أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون

اقرأ في هذا المقال


طرائق الهداية كثيرة ومتنوعة، ومن أنار الله بصيرته، فتح له أبواباً عديدة للهداية، ولا يُشترط أن تأتي الهداية بكلام عربي مبين، بل قد تأتي الهداية عن طريق العجماوات – البهيمة –والجمادات، المهم أن يكون نظام التفكير دقيقاً لا يقبل باطلاً، ويقظاً منفتحاً على ألوان الهدايات.


وفي قصة ابني آدم، بعدما قتل قابيل أخاه هابيل، ولم يكن يعرف سنة الدفن قال تعالى: ﴿فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَابࣰا یَبۡحَثُ فِی ٱلۡأَرۡضِ لِیُرِیَهُۥ كَیۡفَ یُوَ ٰ⁠رِی سَوۡءَةَ أَخِیهِۚ قَالَ یَـٰوَیۡلَتَىٰۤ أَعَجَزۡتُ أَنۡ أَكُونَ مِثۡلَ هَـٰذَا ٱلۡغُرَابِ فَأُوَ ٰ⁠رِیَ سَوۡءَةَ أَخِیۖ فَأَصۡبَحَ مِنَ ٱلنَّـٰدِمِینَ﴾ صدق الله العظيم، [المائدة ٣١] وتأمل هذا التصريح بأنّ الله هو الذي بعثه، والتصريح بأنّ الهدف من ذلك تعليمه وهدايته كيف يواري سوأة أخيه! وقد أشار المفسر الكبير ابن جرير الطبري إلى هذا الأمر فقال: ولم يكن القاتلُ منهما أخاه عَلِم سنّة الله في عبادِهِ الموتى، ولم يدر ما يصنع بأخيه المقتول. فذكر أنّه كان يحمله على عاتقه حينًا حتى أراحت جيفته، فأحب الله تعريفَه السنة في موتى خلقه، فقيَّض له الغرابين الذين وصف صفتهما في كتابه.

لقد كان هذا الطائر وصنيعه طريقاً للإرشاد والاستفادة، وتفكير المسلم وعقله يجب أن لا يعمى عن هذه الدلائل، وألّا يُعرض عن أسباب الهداية في وحيه أو خلقه.

وكذلك ما جاء قصة سيدنا سليمان عليه السلام في سورة النمل قال تعالى: ﴿حَتَّىٰۤ إِذَاۤ أَتَوۡا۟ عَلَىٰ وَادِ ٱلنَّمۡلِ قَالَتۡ نَمۡلَةࣱ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّمۡلُ ٱدۡخُلُوا۟ مَسَـٰكِنَكُمۡ لَا یَحۡطِمَنَّكُمۡ سُلَیۡمَـٰنُ وَجُنُودُهُۥ وَهُمۡ لَا یَشۡعُرُونَ﴾ صدق الله العظيم [النمل ١٨] فالنملة كانت حريصة كل الحرص على زميلاتها من سليمان وجنوده، وكان من سيدنا سليمان التعجب من موقفها وحرصها فقال تعالى عنه: ﴿فَتَبَسَّمَ ضَاحِكࣰا مِّن قَوۡلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوۡزِعۡنِیۤ أَنۡ أَشۡكُرَ نِعۡمَتَكَ ٱلَّتِیۤ أَنۡعَمۡتَ عَلَیَّ وَعَلَىٰ وَ ٰ⁠لِدَیَّ وَأَنۡ أَعۡمَلَ صَـٰلِحࣰا تَرۡضَىٰهُ وَأَدۡخِلۡنِی بِرَحۡمَتِكَ فِی عِبَادِكَ ٱلصَّـٰلِحِینَ﴾ صدق الله العظيم [النمل ١٩].

وفي الجمادات أسباب للهداية لقوم يتفكرون، فمساكن الذين ظلموا وهي خاوية آيات بينات، والعقل البصير لا يمرُّ على هذه الديار غافلاً مُعرضاً، بل مستيقظاً مستبصراً يرى آياتها، ويسمع مواعظها، قال تعالى: ﴿أَفَلَمۡ یَهۡدِ لَهُمۡ كَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّنَ ٱلۡقُرُونِ یَمۡشُونَ فِی مَسَـٰكِنِهِمۡۚ إِنَّ فِی ذَ ٰ⁠لِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّأُو۟لِی ٱلنُّهَىٰ﴾ صدق الله العظيم[طه ١٢٨]، فجعل المساكن من أسباب الهداية، واعتبرها من الآيات لقوم يسمعون.

وفي موطن آخر يقول الله تعالى : ﴿أَوَلَمۡ یَهۡدِ لَهُمۡ كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّنَ ٱلۡقُرُونِ یَمۡشُونَ فِی مَسَـٰكِنِهِمۡۚ إِنَّ فِی ذَ ٰ⁠لِكَ لَـَٔایَـٰتٍۚ أَفَلَا یَسۡمَعُونَ﴾ [السجدة ٢٦] جعل المساكن للهداية والدلالة لقوم يسمعون.


شارك المقالة: