لدرجة أنّه وقع في حب صورته المنعكسة في بركة ماء، حتى الحورية الجميلة صدى لم تستطع جعله يقع في حبها، ويعيش اسم نرجس على أنّه الزهرة التي تحول إليها وكمرادف لأولئك المهووسين بمظهرهم الخاص.

من هو نرجس

تأتي قصة النرجس من الأساطير اليونانية حيث أنّ نرجس هو ابن إله النهر سيفيسوس (Cephissus) وحورية اسمها ليريوب (Liriope)، والذي اشتهر بجماله فوقع نرجس في حب انعكاس صورته وظهرت أسطورة النرجس في العديد من اللوحات والأعمال الفنية الأخرى.

قصة النرجس

عندما كان نرجس صغيرًا ذهبت ليريوب إلى الرائي تيريسياس لتتساءل عما إذا كان ابنها سيعيش حياة طويلة، فأجاب تيريسياس أنّ نرجس سيعيش حياة طويلة طالما أنّه لم يعرف نفسه أبدًا، الأمر الذي أوقع ليريوب في حيره من كلامه ومن هذا الرد الغريب، ولكن الوقت مضى وأصبح نرجس شابًا، فكان نرجس جميل المظهر للغاية وجذب جماله جميع أنواع المعجبين ولكن نرجس لم يكن مهتمًا بأي منهم، وفي أحد الأيام بعد البحث لبعض الوقت استلقى النرجس بجانب بركة مياه ساكنة، وعندما رأى نرجس انعكاسه وقع في حب نفسه، وحاول أن يمد يده ويحتضنه في الماء ولكنه لم يستطع، ولقد انجذب إلى صورته لدرجة أنّه لم يستطع ترك حافة الماء، وفي النهاية تسبب حب نرجس لتفكيره في الضعف والموت، وعندما جاءت الحوريات لدفنه تحول جسده إلى زهرة نرجس بيضاء جميلة أصبحت تعرف باسم النرجس.

الأسطورة نرجس في النسخة اليونانية والرومانية

تأتي أسطورة النرجس في نسختين مختلفتين وهما: النسخة اليونانية والنسخة اليونانية الرومانية حيث كتب الشاعر الروماني كونون وأوفيد قصة النرجس معززًا إياها بعناصر مختلفة.

النسخة اليونانية من أسطورة النرجس

نسخة كونون من أسطورة النرجس تحدث في مدينة تسبييا اليونانية ففي حكاية كونون يحتقر نرجس إيروس إله الحب، فنرجس جميل جدًا ولهذا السبب وقع في حبه كثير من الناس، ووفقًا لكونون يقع أمينياس الشاب في حب نرجس الذي كان قد رفض بالفعل الخاطبين الذكور، وتم رفض أمينياس أيضًا من قبل نرجس الذي أعطى الشاب المؤسف سيفًا، وقتل أمينياس نفسه عند عتبة نرجس وهو يصلي للآلهة لإعطاء نرجس درسًا عن كل الآلام التي أثارها، حيث عندما ذهب أمينياس لرؤية نرجس يرسله نرجس بقسوة سيفًا، وتغلب عليه الحزن ويطلب أمينياس من إيروس إله الحب أن ينتقم منه ثم ينهي حياته بالسيف.

وعندما كان نرجس يسير على ضفاف بحيرة أو نهر وقرر أن يشرب بعض الماء حيث رأى انعكاس صورته في الماء وتفاجأ بالجمال الذي رآه، وأصبح مفتونًا بتأمل نفسه، ومع ذلك لم يستطع الحصول على هدف رغبته ومات على ضفاف النهر أو البحيرة من حزنه، ووفقًا للأسطورة لا يزال نرجس معجبًا بنفسه في العالم السفلي حيث ينظر إلى مياه ستيكس (Styx) وهو أحد أنهار العالم السفلي كما جاء في الروايات والأساطير اليونانية، ومن هنا تعلم ثيسبيانز (Thespians) -وهو أو ل من قام بالتمثيل في الحضارة اليونانية القديمة– من نرجس أنّه يجب عليهم الاحتفال وتكريم إيروس.

وهناك نسخة أخرى من أسطورة النرجس تأتي من بوسانياس، ففي قصة بوسانياس كان لدى نرجس أخت توأم تشبهه تمامًا، وفعل نرجس وأخته كل شيء معًا وأحبها نرجس كثيرًا وعندما ماتت أخته وجد نرجس العزاء في النظر إلى انعكاس صورته في البركة ليذكر نفسه بأخته، ويعرف هذا الإصدار من نرجس أنّه ينظر إلى انعكاسه ليس لأنّه يحب نفسه بل بدلاً من ذلك يسمح له تفكيره بتذكر أخته.

النسخة الرومانية من الأسطورة حسب أوفيد

تم تغيير الأسطورة التي قدمها الشاعر أوفيد قليلاً، فوفقًا لهذه الأسطورة كان والدا نرجس قلقين بسبب جمال الطفل غير العادي وسألوا الحكيم تيريسياس عما يجب فعله فيما يتعلق بمستقبل ابنهم، وأخبرهم تيريسياس أنّ الصبي لن يكبر إلّا إذا لم يعرف نفسه، وعندما كان نرجس في السادسة عشرة من عمره كان يسير في الغابة ورأته الحورية إيكو -أي الحورية الجبلية صدى الصوت- وشعرت بجنون في حبه، وبدأت في متابعته فسأل نرجس: “من هناك” ولكن ما زال يشعر بشخص ما وراءه.

ثم ردت إيكو: “من هناك” واستمر ذلك لبعض الوقت حتى قررت إيكو أن تظهر نفسها، وحاولت معانقة الصبي الذي ابتعد عن إيكو وطلب منها أن تتركه وشأنه، وتركت إيكو حزينة وقضت بقية حياتها في الوديان حتى لم يبق منها سوى صوت صدى، ومع ذلك سمعت عدو إلهة الانتقام بقصة نرجس وقررت معاقبة نرجس، ومن هذه النقطة القصص متشابهة فيرى نرجس نفسه في البركة ويذهل بجمال الانعكاس وبمجرد أن اكتشف أنّه لا يمكن معالجة حبه قتل نفسه، وهذا حسب ما جاء في ملحمة التحولات لأوفيد الذي كان يقوم بتفسير وشرح كيف ظهرت أنواع مختلفة من الحيوانات والنباتات والسمات الطبيعية الأخرى من خلال قصص التحول، في محاولة منه لتفسير ظهور نبات زهرة النرجس على ضفاف الأنهار.

أسطورة النرجس في الحياة الحديثة والفن

نرجس كارافاجيو أسطورة النرجس معروفة أيضًا لسبب إضافي واحد، ألا وهو زهرة النرجس التي توجد عادة على ضفاف الأنهار والبحيرات ومن هنا أخذت اسمها على اسم البطل الأسطوري الذي مات على ضفاف النهر، حيث إنّها زهرة رشيقة تضم أربعون نوعًا مختلفًا وتزرع معظمها في أوروبا، وتزهر في أوائل الربيع وتعتبر هشة وجميلة للغاية مع أزهار بيضاء وصفراء وردية، وألهمت أسطورة النرجس العديد من الفنانين أيضًا والأكثر شهرة هو كارافاجيو الذي رسم شابًا معجبًا بتأمله في الماء، واستلهم الرسامان تورنر ودالي أيضًا من الأسطورة، بينما استخدم الشعراء مثل كيتس وحوسمان مثاله في العديد من أعمالهم، وابتكر الكاتب الروسي فيودور دوستويفسكي العديد من الشخصيات بعقلية ووحدة نرجس مثل ياكوف بتروفيتش جوليادكين.

كانت أسطورة النرجس شائعة جدًا في روما القديمة فاستوحى الفنانون من قصة نرجس الذي أحب انعكاسه لدرجة أنّ بومبي احتوت على ما يقرب من خمسين لوحة للقصة، وبعد قرون ظهرت إشارات إلى أسطورة النرجس في الكوميديا الإلهية للكاتب الإيطالي دانتي أليغييري والشاعر الإيطالي بترارك، واستمرت الأساطير اليونانية في إلهام العديد من فناني عصر النهضة، وأخيرًا يعيش اسم نرجس اليوم في التحليل النفسي حيث تشير النرجسية إلى اضطراب الشخصية الناتج عن الإعجاب المفرط بالنفس والانشغال بمظهر الشخص.


شارك المقالة: