التقليد والتجديد في الشعر الأندلسي

اقرأ في هذا المقال


عرف عن الشعر الأندلسي أنه عبارة عن تقليد لشعر المشرق العربي، وكانت بلاد الأندلس في البداية لا علم لها بالأدب العربي، وقد أدت الفتوحات الإسلامية إلى انفتاح الأندلس على مختلف العلوم والآداب المشرقية، وكان الشعر الأندلسي مقلدًا لشعر المشرق سواء بالصفات العامة للشعر أو بالأغراض والمواضيع التي تناولها الشعراء، وأدى دخول عناصر مختلفة من الأعراف والأصول إلى أرض الأندلسي إلى انفتاحها على علوم وآداب الدول الأخرى، ومرَّ الشعر الأندلسي في هذه المرحلة بالتقليد والتجديد، وفي هذا المقال سنتناول هذه المراحل بالشرح والتوضيح والتفصيل.

التقليد في الشعر الأندلسي

غلب على الشعر الأندلسي في بداية نشأته سمت المحافظة والتقليد، وكانت هذه السمة هي أولى توجهات الشعر الأندلسي، وكان الشعر في هذا العصر مبهم الملامح، غير واضح المعالم، وسبب ذلك يرجع إلى انشغال الأندلسيين بالحروب، وكان همهم الأول هو إرساء وتثبيت أركان الدولة، لهذا السبب نجد الشعر الأندلسي يرهق كاهل الشعر المشرقي فهو عالة عليه، وحتى من حاول من الشعراء فك قيود التقليد المشرقي وقع في مشكلة التقليد للمضمون والشكل، فلم يستطيع التحرر الكامل من هذه القيود.

ومن هؤلاء الشعراء الذين حاولوا التحرر من قيود المشرق العربي، لكنهم تورطوا بتقليد الشكل والمضمون، أبو الأجرب جعونة بن الصمة، وأبو الخطار.

مظاهر التقليد في الشعر الأندلسي

1- الوزن الواحد: لم يستطيعوا التخلص من البحور الشعرية المشرقية وقد اتبعوا البحور الشعرية الستة عشر، التي أوجدها الخليل بن أحمد.

2- تعدد الموضوعات: قامت القصيدة الأندلسية بالتقليد للقصيدة المشرقية من حيث الموضوع، وبدأوا قصائدهم بالوقوف على الأطلال كما هو معروف عن باقي القصائد، وكذلك الغزل، ووصف الرحلة، وتطرقوا إلى المواضيع التقليدية مثل: الهجاء، الرثاء، المدح، والوصف وغير ذلك من الأغراض، فكان الشعر الأندلسي في بداية نشأته ملتزم بهذه الأغراض.

3- قوة وجزالة الألفاظ الشعرية: كان اللفظ الذي في القصيدة قويًا جزلًا، ولم يكن بسيطًا من الألفاظ المعروفة ومتداولة بين الناس.

4- بداوة الصورة البيانية: ونقصد بالصورة البيانية الاستعارة والتشبيه والكناية، فكما هو معروف عن البيئة الأندلسية بأنها أرض خضراء غاية في الجمال فهي ذات تضاريس خلابة، أما التشبيه والصور البيانية في الشعر الأندلسي كان يغلب عليها طابع البداوة، وكما هو معروف أن المشرق العربي هو شبه جزيرة أي أن الصحراء هي الغالبة على طبيعة المشرق العربي فمنها يظهر التقليد واضح في الشعر الأندلسي.

ورأى العرب هنا أن أدبهم وشعرهم خير أدب، ولهذا السبب ظل محافظ عليه في الأندلس، وفي عصر عبد الرحمن الداخل وعندما سيطر على السلطة الأندلسية، حدث تغيير كبير وأصبح هناك ازدهار فكري، وبدأ الشعر في هذه المرحلة بالتحرر من الشعر المشرقي، وظل طابع الشوق إلى المدن المشرقية يسيطر عليهم مثل شوق عبد الرحمن الداخل، إلى بلاده في العراق والشام حيث يقول:

أيها الراكب الميم أرضي

أقرِ من بعض السلام لبعضي

إن جسمي كما تراه بأرضي

وفؤادي ومالكيه بأرضي

وكان عبد الرحمن الداخل، يَحنُ إلى واحات النخيل الموجودة في بلاده في المشرق، عندما يرى أشجار النخيل ويقول فيها:

تبدت لنا وسط الرصافة نخلة

تناءت بأرض الغرب عن بلد النخل

نشأت بأرض أنت فيها غائية

فمثلك في الإقصاء والمنتأى مثلي

التجديد في الشعر الأندلسي

وهنا تظهر المرحلة الثانية التي مرَّ بها الشعر الأندلسي، وهي مرحلة الإبداع والازدهار، وقد بدت معالم التحرر تظهر في هذه المرحلة وأصبحت تفك قيود التقليد في جميع العلوم والمعارف والآداب، وأدى دخول مختلف الأجناس والأصول والأعراف إلى أرض الأندلس أثر واضح لتجديد والإبداع، وقد وصل التجديد إلى الشعر الأندلسي، وطال القصيدة في هذا التجديد من حيث التغيير في الشكل ومضمون القصيدة، فظهر في هذا العصر العديد من الأغراض الشعرية الجديدة مثل الموشحات والأزجال وشعر الطبيعة وغير ذلك.

مظاهر التجديد في العصر الأندلسي

1- أثر البيئة الأندلسية الخلابة، وسيطرتها على مشاعر الشعراء الأندلسيين، فهي فاقت بلاد المشرق بالجمال، وكانت الطبيعة الأندلسية هي الملهم الأول لشعراء الأندلس، ودفعتهم لتجديد واستحداث مواضيع جديدة بعيدة عن المواضيع التقليدية في الشعر المشرقي.

2- تغلب الأحداث في الأندلس وكذلك تقلبات الزمان: شهدت بلاد الأندلس العديد من التغيرات السياسية التي دفعت بالشعراء لنظم بمواضيع جديدة.

3- الانفتاح الثقافي وتطوره: بسبب كثرة المجالس العلمية التي كان يتم عقدها في قصور الملوك والأمراء وكثرة بيوت العلم والعلماء.

4- اعتبار الشعر الأندلسي منافس لشعر المشرقي: دفعهم هذا إلى تسمية شعرائهم بأسماء شعراء من المشرق العربي مثل: متنبي الأندلس، بحتري الأندلس، الرصافي البلنسي، ابن الرومي الأندلسي وغيرهم الكثير.

أسباب التجديد في العصر الأندلسي

ظهر تغيير وتجديد في شكل ومضمون القصيدة الأندلسية، ورافق الأحداث التي عاشتها بلاد الأندلس ظهور التجديد الموضوعي بأغراض شعرية لم تكون معروفة ومنها:

1- وصف الطبيعة: لعب شعر الطبيعة دورًا مهمًا في عملية التجديد وساعدهم على ذلك الطبيعة الجميلة التي كانت تتمتع بها بلاد الأندلس، ولقد تغنى بجمالها العديد من الشعراء الأندلسيين مثل: ابن خفاجة، وابن زيدون، وابن زهر، وغيرهم الكثير.

2- وصف المعارك: كثرت المعارك والحروب في الأندلس، وظهرت الممالك والطوائف، وكان هذا دافع كبير لظهور شعر وصف المعارك في هذا العصر.

3- الموشحات: هذا الفن الرائع الذي ولد ولمع نجمه في سماء الأندلس وبرز فيه العديد من الموشحين في هذا العصر ومن أشعارهم: الكندي، والرصافي ومن موشحاته التي قالها في المدح:

لو جئت نار الهوى من جانب الطور

قبست ما شئت من علم ونور

وظهر أيضًا فنًا من فنون الشعر الأندلسي وهو الزجل وسطع نجم العديد من الشعراء في هذا الفن الجديد ومنهم ابن زمرك ويقول:

يا مطلع الأنوار كم فيك مرأي جميل

ونزهة الأبصار ماضر لو تشفي العليل

4- الغزل: على الرغم من الجمال الخلاب الموجود في الأندلس، إلا أن الشعراء ظلوا متمسكين بنظرتهم المشرقية الملتزمة، وكانوا في البداية يلجؤون إلى الغزل الحسي، والبعض الآخر لجأ إلى اتخاذ من الغزل طريق للهو والسمر، واتجه آخرون إلى اتخاذ الغزل طريق للتعبد، والابتعاد عن أحاديث الفجور وهذا ما يسمى بالغزل العذري.

5- الشعر التعليمي: رافق التطور والازدهار في الأندلس إلى ازدهار في الحركة العلمية، وتوجه الشعراء إلى نظم الشعر في العلوم التي عرفت في هذا العصر، وكان الهدف الأساسي من نظم مثل هذا الشعر سهولة دراستها وحفظها، وبرز في هذا الشعر العديد من الشعراء مثل: ابن عبد ربه، ولسان الدين الخطيب.

وفي النهاية نستنتج أن الشعر الأندلسي في أول بدايته كان مقلدًا لشعر المشرقي، وبسبب الفتوحات الإسلامية أدت إلى انفتاح الأندلس على العديد من العلوم والآداب، وكانت دافع في التحرر وفك القيود والاتجاه نحو الاستقلال في جميع النواحي الأدبية والعلمية.

المصدر: ملخص قواعد اللغة العربية، فؤاد نعمة، 1998ملخص قواعد اللغة العربية النحو والصرف، أمين سيد، 2017الموجز في قواعد اللغة العربية، سعيد الافغاني، دار الفكر بيروتملخص قواعد اللغة العربية، سعد كريم، 2014


شارك المقالة: