الحج عبادة دينية يتشوق المؤمن لأدائها ويحرص عليها، وكان هذا الموسم مختلف عند عمر بن ربيعة ومن أهم أوقات العام المحببة إلى قلبه، ليس من أجل العبادة وإنما كان فرصة سانحة له ليجتمع ويلتقي بالنساء والحديث معهن والنظر إليهن، وفي هذا المقال سنوضح صورة موسم الحج عند عمر بن أبي ربيعة من خلال مقطوعاته.
صورة الحج في شعر عمر بن أبي ربيعة
لم يكن عمر يضيع أي لحظة تمكنه من الاجتماع بالمرأة والتكلم معها والتمعن فيها، وكان موسم الحج الأحب والأقرب إلى قلبه، ولا يرى فيه إلا أنه مسرح إسلامي يعرض فيه الجمال، وكان عمر يقصد من الحج لا الأجر والثواب إنما اللهو والعبث ويقول في ذلك:
يقصد الناس للطواف احتساباً
وذنوبي مجموعة في الطواف
كان عمر بن أبي ربيعة يجهز نفسه لاستقبال هذا الموسم فيلبَسُ أجمل الثياب ويضع أحسن أنواع العطور، ويتحدث عنه أبو الفرج: ” كان عمر يقدم ويعتَمر في ذي القعدة، ويحج ويلبَس تلك الحلل والوشي ويركب النجائب المخضوبة بالحناء عليها القطوع والديباج، ويسبل لمته، ويلقى العراقيات فيما بينه وبين ذات عرق محرمات، ويلتقي المدينات ويلتقي الشاميات.
إن المتمعن في مقطوعات أبي ربيعة يدرك أن يرى هذا الموسم ما هو إلا معرض يعرض فيه الجمال وليس فريضة يؤدونها الناس وغايته منه ليس الأجر والثواب إنما رؤية النساء ولقاء صاحبته ويقول في ذلك:
فَما إِن لَنا في أَهلِ مَكَّةَ حاجَةٌ
سِواكِ وَإِن قَضَّيتِ مِن وَصلِنا الأَرَب
وَقَولي لِنِسوانٍ لَحَينَكِ في الهَوى
إِذا عَقلُ إِحداهُنَّ مِن وَصلِنا عَزَب
أَجِئنا الَّذي لَم يَأتِهِ الناسُ قَبلَنا
فَقَبلي مِنَ النِسوانِ وَالناسِ مَن أَحَب
لذلك نراه يتمنى لو أن هذه الفريضة كانت على الناس يؤدونها كل شهرين ويظهر ذلك في قوله:
ليت ذا الدهر كان حتما علينا
كل شهرين حجة واعتمارا
ويتحدث عمر عن موسم الحج وكيف يهيأ له الفرصة للقاء صاحبته ويقول
ويسرها لنا الميمون حتى
لقيناها ببطن منى تسير
وينشد أيضًا في ذلك:
ما نلتقي إلا ثلاث منى
حتى يفرق بيننا القدر
الحج عند عمر فرصة ويجب أن يستغلها ويطيل التحديق في الأنثى وكان يتربص لهنَّ منذ قدومهن لأداء الفريضة ويقول:
نظرت عيني اليها نظرة
مهبط الحجاج من بطن يمن
موهنًا تمشي بها بغلتُها
في عثانين من الحج ثُكن
لم يتحرج عمر من التحديق بالمرأة وهي تقوم بأداء الحج ويقول:
ما زالَ طَرفي يَحارُ إِذ نَظَرَت
حَتّى رَأَيتُ النُقصانَ في بَصَري
أَبصَرتُها لَيلَةً وَنِسوَتِها
يَمشينَ بَينَ المَقامِ وَالحَجَرِ
بيضاً حِساناً خَرائِداً قُطُفاً
يَمشينَ هَوناً كَمِشيَةِ البَقَرِ
ينتظر عمر الرمي ليُحدق بالمرأة عند رمي الجمرات فينشد:
فلم أر كالتجمير منظر ناظر
ولا كليالي الحج أفلتن ذا هوى
وقوله أيضًا فرحًا برؤية معصمها وهي ترمي:
بدأ لي معصم يوم جمرة
وكف خضيب زينت لبنان
ونراه في مقطوعاته يراقبها في كل منسك ويقول:
وجلت عيشةُ بطن مكة إذ بدت
وجهًا يضيء بياضة الأستار
وكان يتمادى في الأمر ولا يخجل من سؤال الحجاج عن صاحبته ويقول:
بالله ربكم أما لكم
بالمشعرين وأهله خُبر؟
أو ما أتاكم بالمحصب من منى
من أم عمرو وتربها ذكر
إذن من خلال ما سبق يتضح أن وقت الحج كان عند عمر موسم للعشق واللهو والعبث مع النساء، وكان يرتقبهنَّ في الطواف وغيره ويذكرهن في أبياته وبعد انتهاء الحج يودعهن وهو على أمل لقائهن في الموسم القادم ويقول:
وما من لقاءٍ يرتجي بعد هذه
لنا ولهم دون التفاف المجمر
ويرد على لسان صاحبته التي توعده باللقاء في الموسم القادم إذا نسيها الموت ولم يغيبها:
إن ينسنا الموت ويؤذن لنا
نلقاك إن عمرت بالموسم
ونرى من خلال مقطوعاته أنه ليس الوحيد الذي يترقب هذا الوقت من أجل اللقاء بالجمال ويستعد له، بل إن العديد من النساء يقصدن الحج من أجل رؤية عمر والتكلم معه، وتصرح إحداهن أن غايتها من هذه الفريضة هي رؤية عمر ولولاه لم تكبدت تعب السفر والمشقة ويقول عمر في ذلك:
أومت بعينيها من الهودج
لولاك في ذا العام لم أحجج
أنت إلى مكة أخرجتني
ولو تركت الحج لم أخرج
وكذلك قوله:
وكقال الخود لما واجهت
جهة الركب وعيناها درر
يا أبا الخطاب ما حشمتنا
حجة فيها عناء وسهر
بعد بر الله إلا نظرة
منكم ليس لها عندي خطر
كما نرى في مقطوعاته كيف أن المرأة تعتني بعمر وتحاول لفت نظره إذا انشغل عنها راحت تشكو لرفيقتها التي بعد ذلك تقدم لها النصح وماذا تعمل للفت انتباهه مرة أخرى إذا يقول:
فإذا ما راح واستلمي
إن دنا في طوفه الحجرا
وأشِفى البُرد عنك له
كي تشوقيه اذا نظر
يتضح لنا أن عمر يفسد حجه من أجل الغزل وملاحقة المرأة والتمتع بجمالها، والمرأة أيضًا تفسد فريضتها وتخسر حجتها من أجل عمر الذي تلاحقه في الطواف وتغمِزه وتتابعه بنظراتها وتستعين في رفيقتها من أجل إفساد حج عمر ويقول:
قالت لترب لها ملاطفة
لتُفسدن الطواف في عمر
قالت تصدي له ليُبصرنا
ثم اغمزيه يا أخت في خفر
قالت لها قد غمزته فأبى
ثم اسبطرت تسعى على أثري
رأي النقاد في سبب اقتران المرأة بالحج في شعر عمر
اختلف رواد النقد في هذه المسألة وراءها البعض بأن عمر يقصد من وراء اقتران المرأة بالحج هو تأكيد عفته وطهارَة حبه الذي نشأ في مكان مقدس وفي وقت طاهر، ورأى البعض أنه شخص مستهتر لا يحترم المقدسات والعقائد الدينية ومن أبرز الآراء:
1- رأي خليل محمد عودة: ” رغبة عمر في تحقيق العالمية تحبه، وهو لا يريد أن يكون إقليميًا يقتصر على فتيات الحجاز، وإنما يريده أن يصل إلى كل فتاة عربية ولا يستطيع تحقيق ذلك من خلال التنقل عبر الأقاليم العربية.”
2- كذلك رأي عبد الله الطيب: ” إن هذا النوع من غزالة يحمل في طياته بعد آثار الوثنية الجاهلية القديمة التي كانت مرتبطة بموسم الحج.”
في النهاية نستنتج إن موسم الحج عند عمر كان مختلف وعكس لما هو متعارف عليه حيث كان هذا الوقت من أحب الأوقات إلى قلبه ليجتمع بالمرأة ويتغزل بها ويمتع عيونه بجمالها وليس من أجل الحج ونيل الأجر، كما برز في مقطوعاته أن المرأة تقصد الحج أيضًا من أجل رؤيته والحديث معه.