أغراض الأدب في العصرالعباسي

اقرأ في هذا المقال


ولعلَّ أبرز انعطاف طرأ على الشعر العربي في العصر العباسي، هو انبثاق غرضين آخرين أضيفا إلى سائر الأغراض المعهودة في الشعر العربي، هما: غرض المجون والزندقة وغرض الزهد والتصوّف. ومع أنَّ لهذين الغرضين جذوراً في الشعر العربيّ القديم، إلّا أنهما بلغا في هذا العصر والمدى مع التطرّف.
ولقد انطوى المجتمع الإسلامي في العصر العباسي على كثير من التعقيد، كما عرض له كثير من الاختلال؛ وكان ذلك كله بسبب التبدل الشديد الذي أصاب الحياة الاجتماعيّة والفكرية والدينيّة.
إذ التفت الناس إلى حياة اللهو نتيجة انقضاء مرحلة الجهاد والفتح، فازدهرت التجارة وحركة القوافل، تكاثر المتموِّلون، تركزت الثروة في جيوب فئة من الأغنياء، نشطت تبعاً لذلك حركة المتاجرة بالرقيق، انتشرت أسواق النخاسة، شاع اقتناء الجواري والغلمان، بعد أنْ انصبت عناصر أعجميّة كثيرة على الحياة العربيّة من فرس وروم وترك، حاملة معها نزعاتها ونزواتهان وعاداتها وأهواءها، فكرثت عناصر الموالي، تزعزعت القيم وضعفت الأعراف والتقاليد.
وهكذا برزت الزندقة لتغدوا مظهراً من مظاهر التحلل في الأخلاق والسلوك والاستهتار بالقيم والأعراف. وقد تطرّف الشعراء في ذلك، مِن أمثال بشار وأبي نواس ومطيع بن إياس، حين أطلقوا لأنفسهم عنان القول وخرجوا عن نطاق الحشمة والوقار.
ولم يفتقد الأدب ذلك الحب العذري أو العفيف وما اتسمت به من ملامح الطهر والنقاء، بل ابتلى بنمط شاذ مستحدث من الشعر الهابط في مضونه ولم يعهده العرب من قبل وهو التغزل بالمذكر، كما لم يعد الكثيرون يجدون حرجاً في شرب الخمرة وارتكاب المعاصي متحللين من كل خلق ودين.
وثمة نزوات كثيرة اشتهر بها أبو النواس وتجلّت في أقواله وأفعاله، إنَّه يخاطب ساقية في ألحانة بكلمات طافحة بالاستهتار والتحدي:

ألا فاسقني خَمْراً وقُلْ لي هي الخَمْرُ ولا تَسْقِني سِراً إذا أمْكنَ الجَهر

حتى إنَّ بعضهم جهر بالزندقة ومنهم بشار ابن برد وحماد عجرد والحسين بن الضحاك وصالح بن عبد القدوس وسواهم. وقد عرف أكثرهم بالمجنون والتهتك. والملاحظة أنَّ هذه النزعات المتطرفة قد برزت في مدن العراق كالبصرة والكوفة وبغداد؛ نتيجة انصباب فئات كبيرة من الأعاجم على سكان تلك الحواضر، حاملة معها نحلها الغربيّة، ومن بوذية وزادشتية ومانوية وغير ذلك.


شارك المقالة: