الأدب في عصر الدول المتتابعة:
من العسير تحديد أطوار الأدب في عصر الدول امتتابعة بسنوات معينة؛ نظراً لتداخل بعضها ببعض، كما يُمكن تحديد إطار هذا الموضوع بالحكم الذي ساد في كل حقبة من حقب ذلك العصر.
حقب الأدب عصر الدول المتتابعة:
أولاً: الععد الزنكي” 521-579/هـ1126-1183م”.
ثانياً: العهد لاايوبي” 579-648/هـ1183-1250م”.
ثالثاً: العهد المملوكي” 648-922هـ/1517-1798م.
ذلك هو الإطار الزماني، أما الإطار المكاني، فهو موطن حكم هذه الدول وهو بلاد الشام ومصر، في المقام الأول، أيضاً بعض أرجاء الجزيرة العربيّة كالحجاز واليمن، أمّا ما كان خارج هذه البلاد في العصر العثماني فلا يدخل في إطار البحث؛ لأنَّ المراكز الثقافيّة والفكريّة والأدبيّة الكبرى كانت في أرض الشام ومصر في الدرجة الأولى.
ّولعلَّ معالم العهد الزنكي والعهد الأيوبي والعهد المملوكي متقارب بعضها من بعض، أكثر من قربها من معالم العهد العثماني.
ومن هذه المعالم أنَّ اللغة العربيّة ظلّت لغة رسميّة للزنكيين والأيوبيين والمماليك، مع أنَّ أصولهم غير عربيّة، كما أنَّ لغاتهم الأصيلة كانت غير عربيّة، أمّا في العهد العثماني، فقد غدت التركيّة لغة الدولة الرسمية وبها تكتب المراسلات والمعاهدات والمعاملات، ثم تأتي بعدها في المقام الثاني اللغة الفارسيّة وتدرّس في المدارس ويتحدَّث بها كثير من الثقفين والحًكام، ثم تأتي العربيّة في المقام الثالث والدولة العثمانيّة لا تحاربها ولا تقف عقبة في وجه من يسعى إلى تعلّمها؛ لأنَّها لغة القرآن والإسلام ولها في النفوس أرفع مقام.
ويُضاف إلى ذلك أنَّ السلاطين العثمانيين استولوا من مصر والشام على خير ما في خزائن كتبهما، كما أخذوا إلى العاصمة اصطنبول خيرة علماء العربيّة ومهرة الصناع والحرفيين. وكان ذلك سبباً في تراجع الاهتمام وتدهور اللغة وتفشّي اللحن والعاميّة والجهل والأميّة إذ خلا البلدان ممن يرفع من شأن العربيّة.
كما اهتم الزنكيون والأيوبييون والمماليك بإنشاء المدارس، حث الطلبة على العلم، رصد المكافآت المغريّة للمبرزين، تكريم العلماء، توفير المناخ الطيب لإنتاجهم. وكان بناء المساجد يساير حركة بناء المدارس والمساجد في عهدهم مواطن للعلم والدرس وإلى جانب كونها للعبادة.
وقد عرف الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي بولعه بإنشاء مدارس منظمة وعمارة المساجد، حتى أنَّه استقدم من سنجار أحد المهندسين المهرة ليبني له المدارس الفائقة في حلب وحماة وحمص وبعلبك، كما يشرف على صيانتها، حيث عُرف بحبه للحديث الشريف، فأنشأ له مدارس خاصة وأوقف عليها أوقافاً كبيرة، أيضاً ولَّى مشيختها أكابر المحدثين في زمانه، كالحافظ أبي القاسم على بن عساكر.