الشعر الاجتماعي في العصر الأندلسي

اقرأ في هذا المقال


تميّزت الأندلس في مجال توظيف الشعر في جميع الأغراض المنشودة، ونتيجة التطور الذي رافق الأدب بشكل عام، والشعر بشكل خاص قد ظهرت أغراض شعرية جديدة ومتطورة متحررة من التقليد الذي رافق الشعر في الأندلس، وهو تقليد أدب وشعر المشرق العربي، وقد أدى هذا التطور إلى توظيف الشعر للوصول إلى أغراض وأهداف معينة ومن هذه الأهداف هو التغير الاجتماعي أو بمعنى آخر الإصلاح الاجتماعي، وبهذا لجأ الشعراء إلى نظم الشعر الاجتماعي في عملية الإصلاح، وفي هذا المقال سنتطرق إلى هذا النوع من الشعر بالشرح والتفصيل.

تعريف الشعر الاجتماعي

مفهوم الشعر الاجتماعي: هو ذلك الشعر الذي لجأ إليه الشعراء من أجل الحديث عن قضية من قضايا المجتمع، مثل قضايا المرأة، أو قضايا العمال والكادحين، أو قضايا نشر التعليم، أو ظاهرة الفقر والجهل التي تمكنت من طبقة معينة في المجتمع، وغيره من القضايا الكثيرة.

ويعتبر الشعر الاجتماعي شعر إصلاحي هادف، يتوجه إلى عملية إصلاح وتغير الأوضاع الاجتماعية السيئة المرفوضة، ولقد لجأ الشعراء إلى استخدام أسلوب الترغيب والترهيب، أي يرغبون أفراد المجتمع إلى ما يرقى بهم ويرفعهم، أو ينفرونهم من العادات والأعمال التي تهدم نهضتهم.

أسباب ظهور الشعر الاجتماعي في العصر الأندلسي

1- الاختلاف والتباين الطبقي: ظهر التباين بين فئات المجتمع الأندلسي، وانقسم المجتمع إلى عدة طبقات، وكان منهم:

1- طبقة الحكام والملوك والأمراء والقادة، وكانت هذه الطبقة هي الطبقة المتحكمة بالمجتمع، وكانوا شديدي الاهتمام بملذاتهم، يلتهون بملذاتهم ولهوهم عن حاجات وقضايا باقي الشعب، ويأتي بعدها الطبقة الوسطى، ومن ثمَّ الطبقة الفقيرة معدمة الحال، وهي الطبقة الكادحة التي تكد وتتعب من أجل الحصول على القليل الذي يساعدها في عيشهم.

2- الفساد الاقتصادي: غلب في هذا العصر ونتيجة عوامل عدة، الفساد الاقتصادي، فكانت الضرائب تهلك الطبقة الكادحة العاملة، فكانت في تزايد مستمر تأخذ من هذه الطبقة بأسلوب متجبر متعسفي غير مبالين لأوضاعهم الاقتصادية الصعبة، وقد عمَّ الفساد في هذا العصر وخصوصًا عند صرف مبالغ طائلة في أمور لا يستفيد منها غالبية المجتمع، مثل صرف مبالغ هائلة من قبل الطبقة المتحكمة على مجالس الهو والترف، دون الاكتراث بحال الطبقة الكادحة.

3- الفساد والتوتر السياسي: وكثر في هذا العصر، وكان للأوضاع السياسية التي مرت بها الأندلس من ويلات وحروب وتمزق للمدن وتقسيمها إلى دويلات يتنافس على حكمها الأمراء دافع أساسي لكتابة الشعر الاجتماعي، كان المجتمع يثور وينتفض من أجل التخلص من ظلم الحكام واستبدادهم، ليتمكنوا من الحصول على سلطة قادرة على إدارة بلادهم بأسلوب عادل منصف للفقير والمظلوم.

مظاهر الشعر الاجتماعي في الأندلس

قام الشعر بمجاراة الحياة الاجتماعية في الأندلس، وقام بتصوير العديد من معالمها وفيما يلي أبرز هذه المعالم التي قام الشعر الاجتماعي بتناولها:

1- تصوير الفساد السياسي، وتجبر وظلم الحكام والملوك في هذا العصر، وصور لهوهم وغرقهم بالملذات واللهو والمجون، دون الاهتمام بأمور طبقات المجتمع العاملة والكادحة.

2- إبراز العادات والتقاليد في المجتمع الأندلسي، وتناول المناسبات الخاصة بهم في المناسبات العديدة في السراء والضراء.

3- التوجه إلى مشاركة المسيحيين في الأندلس مناسباتهم، من خلال تناولها في شعرهم، وكيف تم منحهم حرية العبادة وإقامة الكنائس.

4- تناول المهن التي كانت تقوم بها الطبقات العاملة في الأندلس.

5- وصف التطور العمراني الذي شهدته البلاد، مثل بناء المساجد والقصور وكذلك الكنائس.

الخصائص الفنية للشعر الاجتماعي في العصر الأندلسي

1- غلب على الشعر الاجتماعي وصفه بأنه مقطوعات شعرية قصيرة، وخصوصًا  عند استخدامه لتبادل التهاني، أو لتعازي أو وصف المهن.

2- استخدام الألفاظ السهلة واللغة السائدة في المجتمع الأندلسي.

3- الميل إلى المعاني البسيطة والصور الشعرية السهلة، والابتعاد عن التعقيد؛ كي يتمكن من الوصول إلى جميع طبقات المجتمع ويتمكنوا من فهمه.

نماذج من الشعر الاجتماعي في العصر الأندلسي

1- أبو الحسن بن هارون الشنتمري، حيث يقول في قصيدة له يتبادل فيها التهاني لرؤية هلال العيد وفرحه بذلك:

يا ليلة العيد عدت ثانية

وعاد إحسانك الذي أذكر

إذ أقبل الناس ينظرون إلى

هلالك النضو ناحلاً أصفر

فقلت لا مؤمنًا بقولي بل

معرّضًا للكلام لا أكثر

بل أثر الصوم في هلالكم

هذا الذي لا يكاد أن يظهر

2- ابن زيدون الذي قال مهنئًا حاكم قرطبة بالعيد:

هنيئًا لك العيد الذي بك أصبحت

تروق الضحى منه وتندى الأصائل

تلقاك بالبشرى وحيّاك بالمنى

فبشراك ألف بعد عامك قابل

وفي النهاية نستنتج أن الشعر قام بمجاراة الحياة الاجتماعية في الأندلس، وقام بإبراز العديد من المعالم الاجتماعية السائدة في هذا العصر، وقد نتج الشعر الاجتماعي وبرز فيه العديد من شعراء الأندلس، ووظفوه في تصوير جميع المظاهر الاجتماعية الأندلسية.


شارك المقالة: