الحجاج والشعر السياسي في العصر الأموي

اقرأ في هذا المقال


يعتبر الحِجاج أسلوب من أساليب الخطاب يختلف من واحد إلى آخر حسب المراد والمقصد منه الإثبات والإقناع وظهر في العهد الأموي بشكل كبير نتيجة الأحداث السياسية والفكرية، وخصوصاً في مجال الكلام المنظوم الذي توجه إليه كل حزب في تلك الفترة وفي هذا المقال سنوضح الحِجاج وأثره في نفس المتلقي وما هي وسائله.

مفهوم الحجاج عند النقاد العرب

لغة: يتحدث ابن منظور عن الحجاج: ” حاججت أحَاجه حجاج، ومحاجة حتى حججته أي غلبته بالحجة التي أدليت بها، والحجة والبرهان، وقيل الحجة ما دُوفِع به الخصم. ” 

ويقول عنه الحنفي أيضاً: ” فأما الحجة: فاسم يعم الكل، وكذلك البيئة والبرهان، وتفسير الحجة أنها: اسم من حج إذا غلب، لج فحج أي غلب، وحاجته فحججته أي: غلبته ألزمته بالحجة حتى صار مغلوبا. ”   

اصطلاحاً: هو تبادل الحديث بين اثنين أو فريقين غرض وهدف كل واحد منهما تصحيح قوله وإثباته وإظهار الخطأ في قول الآخر، وعنها يقول ظافر الشهري: ” هو الآلية الأبرز التي يستعمل المرسل اللغة فيا وتتجسد عبرها استراتيجية الإقناع. “

الحجاج في شعر الشيعة في العصر الأموي

والشيعة هم مجموعة اتبعت علي فكانت تؤمن بأحقيته بالحكم حيث نشأت بعد مصرع عثمان فزادت الفتن وبرزت مجموعات تناصره وتجعله أحق بالسلطة، وبعد مصرع علي وسيطرت الأمويين على السلطة ظهرت هذه الفِرق بشكل أوسع وكان منهم شعراء يركزون على الحجاج وهجاء الأعداء من الأمويين.

 في الأدب السياسي يرى المتمعن أن رواد الأدب الشيعي يطالبون بالسلطة لعلي وكان الشاعر يذكر الأشياء المتعارف عليها بين الناس وذكر صفات علي الحميدة، ومثال عليه قوله الحميري:

وهو الذي يَسمُ الوجوهَ بِميسم

حتى يُلاقي خَصمَهُ مَوسوما

ما زالَ مذ سلكَ السبيلَ محمدٌ

ومضى لغيرِ مَذلّةٍ مَظلوما

ضامَته أُمَته وضيمُهمُ له

قد كان أصغر ما يكونُ عَظيما

في الأبيات السابقة يذكر الحميري شجاعة علي ويذكر منزلته في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، كان عزيزاً مُهاباً لوجود النبي صلى الله عليه وسلم إلى جانبه لكنه وبعد وفاته ظُلم كثيراً، ويجب التدبير وإعادة النظر في ذلك.

كما برز في أسلوب الشيعة إلى ذكر التناقص ومغالطة الطرف الآخر من بني أمية ويستهزئ بحجتهم ويوضح تناقضها، ومثال ذلك ما قاله الكميت:

وقالوا ورثناها أبانا وأُمَّنا

وما ورَّثـَتـْهم ذاك أمٌّ ولا أبُ

يرون لهم حقاً على الناس واجباً

سِفاهاً وحقُّ الهاشميين أوْجَبُ

ولكن مواريث ابن آمنة الذي

به دان شرقيٌّ لكم ومَغـْرِبُ

ويظهر رد الحجة ونَقضها أيضاً في قوله:

يَقُولُونَ لَم يُورَث وَلَولا تُرَاثُه

لَقَد شَرِكَت فِيهِ بَكِيل وأرحَبُ

وعَكٌّ ولَخمٌ والسَّكُونُ وحِميَرٌ

وكِندَةُ والحَيَّانِ بَكرٌ وتَغلِبُ

وَلاَنتَشَلَت عِضوَينِ مِنهَا يُحَابِرٌ

وكَانَ لِعَبدِ القَيس عِضوٌ مُؤَرّبُ

ولانتَقَلَت من خِندِفٍ في سِوَاهُمُ

وَلاَقتَدَحَت قَيسٌ بِهَا ثم أثقَبُوا

وَمَا كَانَتِ الأنصَارُ فِيهَا أذِلَّةً

وَلاَ غُيّبَاً عَنها إذَا النَّاسُ غُيَّبُ

وإذا أمعنا النظر في الكلام المنظوم الشيعي وجدنا الاستشهاد بالقرآن الكريم، فهم قدَّموا جميع البراهين لتثبيت رأيهم وإظهار أحقية علي بالخلافة وإبراز عصيانهم للحكم الأموي ومثال عليه قول الكميت:

بِخاتِمِكُم غصبَاً تَجُوزُ أُمورُهُم

فَلَم أرَ غَصبَاً مِثلَهُ يَتَغصَّبُ

وَجَدنَا لَكُم فِي آلِ حَامِيمَ آيةً

تَأوَّلَهَا مِنَّا تَقِيُّ وَمُعرِبُ

وَفِي غَيرِهَا آياً وآياً تَتَابَعَت

لكم نَصَبٌ فِيهَا لِذِي الشَكِّ مُنصِبُ

بِحَقِّكُمُ أمسَت قُرَيشٌ تَقُودُنا

وبِالفَذِّ مِنها والرَّدِيفَينِ نُركَبُ

إذا اتَضَعُونَا كارِهينَ لِبَيعَةٍ

أنَاخُوا لأخرَى والأزِمَّةُ تُجذَبُ

لجأ الحميري للتذكير بوصية النبي صلى الله عليه وسلم بعلي، ومن أجل هذا يؤكد بأحقيته بالسلطة ويتحدث:

من كنت مولاه فهذا له

مولى فلم يرضوا ولم يقنعوا

كما برز عند الشيعة من ينحازون لبني هاشم ليس من أجلهم وإنما يقصدون الرسول صلى الله عليه وسلم، ومثال عليهم ما ذكره أبو الأسود الدؤلي:

يَقولُ الأَرذَلونَ بَنو قُشَيرٍ

طَوالَ الدَهرِ لا تَنسى عَليّا

فَقُلتُ لَهُم وَكَيفَ يَكونُ تَركي

مِنَ الأَعمالِ ما يُقضى عَلَيّا

أُحِبُّ مُحَمَّداً حُبّاً شَديداً

وَعَبّاساً وَحَمزَةَ وَالوصِيّا

وَجَعفَرَ إِنَّ جَعفَرَ خَيرَ سِبطٍ

شَهيداً في الجِنانِ مُهاجِرِيّا

وَما أَنسى الَّذي لاقى حُسَينٌ

عمد أيضاً أدباء الشيعة إلى الجزم بأحقية أهل قريش بالحكم ويتوجهوا إلى ذكر علي وأحقيته بذلك على أساس أنه جزء لا يتجزأ من أهل قريش ومثال عليه قول كُثير عزة:

ألا إنّ الأئمّةَ من قريشٍ

ولاةُ الحقِّ أربعةٌ سواءُ

عليٌّ والثلاثةُ من بنيهِ

هم أسباطُه والأوصياءُ

كما لجأ أصحاب الكلام المنظوم إلى قلب الحجج التي يقدمها الخصم مثل حديث الأمويين بأن لهم الأحقية بالسلطة، كونهم الأفضل وهم من سبقوا إليها فاستغل رواد الكلام ذلك مثل الحميري حيث يقول:

لعمري لئن كان للسابقين 

وسيلة فضلٍ على التابعين

كما استفاد شعراء الشيعة من أسلوب الأمويين في توريث السلطة والخلافة وسخروا منهم واستغلوا ذلك وجعلوه حجة عليهم، ويوضحون طمع بني أمية بالخلافة وفي ذلك يقول عبد الله السلولي:

فإن تأتوا برملة أو بهندٍ

نبايعها أميرة مؤمنينا

وفي النهاية نستنتج إن الحجاج برز في الأدب السياسي الشيعي في عهد الأمويين الذين قدموا من خلاله راود الكلام الحجج والبراهين التي تثبت أحقية علي بالحكم أكثر من الأمويين، ولقد برز العديد من الشعراء في هذا المجال مثل الحميري وأبو الأسود الدؤلي وغيرهم الكثير.

المصدر: صورة المرأة في الشعر الجاهلي 2014كتاب الحيوان في الشعر الجاهلي تأليف حسين جمعة 2022الحركة العلمية والأدبية في دار الخليفة العباسي 2017الأمثال العربية والعصر الجاهلي تأليف محمد توفيق 2005الحياة العلمية في عصر الخلافة في الأندلس 2015


شارك المقالة: