التفكير والهوى واحترام الدليل

اقرأ في هذا المقال



التفكير والهوى واحترام الدليل :

إنّ نظام التفكير كما يتعامل مع الأفكار والأخبار العقدية الكبرى، يتعامل مع الأخبار والأفكار اليومية، ولذلك؛ تنحسر الشائعات والأكاذيب حيث يعمل هذا النظام، وتشيع الأغاليط حيث يسترخي ويضعف النظام، وفي مملكة النبي الصالح ( سليمان عليه السلام) لم يتخلف هذا النظام، حتى مع الحماس للتوحيد، والغيرة على دين الله من جريمة الشرك؛ فقد جاء الهدهد منتصراً للتوحيد، متوجعاً ممّا رآه من الشرك، قال الله تعالى ناقلاً عن الخبر: ﴿ فمَكَثَ غَیۡرَ بَعِیدࣲ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمۡ تُحِطۡ بِهِۦ وَجِئۡتُكَ مِن سَبَإِۭ بِنَبَإࣲ یَقِینٍ (٢٢) إِنِّی وَجَدتُّ ٱمۡرَأَةࣰ تَمۡلِكُهُمۡ وَأُوتِیَتۡ مِن كُلِّ شَیۡءࣲ وَلَهَا عَرۡشٌ عَظِیمࣱ (٢٣) وَجَدتُّهَا وَقَوۡمَهَا یَسۡجُدُونَ لِلشَّمۡسِ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَزَیَّنَ لَهُمُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ أَعۡمَـٰلَهُمۡ فَصَدَّهُمۡ عَنِ ٱلسَّبِیلِ فَهُمۡ لَا یَهۡتَدُونَ (٢٤) أَلَّا یَسۡجُدُوا۟ لِلَّهِ ٱلَّذِی یُخۡرِجُ ٱلۡخَبۡءَ فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِ وَیَعۡلَمُ مَا تُخۡفُونَ وَمَا تُعۡلِنُونَ (٢٥) ٱللَّهُ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡعَظِیمِ  (٢٦)﴾ [النمل ]صدق الله العظيم.

ورغم هذه الغيره على دين الله، والانتصار لشأن التوحيد، بقي نظام التفكير والتعامل مع الأخبار قائماً لا تُلغيه العاطفة، فقال له نبي الله (سليمان عليه السلام): ﴿۞ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقۡتَ أَمۡ كُنتَ مِنَ ٱلۡكَـٰذِبِینَ (٢٧) ٱذۡهَب بِّكِتَـٰبِی هَـٰذَا فَأَلۡقِهۡ إِلَیۡهِمۡ ثُمَّ تَوَلَّ عَنۡهُمۡ فَٱنظُرۡ مَاذَا یَرۡجِعُونَ (٢٨) قَالَتۡ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلۡمَلَؤُا۟ إِنِّیۤ أُلۡقِیَ إِلَیَّ كِتَـٰبࣱ كَرِیمٌ (٢٩) إِنَّهُۥ مِن سُلَیۡمَـٰنَ وَإِنَّهُۥ بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ (٣٠) أَلَّا تَعۡلُوا۟ عَلَیَّ وَأۡتُونِی مُسۡلِمِینَ (٣١))صدق الله العظيم.

اختبارٌ صعب لنظام التفكير حتى يأتي الخبر كما نهوى؛ فأكثر الأخبار الكاذبة نقبلها حين نهواها، والأكثر قُرباً من أئمة الدين هو من يُحافظ على نظام تفكيره فيما يُحب ويكره، ومن يبحث عن البينة في تصديقة وتكذيبه، ومن ينتصر نظامه في التفكير على عاطفته وهواه.

ونظام التفكير الصحيح يحترم البينة والدليل أيّاً كان مصدره، ويوسع مداركه ليأخذ العظه والعبرة حيثما كانت، فالحب ليس شرطاً في القبول والاستفادة، والكره ليس مانعاً من الاستماع والاختيار، وفي يوم عاشوراء قال النبي صلى الله عليه وسلم كلمته النورانية، عندما قدم النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجّى الله بني إسرائيل من عدوّهم، فصامه موسى – عند مسلم شكراً – فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فأنا أحقّ بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه.

ولذلك قال العلماء: لا مانع من التحرج من ذكر الشهادات والثناءات على رسولنا الكريم بلسان الكفار والمخالفين ، من باب أنّ الكلمة الصادقة والمحايدة لها تأثير خاص على العقول والنفوس.


شارك المقالة: