الآية:
إِنَّا كُنَّا مِن قَبۡلُ نَدۡعُوهُۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡبَرُّ ٱلرَّحِیمُ
في سورة الطور تتجلّى بعض مشاهد المتقين، بعد دخولهم جنة النعيم، ومن أكثر ما يلفت النظر في هذه السورة، حديثهم عن أسباب دخولهم كما في قوله تعالى (وَأَقۡبَلَ بَعۡضُهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضࣲ یَتَسَاۤءَلُونَ (٢٥) قَالُوۤا۟ إِنَّا كُنَّا قَبۡلُ فِیۤ أَهۡلِنَا مُشۡفِقِینَ (٢٦) فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَیۡنَا وَوَقَىٰنَا عَذَابَ ٱلسَّمُومِ (٢٧) إِنَّا كُنَّا مِن قَبۡلُ نَدۡعُوهُۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡبَرُّ ٱلرَّحِیمُ (٢٨)) [الطور ٢٦-٢٨]
إنّ إقبال الإنسان على صاحبه، وإقباله عليه بكليته، لا يكون غالباً إلا عند إلقاء البشارات، والأخبار السّارة، وكذبك يفعل أهل الجنة حين يقبل بعضهم على بعض، ويستساءلون: ماذا كنتم تعملون في الدنيا؟ كيف نلتم هذا العطاء الرباني؟ كلٌ يسأل صاحبه ويحكي قصته، وكلهم- على اختلاف اشكا ل تعبيرهم- يدورون في الجواب على حقيقة واحدة (قَالُوۤا۟ إِنَّا كُنَّا قَبۡلُ فِیۤ أَهۡلِنَا مُشۡفِقِینَ).
إنّ معنى الإشفاق هو الخوف المصحوب برحمة، والحذر المصحوب بعناية كما قال تعالى عن المتقين في سورة الانبياء: ﴿ٱلَّذِینَ یَخۡشَوۡنَ رَبَّهُم بِٱلۡغَیۡبِ وَهُم مِّنَ ٱلسَّاعَةِ مُشۡفِقُونَ﴾ [الأنبياء ٤٩] أي مشفقون على أنفسهم منها.
ومن ثمّ الإشفاق هو وازع التقوى وموردها ومغذيها، فمعنى أنّهم كانوا في أهلهم مشفقين بيان لما كانوا عليه من قبل في حياتهم الدنيا، من حال الحذر والرُّعب، والخفاء من لقاء الله تعالى.
وفي الآخر اكتمل جواب المتسائلين عمّا به كان نجاتهم بقوله (إِنَّا كُنَّا مِن قَبۡلُ نَدۡعُوهُۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡبَرُّ ٱلرَّحِیمُ) وسياق الكلام دالٌّ على أنّ مدار الدعاء، كان حول طلب النجاة من النار، والفوز برضا الرحمن.
وقد يتسع معنى الدعاء هنا ليشمل كل معاني العبادة وعلى رأسها التوحيد والإخلاص ، وهذا كان ثمرة الإشفاق الذي كانوا عليه من قبل، وهو من علامات التقوى.
ثمّ ختم المشهد فقال (إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡبَرُّ ٱلرَّحِیمُ) واستعمال ضمير الفصل (هُوَ) مقرون ب أل الاستغراقية في اسميه (ٱلۡبَرُّ ٱلرَّحِیمُ) يفيد تخصيص ذلك به وحده.
والمعنى لا برّ على الحقيقة سواه، ولا رحيم على الكمال غيره، والبر: معناه كثير العطاء، والإحسان.والرّحيم: كثير الرحمة، الذي تسع رحمته كل من تاب إليه.
فاللهم إنّ مغفرتك أوسع من ذنوبنا، ورحمتك أرجى عندنا من أعمالنا، فاغفر لنا وارحمنا.