الرثاء في الشعر الجاهلي

اقرأ في هذا المقال


يعتبر الرثاء من الأشكال الواضحة في الشعر المشرقي عبر عصوره المتنوعة، حيث توجه شعراء المشرق منذ القدم إلى الرثاء إذا فقدوا شخصًا عزيزًا عليهم إلى الكلام المنظوم، ليصف ما يشعرون به من حُزن على فراق هذا الشخص، وفي هذا المقال سنتناول رثاء الفترة الجاهلية وأهم مواضيعه بالتوضيح.

موضوعات الرثاء في العصر الجاهلي

1- رثاء الوالد: كانوا أصحاب الكلام المنظوم يرثون والديهم ويتحسّرون على تكملة مسيرة الحياة بدون وجودهم، واصفين حزنهم المرير جراء فقدهم، ومثال على ذلك ما جاء من مراثي في ذلك الوقت قول ابنة حكيم تبكي والدها:

أَيَرجو رَبيعٌ أَن يؤوبَ وَقَد ثَوى

حَكيمٌ وَأَمسى شلوه بمطبّقَِ

فَإِن كنتمُ قَومًا كِرامًا فَعَجّلوا

لَه جُرأةً مِن بأسِكم ذات مصدقِ

فَإِن لَم تَنالوا نيلكم بِسُيوفكم

فَكونوا نِساءً في الملاء المخلَّقِ

وَقولوا ربيعٌ ربّكم فَاِسجُدوا له

فَما أَنتمُ إلّا كَمِعْزَى الحبلَّقِ

2- رثاء النجل: هذا الشكل من الرثاء كان قوي الأثر والسيطرة على نفس الفاقد، بما يحتويه من مشاعر صادقة صادرة عن قلب كلٍّ من الوالدين.

وإذا تمت المقارنة بين رثاء الأم و الوالد فإنّ رثاء الأب يكون أقوى وقعًا في النفوس؛ ومثال على رثاء الأم لولدها كلام تماضر بنت تبكي ابنها قيس الذي قتل.

كأنّ العينَ خالطَهَا قذاها

لحزنٍ واقعٍ أفنى كراها

على ولدٍ وزين الناس طرًّا

إذا ما النار لم ترَ من صلاها

لئن حزنت بنو عبس عليه

فقد فقدت به عبس فتاها

فدمعي بعده أبدًا هطول

وعيني دائمٌ أبدًا بُكاها

3- رثاء الشقيق: حيث كان الأخ جزءًا من أخيه يسعد لفرحه ويحزن لألمه، ويكون عضيد له يدعمه في كل أموره، ومن أبرز المراثي في الشقيق قول الشّاعرة الخنساء في بكائها على شقيقها صخر:

وَإِنّ صخرُا لمولانا وَسَيِّدنَا

وَإِنّ صخرًا إِذا نشتو لنحار

وَإِنّ صخرًا لتأتم الهداة بِهِ

كَأَنَّهُ علم فِي رَأسه نَار

4- رثاء الرفيق: عندما يكون الرفيق كالأخ يعين صديقه ويساعده في كلّ شيء ويقاسمه المحبّة، ويريد له الخير في كلّ أموره، يكون موت الرفيق مثل موت شخص من أهله، مثال على ذلك بكاء تأبّط شرًّا على الشنفرى ذكرًا:

عَلى الشَنفَرى ساري الغَمامِ فَرائِحٌ

غَزيرُ الكُلى وَصَيِّبُ الماءِ باكِرُ

عَلَيكَ جَزاءٌ مِثلُ يَومِكَ بِالجَبا

وَقَد رَعَفَت مِنكَ السُيوفُ البَواتِرُ

فَإِن تَكُ نَفسُ الشَنفَرى حُمَّ يَومُها

وَراحَ لَهُ ماكانَ مِنهُ يُحاذِرُ

فَما كانَ بِدعًا أَن يُصابَ فَمِثلُهُ

أُصيبَ وَحُمَّ المُلتَجونَ الفَوادِرُ

5- رثاء الشاعر لنفسه: إنّ صاحب الكلام المنظوم إذا شاهد وفاة شخص أمامه تصور نفسه مكان المتوفّى فأصبح يرى نفسه بأنه المتوفي.

ومثال على ذلك بكاء عبد بن صلاة نفسه عندما دام على هجاء قبيلة فقررت القصاص منه بجز لسانه فصار ينوح على نفسه ويبكيها قائلًا:

أقولُ وقدْ شدّوا لساني بنِسعةٍ

أمعشرَ تيمٍ أطلقوا عن لسانيا

أمعشرَ تيمٍ قد ملكتم فأسجِحوا

فإنْ أخاكم لم يكن من بَوائيا

أحقًّا عبادَ اللهِ أنْ لستُ سامعًا

نشيدَ الرِّعاءِ المُعْزِبينَ المَتاليا

وقد أُعِد للقصاص وهو مستمر بالبكاء على نفسه ويردد:

ألا لا تلوماني كفى اللَّومَ ما بيا

وما لكما في اللَّوم خيرٌ ولا لِيا

ألم تعلما أنَّ الملامةَ نفعُها

قليلٌ، وما لومي أخي مِن شِماليا

فيا راكبًا إمَّا عرضتَ فبلِّغنْ

نَدامايَ من نَجْرانَ أنْ لا تلاقِيا

ولو شئتُ نجَّتني مِن الخيل نَهْدَةٌ

ترى خلفَها الحُوَّ الجيادَ تَواليا

وقد كنتُ نحّار الجزور ومعمل الـ

ـمطيِّ وأمضي حيث لا حيَّ ماضيا

خصائص شعر الرثاء في العصر الجاهلي

1- وضوح الصورة وبعدها عن الإبهام: فأهل الشعر قديمًا عندما يصفون فكرة وصفًا مباشرًا دون تصنع، ويعود لنقله المعبر عن المشاعر والمجريات.

2- عدم تغيير الوقائع وإدراجها على ما هي عليه: وهذا يجعل كافة مقطوعاتهم متقاربة وكأنها قطعة واحدة.

3- اكتمال العبارات: فالمفردات تعبر عن معانيها التي ونظمت فيها، فقد كانوا ينتقون المفردات للمعاني التي يريدون توضيحها.

4- الإكثار من المحسّنات التي لها وقع في مسامع المتلقي مثل السجع وغيره.

أشكال الرثاء في العصر الجاهلي

1- الندب: برز الندب جليًا في أبيات الربيع بن زياد عندما بكى مالك بن زهير فقال:

مَنْ كانَ مسرورًا بمقتلِ مالكٍ

فليأتِ ساحتنا بوجْهِ نهارِ

يجد النّساءَ حواسرًا يندبْنهُ

يلطمْنَ أوجههنّ بالأسحارِ

قدْ كُنَّ يخبئنَ الوجوهَ تسترًا

فاليومَ قدْ أبرزْنَ للنظّار

يضربْنَ حرَّ وجوههنّ على فتًى

عن الشمائل طيّبِ الأخبارِ

أفبعدَ مقتلِ مالكِ بن زهيرٍ

ترجو النساءُ عواقب الأطهارِ

2- التأبين: يذكر أهل الشعر قديمًا الأحساب والأصول، مثال على التّأبين أبيات تأبطّ شرًّا في رثاء رفيقين له:

أَبَعدَ قَتيلِ العَوصِ آسى عَلى فَتًى

وَصاحِبِهِ أَو يَأمَلُ الزادَ طارِقُ

أَأَطرُدُ نَهبًا آخِرَ اللَيلِ أَبتَغي

عُلالَةَ يَومٍ أَن تَعوقَ العَوائِقُ

لَعَمروُ فَتىً نِلتُم كَأَنَّ رِدائَهُ

عَلى سَرحَةٍ مِن سَرحِ دَومَةَ شانِقُ

3- العزاء: يظهر العزاء بتحمل المصيبة وقَبول الدنيا بقواعدها الثابتة، وذلك كما في قول كعب بن زهير:

كلُّ ابنِ أنثى وإن طالتْ سلامتُهُ

يومًا على آلةٍ حدباءَ محمولُ

كذلك يرى أهل الشعر الجّاهليون أنّ المال والبشر هم زائرين في هذه الحياة ولا بدّ أن يرجعوا إلى أصحابها، فيقول لبيد:

وما المال والأهلون إلّا ودائعٌ

ولا بدّ يومًا أن تردّ الودائعُ

 نماذج من شعر الرثاء الجاهلي

يتحدث صخر الهذلي المشهور بصخر الغي يبكي شقيقه أبا عمرو الذي لدغته أفعى وفارق الحياة:

لعَمرُ أبي عَمرٍو لقد سافَه المَنا

إلى جَدَثٍ يُوزَى له بالأَهاضِبِ

لِحيّةِ جُحْرٍ في وِجارٍ مُقيمةً

تنمَّى بها سَوقُ المنا والجوالبِ

أخي لا أخا لي بعدَهُ سبقَتْ بهِ

مَنِيَّتُهُ جَمعَ الرُّقى والطّبائبِ

رثاء هند بنت عتبة لأبيها حيث قتل في غزوة أحد فبكت:

أَعَيْنَيَّ جُودَا بِدَمْعٍ سَرِبْ

عَلَى خَيْرِ خِنْدِفَ لَمْ يَنْقَلِبْ

تَدَاعَى لَهُ رَهْطُهُ غُدْوَةً

بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبْ

يُذِيقُونَهُ حَدَّ أَسْيَافِهِمْ

يَعُلُّونَهُ بَعْدَ مَا قَدْ عَطِبْ

يَجُرُّونَهُ وَعَفِيرُ التُّرَا

بِ عَلَى وَجْهِهِ عَارِيًا قَدْ سُلِبْ

وَكَانَ لَنَا جَبَلًا رَاسِيًا

جَمِيلَ الْمَرَاةِ كثير العشب

وقتيلة بنت النضر التي نظمت هذه الأبيات معاتبة النبي عليه الصلاة والسلام على قتل والدها في أحد الغزوات، وعندما سمع الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الأبيات بكى وقال لو وصلني هذا الكلام قبل ذلك ما قتلته:

يا راكبًا إنّ الأثيل مظنّةٌ

من صبح خامسةٍ وأنت موفق

أبلغ بها ميتًا بأنّ تحية

ما إن تزال بها النجائب تخفق

منّي عليك وعبرةً مسفوحةً

جادت بواكفها وأخرى تخنق

وفي النهاية نستنتج أن الرثاء برز بشكل واضح في العصور القديمة خاصة في الجاهلية وتعددت أشكاله فظهر منها بكاء الوالد والابن والشقيق وغير ذلك، وظهر في هذا الشكل العديد من أهل الشعر أمثال تأبط شرًا والخنساء وغيرهم العديد.


شارك المقالة: