صاحبة المقولة
عائشة الحرَّة والدة آخر ملوك غرناطة” أبي عبدالله الصَّغير”الذي اشتهر بكونه آخر ملك مسلم في بلاد الأندلس.
وُلدت في مدينة” فاس” في المَغرب، وعاشت مُعظم حياتها في الأندلس، وتحديداً في مملكة غرناطة الإسلامية في الأندلس؛ وزوجها هو الملك” أبو عبدالله محمد الحادي عشر.
لَعِبت هذه المرأة دوراً مُهمَّاً في إنقاذ عرشِ غرناطة من مؤامرات ضُرَّتها” ثُرَّيا الرُّوميّة”، وثبات الغرناطيين أمام النصارى؛ وخاصة في بعثِ روح المقاومة لدى ابنها الملك” أبي عبد الله الصغير”. واحتفظ الإسبان إلى يومنا هذا باحترامٍ وتقدير لهذه المرأة، وألَّفُوا حولها القصص والأساطير، وحافظوا على منزلها في حَي البَيازِين” الشهير بغرناطة، والمعروف اليوم بـقصر دار الحُرَّة.
قصة المقولة
يقوم أبو عبدالله محمد الثاني عشر؛ من بني نَصر أو بني الأحمر المُنحدرة من قبيلة الخَزرج القحطانية ، والذي حَكَمَ مملكة غرناطة في الأندلس، بين عامي( 1482م – 1492م)، وهو آخر ملوك الأندلس المسلمين المُلقَّب بـ( الصَّغير). يقوم من” وادي آش” ويثور على أبيه ويخَلعهُ عن الحُكم، وتقوم حرب أهلية بين الإبن والأب، والذي التجأ الأخير إلى أخيه أبو عبد الله محمد الزُّغل حاكم” مالقة”.
وبعد وفاة أبي الحسن، والد أبو عبدالله الصَّغير؛ اشتدَّت الحرب بين أبي عبد الله الصغير وعمّهِ” الزُّغل”، وقسَّموا المملكة المُسلمة إلى شَطرين. وقد استغل العدوّ النَّصراني الفُرصة، وانقَضَّ أولاً على ما بِيدِ الزُّغل من أراضي؛ فاستسلم هذا الأخير ودخل تحت لواء فرناندو الثاني ملك أراغون، وزوجتهِ إيزابيلا الأولى ملكة قَشتالة.
وبقي ما بيد” أبي عبد الله الصغير”، وقد اعتقد النصارى أنّه سَيُسلِّم لهم مفاتيح البلاد دون مقاومة. لكن هنا ظهر الدور الكبير لعائشة الحُرَّة، التي حرّضت ابنها على المقاومة وساعدها على إذكاء روح المقاومة رجل قَلّما ذَكرهُ التاريخ وهو” موسى ابن أبي الغَسّان” الذي أسكت كل الأصوات الدَّاعية إلى الإستسلام، وفعلاً استجاب” أبو عبدالله الصَّغير” للتَّحريض؛ وظهرت منه بطولات مُحترمة في جهاد الإسبان.
هاجم الأسبان إمارة” مالقة” ليَستولُوا عليها؛ ويُبِيدوا من كان بها من المسلمين، إلّا أنَّ”عبد الله الزُّغل” هَزَمهم هزيمة نكراء، وأعطى المسلمين الأمل في إرجاع كرامتهم المفقودة. ولكنَّ” أبا عبدالله الصَّغير” قد شعر بالغِيرَة من أبي عبدالله الزغل عند ظهوره كبطل شعبي يُعطي الأمل للمسلمين، وقام بالهجوم على الإسبان، لكنَّه هُزِم شَرَّ هزيمة، ووقع في الأسرِ لمُدّة عامين، وخرج بعد توقيعه اتفاق سِرّي مع ملك إسبانيا فرناندو وزوجته إيزابيلا، يقضي بأن تصبح مملكة غرناطة تابعة لفرناندو وإيزابيلا، ملوك” قَشتالة وأراجون”.
حصار غرناطة
في عام 1489م، استدعاه فرناندو وإيزابيلا لتسليم غرناطة، ولدى رفضه أقاما حصاراً على المدينة. فقام أبو عبدالله الصَّغير بتوقيع اتفاق ينصُّ على تسليم غرناطة، على الرغم من رفض المسلمين لهذه الإتّفاقية. وبسبب رفض أهل غرناطة لهذ الاتفاقية، اضطرَّ المسلمين للخروج في جيش عظيم للدفاع عن المدينة، ولأنَّ أبا عبدالله الصغير لم يستطع الإفصاح عن نِيّته في تسليم المدينة، قام بِدَبِّ اليأس في نفوس الشعب من جهات خَفيّة، إلى أنْ توقفت حملات القتال، وتمَّ توقيع اتفاقية عام 1491م، والتي تنصُّ على تسليم المدينة, وتسريح الجيش ومصادرة السلاح.
استَسلمَ أبو عبدالله الصَّغير أخيراً لفرناندو الثاني، وإيزابيلا يوم 2 يناير 1492م. وسَمَّاهُ الإسبان el chico( أي الصَّغير)، وABoabdil (أبو عَبديل)، بينما سمَّاه أهل غرناطة” الزُّغابي“، (أي المشؤوم أو التعيس).
وحَسَب الرواية التَّاريخية، فالمكان الذي ألقى” أبو عبدالله الصغير” منه نظرته الأخيرة على غرناطة ما زال معروفاً باسم ( زَفرَة العربيّ الأخيرة) و(بالإسبانية: el último suspiro del Moro)؛ وبكى على هذا الفردوس المفقود( الأندلس)؛ فقالت له أمّهُ” عائشة الحُرَّة” مقولتها المشهورة:
« ابكِ مثل النساء مُلكاَ مُضاعاً … لمْ تُحافظ عليه مثل الرِّجال».
في المَنفى
غادر أبو عبد الله الصغير الأندلس إلى مدينة فَاس، وعاش هناك حياة لم يَعرف أحد عنها شيئاً، حتى مات عن عمر يناهز الخمسة والسبعين عاماً.