الأخلاق الإسلامية في الشعر الأندلسي

اقرأ في هذا المقال


يعتبر شعر الأخلاق التي حثّ عليها الإسلام من أهم الأشعار التي تميز بها شعراء الأندلس، ولقد انظم شعراء الأندلس لرجال الدعوة الإسلامية؛ لمساعدتهم في توضيح الأمور الإسلامية والدعوة للتمسك بالأخلاق الإسلامية الحميدة، فتناولوا هذه الأخلاق في قصائدهم وأشعارهم واصفين بها ممدوحيهم، كما شجعوا على التمسك بالأخلاق الإسلامية الحميدة، وسنتناول في هذا المقال أهم هذه الأخلاق التي تناولها الشعر الأندلسي.

مفهوم الأخلاق

مفهوم الأخلاق في اللغة

الأخلاق في اللغة هي: هي الأخلاق النابعة من القيم الداخلية للفرد، وكلمة الخُلُق تعني السجيّة والطبع والمروءة والدين”.

ومن هذه المفردات الأربعة تتجلى في مظهر الإنسان الخارجي على نمط سلوك وأفعال، وبالقدر الذي يتم فيه التطابق بين القيم الداخلية والسلوك الظاهر للفرد، أما إذا لم يتم هذا التطابق فيتم وصف هذه العادة بالزيف والكذب والنفاق؛ لأن المظهر السلوكي لا يُعبّر هنا عن الحقيقة الداخلية للفرد، لذلك يُقال أن شخصًا يتصف بغير صفاته الحقيقية، أي أنه يتكلف ويتصنع في ذلك، وفي ذلك قال سالم بن وابصة:

يا أيها المتحلي غير شيمته           إن التخلق يأتي دونه الخلق

مفهوم الأخلاق في التصور الفلسفي

كان الأساس الرئيسي في هذا المفهوم يعتمد على صفتي السجية والطبع، كما جاء في المفهوم اللغوي، ولقد عرف مفهوم الأخلاق في هذا التصور كما ذكره ابن مسكوية بأنه: “حال للنفس داعية لها إلى أفعالها من غير تفكير ولا تروي في ذلك”.

مفهوم الأخلاق في التصور الإسلامي

للإسلام رؤية واضحة تخص حياة الإنسان، فتعمل على الموازنة بين أقطابها وتدلها نحو مركز الوجود الأساسي وهو الخالق، تجعلها تتوجه نحو الله سبحانه وتعالى، وأن جميع هذه الصفات هي أساس تَشكّل النظام الإسلامي.

ويُعَدّ شعر الأخلاق الإسلامية من أهم وأشهر المواضيع التي نظم فيها شعراء العصر الأندلسي، فلقد تعاون الشعراء مع رجال الدعوات الإسلامية في نشر رسالة الإسلام، والتمسك بالأخلاق والصفات الحميدة التي حث عليها الإسلام.

فنظموا الشعر في القيم والأخلاق الإسلامية، وشجعوا على التحلي بهذه الصفات والأخلاق، ومن هذه الصفات التي تناولها شعراء الأندلس: الشجاعة والكرم والصدق والعفة والعدل والتواضع والوفاء، وغيرها الكثير من الأخلاق، ومثال على هذا الشعر قول ابن حزم مشيرًا إلى بعض هذه الصفات والأخلاق:

زمام جميع الفضائل فيه       عدل وفهم وجود وباس

فعن هذه ركبت غيرها        فمن حازها فهو في الناس راس

كذا الرأس فيه الأمور التي     بإحساسهايكشف الالتباس

أبرز الأخلاق الإسلامية في شعر الأندلس

الحكمة والزهد

من المعروف عن شعر الحكمة أنه خلاصة التأملات الفلسفية من تجارب الحياة المتنوعة، ومن خلال ذلك اهتم بعض الشعراء بأفكارهم وآرائهم الخاصة عن الحياة والوجود في هذا الكون، وكان لكل هذا سببًا في إنتاج شعر مفعم بالموعظة والعِبر من جهة، ومن جهة أخرى يوضح لنا ما ينتقده الحكماء من أطباع، وأخلاق ونظام سياسة مجتمعاتهم، ومثال على ذلك قول أبي الوليد الباجي:

تبلغ إلى الدنيا بأيسر زاد      فإنك عنها راحل لمعاد

وغض عن الدنيا بدار إقامته    فيعتد من أغراضها بعتاد

وأيضًا قول الشاعر أبي عمر بن عبد البر القرطبي:

تجاف عن الدنيا وهون لقدرها       ووف سبيل الدين بالعروة الوثقى

وسارع بتقوى الله سرًا وجهرةً      فلا ذمة أقوى هديت من التقوى

ولا تنس شكر الله في كل نعمة      يمن بها فالشكر مستجاب النعمى

فدع عنك ما لا حظ فيه لعاقل         فإن طريق الحق أبلج لا يخفى

التوبة والاستغفار

وهذه العبارات هي الأساس التي اعتمد عليها شعر الزهد، فمعرفة الذنب والاستغفار والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى ظهرت واضحة في عبارات الذل والاستسلام لله في شعر التوبة والاستغفار، ومثال على هذا الشعر قول البطليموسي:

قل لقوم لا يتوبون        وعلى الإثم يصرون

خففوا ثقل المعاصي      أفلح القوم المخفون

لن تنالوا البر حتى         تنفقوا مما تحبون

فلقد تناول البطليموسي في هذا الشعر الدعوة للرجوع لله، والتمسك بالأخلاق الإسلامية، وفيه تحذير لأصحاب النفوس الضعيفة والتي يذكرهم فيها بالآخرة، ومنها قول ابن خفاجة:

صحا عن اللهو صاح عاقه خلقًا            فقام يخلع سربالًا له خلقا

وعطل الكأس من شقراء سابحة         ألا كفاها بريعان الصبا طلقا

الكرم والجود

طغت صفات الكرم والجود في شعر الأخلاق الإسلامية، وكانت من أكثر واشهر الصفات التي كان يتصف بها الممدوحين بغض النظر عن مراتبهم، فدائمًا الشخص الممدوح يتصف بالكرم والجود وكثير الإنفاق، ومثال على هذا قول ابن عمار وهو يمدح المعتضد:

أندى على الأكبار من قطر الندى        وألذ في الأجفان من سنة الكرى

قداح زند المجد لا ينفك من        نار الوغى إلى نار القرى

يختال إذ يهب الخريدة كاعبًا        والطرف أجود والحسام مجوهرًا

ومنه قوله أيضًا:

ملك يروقك خلقه أو خلقه      فالروض يحسن منظرًا أو مخبرًا

وسمعت باسم القطر حتى شمته    فرأيته في بردتيه مصورًا

وجهلت معنى الجود حتى زرته     فقرأته في راحتيه مفسرًا

فاح الندى متعطرًا بثيابه    حتى حسبنى كل ترب عنبرًا

الحق والعدل والشرف والمجد

وهي من الأخلاق الإسلامية التي تداولها الشعراء في وصف ممدوحيهم، حتى أننا نرى جميع هذه الصفات لم تغيب عن الممدوحين، ومثال على ذلك قول أبي الوليج حسان بن المصيصي في مدح المعتمد:

ملك تواصله الدنيا ويهجرها    سرًا ويلبس تقوى الله في الحلل

لا تحمدن زهد من لا يعط رغبته    لعلة غضّ من جفنيه ذو الحول

وكم له سنة قد ضاء الزمان بها    ضوء بلا لهب كالشمس في الطفل

تنهاه عفته عن أمر بطشته    فالمشتري عنده قاض على زحل

يطوي على نور إيمان جوانحه    والنفس من كوكب والجسم من رجل

إنكار الأخلاق السيئة

كما تناول شعراء العصر الأندلسي الأخلاق الإسلامية الحميدة ودعا الناس إلى التمسك بها والتحلي بها، فلقد تناولوا أيضًا الأخلاق السيئة في اشعارهم وحثوا الناس على تركها والابتعاد عنها، ومن هذه الصفات زلات اللسان، البخل، العجب، ومثال على ذلك قول الشاعر ابن حمديس:

لسان الفتى عبد له في سكوته    ومولى عليه جائر إن تكلما

فلا تطلقنه واجعل الصمت قيده    وصير إذا قيدته سجنه الفما

وقال ذي الرأسين، أبي مروان عبد الملك بن رزين في ذم البخل ويحث الناس للاستفادة من أموالهم:

من كثر الجند رأى سعده    يصعد حتى ينتهي حده

ومن أذل المال عزت به    أيامه وانصرفت جنده

فاهدم بناء البخل وارفض به    من هدم البخل بنى مجده

وفي النهاية نستنتج أن شعر الأخلاق من أهم الاشعار التي تميز بها شعراء الأندلس، فتناولوا هذه الأخلاق الإسلامية في قصائدهم وأشعارهم، كما تناولوا الصفات السيئة وحثوا الناس على تركها والابتعاد عنها.


شارك المقالة: