الخمريات:
الخمر هو فن من فنون التي انتشرت وشاع أمرها في نفوس الكثير من عامة وخاصة المجتمع العباسي، حيث عرفت في العصر الجاهلي والأموي وقد تغنى بها في أشعارهم فكانت تأتي في بداية قصائدهم بشكل دائم على خلاف العباسيين التي قصدوها لذاتها، حيث اتسعت في المعجم الفني لشعر الخمر وقد ازدادت ثروته وتنوعت صورة الخيال في العصر العباسي ممّا يدل قصائد الخمريات على تطور واتساع الثقافة في العصر العباسي فقد كان الشعراء يهتمون به وبخصائصه الفنية للشعر العباسي من خلال تصوير الألوان ومذاقها وأوانيها وأيضاً مجالسها وتأثير الشاربين للخمرة فهم يرون بأنها أحياناً محبوبة لهم أدمنوا عليها وفراقها يؤذيهم ويجعلهم يشعرون بنقص شيء أساسي في حياتهم .
ويعد الشاعر المعروف أبو نواس من الشعراء المتخصصين بالحديث عن الخمرة ومجالسها وأدواتها وكل ما يتعلق بها فقد كان الشعراء مثل الأعشى والأخطل قد سبقوا أبو نواس في شعر الخمرة ولكن لم تكن عنهم باباً قائماً بذاته؛ لأنّ الخمرة عندهم كانت وسيلة وليست غاية، فكانت الخمرة عند أبو نواس باباً مستقلاً أقتصر شعره على الخمريات فكتب به الكثير وأبدع فيه التصوير.
فقد كانت ملامح التجديد في الخمريات عند أبو نواس حيث كان يتعمق في معانيها وكانت تحتل في مطلع قصائده العباسية محل رقيق الشعر في النساء وكانت تستقل القصائد وتعد عرض من أعراض القصيدة التقليدية، وقد كانت قصائد أبو نواس في الخمريات تتسم بعدّة سمات ومنها الترف والبساطة وسهولة اللغة، وكانت تمتاز بعدة ميزات وهي: الصدق ووحدة الموضوع وأيضاً نجاحها في تمثيل نفسية القائل.
أشعار الخمريات في العصر العباسي:
رد أبو نواس على إبراهيم النظام الذي لامه عل شر الخمرة، قائلاً:
دع عنك لومي فإنّ اللوم إغراء
وداوني بالتي كانت هي الداء
صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها
لو مسها حجر مسّته سراء
وكان أبو نواس يلجأ إلى الخمرة لكي ينسى محاصرة الزمن وقرب الرحيل إلى مصير مجهول، قائلاً:
غرد الديك الصدوح
فاسقني طاب الصبوح
إسقني حتى تراني
حسناً عندي القبيح
قهوة تذكر نوحاً
حين شاد الفلك نوح
نحن نخفيها ويأبى
طيب ريح فتفوح
فكان القوم نهبى
بينهم مسك ذبيح