صاحب المقولة
عبد الله العَرْجِي بن عُمر بن عمرو بن عُثمان بن عفان القُرشي الأموي؛ أحد الشعراء في العصر الأموي، وذُكر أنَّ له أخاً يُدعَى عَاصِماً، والعَرْجِي لَقبٌ غَلب عليه، نِسبةً إلى ضَيعةٍ له قُرب الطائف يقال لها «العَرْج» كان ينزل بها، وهو قُرشيّ النَّسب، عاش وتوفي في العصر الأموي.
وتَذكُر الرّوايات التاريخية أنّه وُلد بمكة المكرمة؛ وتزوَّج من إمرأة تُدعَى” عُثيمةَ بنت بَكير بن عمرو بن عثمان بن عفان”، فأنجبت له أربعة أولاد، هم: عمرو، وعثمان، وعمر، وزيد.
وكان الشاعر أشقر اللّون جميل الوجه، من أبناء اليُسْر والغنى والنِّعمَة، إذ كان يسقي إبله في كِساءِ المُخمَل، ثمَّ يغتسل ويَلبس حُلَّتين بخمسمئة دينار، وكان يُعجَب بنفسه، فيقول في شعره:
أمشي كما حَرّكت ريحٌ يمانية****** غُصناً من البانِ رطباً طلُّه الدِّيمُ
حياة العَرجِي
عاش العَرجِي في عصرٍ فقدت فيه الحجاز زعامتها السياسية، وحِيلَ بينه وبين السياسة، فانصرف إلى الإستثمار في الضِياع والأملاك، وفي هذا الوقت ازدهر فن الغزل في الحجاز، فأدلَى الشاعر بدلوه فيه، حتى غلب الغزل على أغراض شعره كلها.
نَحَا وذهَبَ في شِعرهِ مذهب الشّاعر عمر بن أبي ربيعة، وأجاد في ذلك، غير أنّه اختلف عنه في أمور منها: شَغفه بالصَّيد وحِرصهِ عليه، واختلف عنه بِفُتوّتهِ وفروسيته حتى عُدّ من الفرسان. ثُمَّ بعد ذلك اجتَذَبتهُ حروب الخليفة” مَسلمة بن عبد الملك”، بأرض الروم، فارتحل إليه وأبلى في المعارك بلاءً حسناً، وقيل عنه:« إنه كان من أفْرَس الناس، وأرماهم وأَمَرَّهم لِسَهم»، وتَعدَّدت أغراض العَرجي الشعرية، غير أنَّ ما غَلبَ عليها هو الغزل، وبعض الهجاء، وهو أحد شعراء قريش المشهورين في الإسلام، وتَعكس أشعاره صورة الحياة عند نَفرٍ من أبناء قريش المَيسُورين، وكان واحداً من أعمدة الغزل الصَّريح التي سادت الحجاز في العصر الأموي، وله ديوان شعر برواية ابن جنيّ.
قصة المقولة
تروي الرّوايات التّاريخية، بأنَّ العرجي وهو صاحب القصيدة التي مَطلعها البيت الذي يقول فيه:
أضاعوني وأيَّ فتًى أضاعوا ……. ليوم كريهةٍ وسِدادِ ثـَغْـر
قد رَغِب بمنصبٍ سِياسي في خلافة” هشام بن عبد الملك”، وقد تَطلّعت نفسه لولاية مكة المكرمة، وكان محمد بن هشام المخزومي خَال الخليفة يَتلَمّس المنصب نفسه الذي يُريده العَرجي؛ فأسند الخليفة ولاية مكة لِخَالهِ” محمد بن هشام”، ويبدأ الصِّدَام بين العَرجي والمخزومي، ولجأ كلّ واحدٍ لسلاحه.
وارتَكزَ المخزومي على ابنِ أخته الخليفة هشام، وتَحصّن العرجي بشعره ولسانه؛ فتغزل غزلاً صريحاً بأمِّ المخزومي واسمهَا (جَيدَاء)، وبزوجته (جَبرة المخزومية)، وفيها يقول:
إلى جَيداء قد بَعثوا رسولا
ليُخبرها فلا صَحب الرسولُ
كأنَّ العام ليس بعامِ حَجٍّ
تَغيّرت المواسم والشُّكولُ
فلمَّا علِمَ” محمد بن هشام المخزومي”، وكان على ولاية الحجاز، بتَغزّله بأمّه وزوجته عُنوةً ونِكَايةً فيه، ألقى عليه القبض وضربه ضرباً مُبرحاً، وصَبَّ الزَّيت على رأسه، وأوقفه للناس في الشمس حتى أُغشِيَ عليه، وسجنه تسع سنين حتى مات في سجنه حوالي سنة 120هـ.
وبعد أن اشتد عليه سجنه وطالت عليه مُدّتهُ قال قصيدة الشهيرة:
أضاعوني وأيَّ فتًى أضاعوا
ليوم كريهةٍ وسِدادِ ثـَغْـر
وصبرٍ عند معترَك المنـايا
وقد شُرِعتْ أسنَّتُها بنَحري
أجرِّر في الجوامع كـل يومٍ
فيا لله مَظْلَمَتي وصـبـري
كأنّي لم أكن فيهم وسيطاً
ولم تكُ نِسبتي في آل عمرو
وقيل إنه لما أفضت الخلافة بعد ذلك إلى” الوليد بن يزيد بن عبد الملك”، قَبضَ على محمد بن هشام، وضُرب بالسياط ضرباً مبرِّحاً، ثم كانت نهايته، وكان ذلك انتقاماً للعَرْجي، إذ كان قريباً للخليفة، حيث ينتميان بالنَّسب إلى الخليفة عثمان بن عفان_ رضي الله عنه_.
ويُذكَر أنَّ إسحاق المَوْصِلي قال:” غَنَّيت الرشيد يوماً في عُرض الغناء:
أضاعوني وأي فتىً أضاعوا
ليوم كريهةٍ وسداد ثـغـر
فقال لي: ما كان سبب هذا الشعر حتى قاله العرجي؟
فأخبرته بِخَبره من أوّلهِ إلى أنْ مات، فرأيته يَتغيَّظ كُلّما مرَّ منه شيء. فأتبَعتهُ بحديث مقتل ابنِ هشام، فجعل وجهه يُسفِر وغَيظهُ يَسكُن، فلما انقضى الحديث، قال لي: يا إسحق؛ والله لولا ما حَدَّثتنِي به من فعل الوليد لمَا تركت أحداً من أمَاثِل بني مخزوم إلّا قَتلتهُ بالعَرجِيّ.
وفاته
توفي في سنة 120هـ، وكان سبب وفاته كمَا ذُكِر؛ أنّه هجا محمد بن هشام المخزومي، وتَغزّل بزوجته «جَبْرة المخزومية» ووالدته «جَيداء»، ولمّا وُلّي هشام إمارة مكة زمن هشام بن عبد الملك، حَبَسهُ وعذّبَهُ وصبَّ الزيت على رأسهِ، وظل في سجنه تسع سنوات حتى مات.