صاحب المقولة
أبو الحسن خلف الأحمر، والأحمر لَقبٌ لُقّبَ به، ويكَنّى أيضاً بأبي محرز؛ وكان مَولى” بلال بن أبي بُردة”. شاعرٌ صاحب براعة في الآداب، وحَملَ عنه ديوانهُ أبا نوّاس، وكان راوية ثِقة علّامة، واشتُهِرَ أنّه كان ينحَل الشِّعر( أي كان يقول الشّعر على طريقة القُدماء، ثمَّ يَنسب ما يقولهُ لهم).
كان خلف الأحمر نحويٌّ من الكوفة في العراق، ومن أشهر نُحاةِ الطبقة الثالثة من المدرسة الكُوفيّةِ في النَّحو؛ اشتُهِر بمُصاحبتهِ للإمام الكِسائي الذي يَعدُّهُ كثيرون المؤسس الحقيقي للمذهب الكُوفي في النَّحو.
عَمِلَ خلف الأحمر في البداية جُنديّاً لدى الخليفة الرّشيد، ومن ثَمَّ مال إلى العِلم، وكان يُراقب الإمام الكِسائي إذا حضرَ عند الرّشيد، فيسير خلفهُ متى ما فرغَ من نوبتهِ في الجيش، يستمعُ منه حديثهُ ويُناقشهُ في المسائل، حتى صار واحداً من أصحابهِ.
تولّى تأديب الأمين بن هارون الرّشيد، عندما أُصيبَ الكِسائي بالبَرص، وقد توفّي في طريق الحجّ في سنة 194 هجرية، وقد قال عنه الإمام الشَّهير الفَرّاء عندما توفي:” ذَهبَ من كان يُخالفنِي في النَّحو”.
كان خلف الأحمر يحفظ الكثير من الشَّواهد النَّحويّة، حيث قالوا عنه أنّهُ كان يحفظ أربَعينَ ألف شاهد من الشواهد النَّحويّة، سِوى ما كان يَحفظ من القصائد وأبيات الغريب. وخَلف الأحمر هو أوّل من دَوّنَ عن الكِسائي ونقل آراءهُ؛ وتَتلمذَ على يديهِ عدد من الطّلاب منهم أبو نوّاس.
قصة المقولة
قِل أنَّ أبا نوّاس الشاعر العبّاسيّ، استأذنَ خلفاً الأحمر في نَظمِ الشِّعر، فقال له: لا آذن لكَ في عمل الشِّعر؛ إلّا أنْ تحفظ ألف مقطوعٍ للعَرب ما بين أُرجوزةٍ وقصيدةٍ ومقطوعة. فغاب أبو نوّاس مُدّةً من الزَّمنِ عنه ثمَّ حضرَ إليه، فقال له: قد حفظتهَا.
فقال له خلف الأحمر: أنْشدهَا أمامي؛ فأنشدهُ أكثرها في عِدّةِ أيام؛ ثمَّ سألهُ أنْ يأذَن له في نَمن الشِّعر. فقال له: لا آذَن لكَ إلّا أن تنسى هذه الألف أُرجوزة، كأنّك لمْ تَحفظها.
فقال له أبو نوّاس:هذا أمرٌ يَصعبُ عليّ، فإنّي قد أتقَنتُ حفظها. فقال له: لا آذَن لكَ إلّا أنْ أنْ تنساها. فَذهبَ أبُو نوّاسٍ إلى بعضِ الأديِرَةِ، وخلا بِنَفسهِ، وأَقامَ مدَّةً حتَّى نَسِيهَا ثُمَّ حَضَرَ فقالَ: قَدْ نَسيتهَا فغابَ عَنهُ مدَّةً وحضرَ إليهِ، فقالَ لَهُ: قَدْ حَفظْتُها، فقالَ لَهُ خَلَف الأَحمرُ: أَنشِدْهَا، فأَنشَدهُ أكثَرَها في عدَّةِ أيامٍ.
ثمَّ سألهُ أن يأذن له في نظم الشِّعر، فقال له: لا آذن لك إلَّا أن تنسى هذه الألف أرجوزة كأنَّك لم تحفظها. فقال له: هذا أمرٌ يصعب عليَّ، فإنِّي قد أتقنت حفظها. فقال له: لا آذن لك إلَّا أن تنساها. فذهب أبو نواس إلى بعض الأديرة، وخلا بنفسه، وأقام مدَّة حتى نسيها. ثمَّ حضرَ فقال: قد نسيتهَا حتّى كأنْ لمْ أكُنْ حفظتهَا قطْ. فقال له خلفُ الأحمرُ: الآن انظم الشِّعر يا أبا نوّاس.