الأدب العربي وموطنه:
موطن الادب العربي القديم هو الجزيرة العربيّة، أو شبه الجزيرة العربيّة، أو الصحاري الواسعة والبطاح الممتدة، التي تحيط بها، أو تتخللها، جبال وهضاب مختلفة، منها ما يحاذي البحر الأحمر غالباً ومنها ما يقع في اليمن جنوباً، ذلك فضلاً عن هضبة نجد التي ترتفع ممتدة في وسط الشمال، ذلك حتّى تضمّ سلسلة أخرى من الجبال.
وهذه المناطق جميعاً كانت في العصر الجاهلي ميادين لحروب وغزوات، لأحداث سياسيّة، ظواهر اجتماعيّة وتجاريّة واقتصاديّة. وأثرت في الأدب الجاهلي وشعره ونثره. وكلمة الجاهليّة يُراد بها الحال التي كان عليها العرب قبل الإسلام. وقد استحدثت هذه الكلمة بنزول القرآن. وأطلقت على الزمن الذي كان قبل البعثة حتى فتح مكة وإرساء قواعد الدولة الجديدة.
ومهما يكن من أمر، فقد ورثنا عن تلك الحقبة الجاهليّة أدباً ناضجاً في لغته وشعره ونثره، لكن هذا الأدب الذي وصل إلينا لا يشمل الحقبة كلها، قبل الإسلام؛ ذلك أننا لا نملك نصوصاً مدونة عن مبدأ الشعر عند العرب. وعن تطوره حتى بلوغه المرحلة التي كان عليها عند ظهور الإسلام.
والمعروف أنَّ أقدم ما وصل إليه علمنا من ذلك الشعر لا يرقى عهده إلى أكثر من قرنين عن الهجرة. وقد أشار الجاحظ إلى قضية قدم الشعر العربي، فقال: وأمّا الشعر فحديث الميلاد، صغير السن، فإذا استظهرنا الشعر وجدنا له، إلى أن جاء الإسلام، خمسين ومئة عام. وإذا استظهرنا بعناية الاستظهار فمئتي عام.
وفي بعض الأشعار الجاهليّة إشارات إلى وجود الكتابة ونقوشها. وهي ترد مطاوي وصف الشعراء للأطلال والرسوم الدارسة، كقول الأخنس بن شهاب التغلبي، مشبهاً أطلال المحبوبة بالكتابة على الجلد الرقيق، على أنَّ استعمال الكتابة يقتصر على شؤون من الحياة الاجتماعيّة والتجاريّة وما إليها؛ ممّا يكون ميدانه النثر، من دون الاتكاء عليها في كتابة الشعر؛ ذلك لأنَّ العرب كانوا يعتمدون في حفظ الأشعار على الرواية الشفوية، حتَّى في خُطبهم ووصاياهم وأمثالهم ويسعفهم في هذا الحفظ ذاكرة قويد تأنس بموسيقى الشعر وأوزانه خاصّة.
واعتادت ذلك حتَّى صارت سجية من سجاياهم وطبيعة متأصلة فيهم، فضلاً عن حبهم للشعر وعنايتهم الفائقة بروايته وتناقله؛ لأنه ديوان مناقبهم وسجل حياتهم وانتصاراتهم، لم يكن لهم كما يقول ابن رشيق، علم أصح منه.