الأمثال الشعبية توغلت منذ القدم، فقد قيلت من خبرات وتجارب عميقة لأجيال قديمة، فكان لها أثر كبير في توحيد المُثل العليا والعادات والوجدان والطباع البشرية.
قصة مثل “الديك على دمنته صياح”:
يقال في قديم الزمان أنه كان هناك ديك يعيش في مزرعة كبيرة في إحدى التلال العالية، المكسوة بالأشجار المثمرة، فكان يقطن معه مجموعة من الدجاج، كان الديك مغتر ومفتخر بنفسه كثيراً، إذ لا أحد يستطيع الاقتراب من مزرعته، كما أنه كان يمتلك بيت خشبي صغير وجميل، يقف يومياً على حافته قبل بزوغ الفجر ويصيح، معلناً بذلك شروق الشمس في مملكته.
فقد كان الديك مقنع دجاجاته أن الشمس لا يمكنها الشروق من دون صياحه، وأن هذا ما ميزه الله تعالى به عن غيره، فهو موكل بالاستيقاظ باكراً، حتى يصيح بأعلى صوته، ليتمكن من إيقاظ الشمس النائمة لتشرق على الدنيا من جديد وتُضيء الكون وتُعيد أرواح الناس إليهم من جديد بعد سباتهم الطويل في الليل.
فكانت الدجاجات تتفهم وتتابع تلك المهمة للديك الموقر ببالغ الاهتمام، فقد كانت تواكب شروق الشمس، بعد صياح الديك العذب، مما جعل الدجاجات تصدق أن شروق الشمس مرتبط بصياح الديك، طالت الأيام والدجاجات يشاهدن أن الديك يقوم بالمهمة الموكولة إليه على أتم وجه، فيصيح مبكراً ويتجول في المزرعة؛ ليعطي تعليمات وتوصيات ومحاضرات قبل توجه الدجاجات للنوم.
وفي إحدى الليالي الأنيسة والدافئة، قام الديك بعمل حفلة صاخبة واستدعى العديد من أصدقاءه المقربين، فاستمروا في الزمر والطبل حتى وقتٍ متأخر من الليل، ثم خلدوا إلى النوم مهلكين من التعب، وفي الصباح برزت الشمس وعندما وصلت لوسط السماء، اندهشت الدجاجات من عدم سماعهن لصياح الديك أبداً، فهرعن إليه ظناً منهن أنه قد مات، ثم أصبحن يحركن فيه بهز شديد، فنهض الديك ونفض جسمه، وبدأ بالصياح فقد ظن أن الصباح ما زال في بدايته.
فسخرت الدجاجات منه بقولهن: لا تُجهد نفسك، فقد بزغت الشمس منذ ساعات دون إذنك، وما نحن إلا ضحية كذبك وخداعك، وكم كنا ساذجات عندما صدقنا أن الشمس تحتاج لأذنك حتى تشرق، فأسرعن بالرحيل عن المزرعة وبقي الديك لوحده.
العبرة من مثل “الديك على دمنته صياح”:
حبل الكذب قصير، فكيف إذا كان على قدرة إلهية، حيث إن إقناع الآخرين بقدرات خارقه من وحي الخيال الشخصي هي من الأشياء التي سرعان ما تنكشف، ولكن نتائجها تكون غير مرضية، فقد قُصد بكلمة دمنته بهذا المثل أي مزبلته، فلم يرضي الديك في العيش بسلام مع الدجاجات دون كذب وخداع، حتى بقي لوحده في المزرعة، فأصبحت كالمزبله يصيح فيها لوحده.