الخطابة في العصر الفاطمي

اقرأ في هذا المقال


تعتبر الخطابة من أهم الأشكال النثرية التي عرفها أهل المشرق منذ القدم والهدف الرئيسي منها مخاطبة الأشخاص والتأثير فيهم ولفت انتباههم ومخاطبة الألباب، فهو إبداع كلامي يخاطب العقل والإدراك من خلال تقديم البراهين، وفي هذا المقال سنتحدث من الخطابة في العهد الفاطمي وأبرز مواضيعه ورواده.

مفهوم الخطابة لغة واصطلاحا

لغة: خطب شخص إلى شخص وخطبه وأخطبها أي الإجابة والرد عليه والمخاطبة مراجعة الحديث، قال أبو منصور: ” قال الليث إن الخطبة مصدر الخطيب لا تجوز إلا على وجه واحد وهو أن الخطبة اسم الكلام الذي يتكلم به الخطيب، فيوضح المصدر.” 

اصطلاحًا: شكل من أشكال الحديث تُلقى على سمع الجماهير بقصد التأثير وإقناعهم بالحجج والأدلة، وقد مارسها الناس منذ القدم ومن أبرزها تلك التي ألقاها الأنبياء وكذلك ولاة الأمر والقادة.

نبذة عن العصر الفاطمي

يعود أصل الفاطميون إلى إسماعيل الصادق ويعود إلى المهدي أول خلفائها وقاعدتها الرئيسية المهدية وبعد الارتحال إلى مصر أُطلق عليها الفاطمية، وعرفوا بمنافسَتهم العنيفة لبني العباس على السلطة وكذلك العلم والثقافة.

لقد كان للفاطميين آثار عظيمة تشهد على حضارتهم وثقافتهم ومن أبرز الحكام هذه الدولة نذكر منهم المهدي، والمستنصر بالله وأبو القاسم وغيرهم.

الخطابة في العصر الفاطمي وأهم موضوعاتها

تعتبر الخطابة أبرز الأشكال النثرية في الأدب المشرقي وأعرقها تعلق هذا النوع من الأدب في العهد الفاطمي بموضُوعين رئيسين هما: السياسة والدين وكان كلاهما مترابطان يخدم كل منهما الآخر لذلك نرى أنها جاءت مزيج من الدين والسياسة.

استغل خطباء تلك الفترة المنابر لصعود عليها وإلقاء خطبهم التي تساند مذاهبهم وتأكد أحقيتهم في السلطة حيث استمَالوا قلوب وألباب الجماهير لسياستهم عن طريق الدينية البارزة منها، لتأكيد على رسالتهم وهدفهم وكانت تتميز الخطب في ذاك الوقت بالقوة وترابط النسيج ولها أثر شديد في نفس المتلقي.

سمات الخطابة في العصر الفاطمي

1- تفردت الخطابة في هذا العصر بقوة وبأس المضمون الذي تتضمنه.

2- الاقتباس من القرآن والسنة.

3- اختيار المفردات المناسبة للمحتوى والإكثار من السجع والمحسنات البديعية.

4- قوة الأسلوب وجمال العبارات وقوة التأثير في نفس الجماهير.

أنواع الخطابة في العصر الفاطمي

1- الخطابة الدينية: كان لهذا النوع أثر واضح في نفوس المسلمين وبواسطتها يتمكن الخطباء من إرشاد الناس وتوعيتهم ودعوتهم لتقوى الخالق عز وجل وطاعته والحث على أداء العبادات للتقرب من الله، ازدهر هذا الشكل من الخطابة في العهد الفاطمي بشكل كبير ويرجع سبب ذلك لحاجتهم إليها لنشر قيمهم ومبادئهم في النفوس، ومن أبرز مواضيعها خطب الجُمع والأعياد.

2- الخطابة السياسية: تطور هذا النوع بشكل لافت في الزمن الفاطمي وخصوصًا من المغرب لأنهم يريدون تثبيت سيادتهم وتقديم الأدلة في أحقيتهم بالحكم، ومن أهم مواضيع هذا النوع من الخطابة التقريع وهي التي تقال بهدف التوبيخ ودفع المتلقي لترك أمر قبيح وفعل عكسه.

نماذج من خطب الفاطميين

1- خطبة المهدي الذي عُرف بالمنصُور الله وتحدث:

” اللهم إنك أخرجتني من المهاد والوساد وجنبني الرقاد وحلفتني السهاد، وسلكت بي مغاوز البلاد، اللهم احكم لي على مخلد بن كيداد، فرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في  البلاد فأكثروا فيها الفساد، اللهم أنزلهم بالمرصاد، اللهم إنك تعلم أنني سلالة نبيك، وابن رسولك، وبضعة من لحمه، ونقطة من دمه، ما قلت فجرا ولا بددا، اللهم إنك تعلم من أين أقبلت وإلى أين انتهيت، وما فيك لاقيت، اللهم إني بذلت مهجتي ونفسي في سبيلك مجاهدا لعدوك طالبا الثأر لنبيك.”

2– خطبة ربيع القطان أحد فقهاء ذلك الوقت:

” الحمد لله الواحد الرحمن، الفرد الديان، الصمد الموجود بكل مكان الحي المعبود الذي كشف الأغطية عن قلوب أهل خاصته فأبصرت، وفتح بأنوار الإيمان دياجيها فأشرقت، ونزع عنها قناع الجهل فأسرعت ودعمها برفع العلم فتأديت، وجلت بنوافذ لمحتها في الملكوت فأيقنت، فغدت لدى تكوين الرياضات مشربها، وجل بفضل العزيز في المعارف خطبها، حتى أحلهم تعالى برياض ونهر مبرته، وكساهم حلل أهل معرفته.”

وفي النهاية نستنتج إن الخطابة في العهد الفاطمي قد تطورت نتيجة لعدة أسباب ودوافع من أهمها توجه الحكام إلى هذا النوع من النثر من أجل إثبات أحقيتهم بالسلطة، مستخدمين لذلك أقوى أنواع الخطب السياسية التي لها وقع في نفوس الجماهير ومن أبرز الخطب التي تقال في المناسبات الدينية وعلى المنابر.


شارك المقالة: