الشعر في رثاء العلماء والأدباء

اقرأ في هذا المقال


الرثاء

يحتل الرثاء في الشعر العربي أعلى المراتب، ويُعرف بإنّه ذكر الميت بعد موته والبكاء عليه، فيعبر الشاعر عن ما في داخله من أحاسيس وفقدان للميت، ويذكر فيه أيضاً محاسن الميت وصفاته.

الرثاء يكون إما للأقارب أو للأصدقاء أو للملوك والقادة، ومن أشهر ما كُتب عن الرثاء هو لرثاء الرسول صل الله عليه وسلم والذي كتب عنه حسان بن ثابت، حيث يعتمد الرثاء على الإحساس والمشاعر الصادقة النابعة من القلب، كما يمتاز الرثاء بأنه تعبير الشاعر عن إحساسه تجاه الميت، وأيضاً ذكر محاسن الميت وميزاته، وللرثاء ألوان متعددة منها: العزاء والندب (النوح أو البكاء) والتأبين.

أنواع الرثاء

  • رثاء الحيوانات.
  • رثاء الجواري والغلمان.
  • رثاء العلماء والأدباء.
  • رثاء الرفقاء والأصدقاء.
  • رثاء الأبناء.
  • رثاء الآباء.
  • رثاء الزوجة.
  • رثاء الخلفاء والوزاراء.

الشعر في رثاء العلماء والأدباء

إن رثاء العلماء والأدباء في الشعر العربي مستجد وشاع في العصور وأكثرها العصر العباسي، كما يُكتب شعر الرثاء للعلماء والأدباء لما لهم مكانةً عظيمة في النفس، وقد رفع الله سبحانه وتعالى من قدر ومكانة العلماء والأدباء في الآية الكريمة في قوله تعالى:“يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ”.

يجسد رثاء العلماء والأدباء نمطاً في العصور، فقد رثى أعرابي العالم الجليل محمد بن جرير الطبري، قائلاً:

حدث مفظع وخطب جليل
دق عن مثله اصطبار الصبور

قام ناعي العلوم أجمع لما
قــام ناعي محمد بن جرير

كما ورد عن ابن دريد أنه كتب في رثاء الطبري، قائلاً:

لن تستطيع لأمــر الله تعقيـبا
فاستنجد الصبر أو فاستشعر الحوبـا

وافزع إلى كنف التسليم وارض بما
قضى المهيمن مكروهــا ومحبوبا

إن الـــرزية لا وفر تزعزعه
أيدي الحوادث تشتيتـــا وتشذيبــا

ولا تفـرق ألاف يفـــوت بهم
بين يغادر حبـل الوصــل مقضـوبا

لكن فقدان من أضحى بمصرعه
نور الهدى وبهــاء العلم مسلوبــا

إن المنية لم تتلف به رجـــلا
بل أتلفت علمـا للديــن منصوبــا

أهدى الردى للثــرى إذ نال مهجته
نجما على من يعادي الحق مصبوبا

كان الزمان به تصفـو مشاربه
فالآن أصبح بالتكدــير مقطوبــــا

كــلا وأيامه الغر التي جــعلت
للعـــلم نورا وللتقوى محاريبــا

لا ينسري الدهر عن شبه له أبدا
ما استوقف الحج بالأنصاب أركــوبا

إذا انتضى الرأي في إيضاح مشكلة
أعــاد منهجها المطموس ملحوبا

لا يولج اللغـو والعــوراء مسمــعه
ولا يقارف ما يغشيه تأنيبــا

تجــلو مواعظـه رين القلوب كما
يجلو ضياء سنا الصبح الغياهـيبا

لا يـأمن العجز والتقصـير مادحه
ولا يخاف على الإطناب تكــذيـبا

ودت بقــاع بلاد الله لو جعلت
قــبرا له لحباها جســمه طــيبا

كانت حياـــتك للدنيا وساكنها
نورا فأصبح عنها النور محجوبــا

لو تعلم الأرض من وارت لقد
خشعت أقطارها لك إجــلالا وترحيبا

إن يندبوك فقد ثلت عروشــهم
وأصبح العلم مرثيــا ومندوبــا

ومن أعاجيب ما جاء الزمان به
وقد يبــ،ين لنا الدهــر الأعاجيبا

أن قد طوتك غموض الأرض في لحف
وكنت تملأ منها السهل واللوبا

وأيضاً كتب الفرزدق في رثاء أبي حرب قائلاً:

نعى لي أَبا حَربٍ غَداةَ لَقيتُهُ
بِذاتِ الجَوابي صادِراً أَرضَ عامِرِ

قُلتُ أَتَنعى غَيثَ كُلِّ يَتيمَةٍ
وَأَرمَلَةٍ وَالمُعتَفينَ الأَفاقِرِ

لِيَبكِ عَلى سَلمٍ يَتيمٌ وَبائِسٌ
وَمُستَنزَلٌ عَن ظَهرِ ساطٍ مُثابِرِ

تَداعَت عَلَيهِ الخَيلُ تَحتَ عَجاجَةٍ
مِنَ النَقعِ مَعبوطٍ عَلى القَومِ ثائِرِ

وايضاً الجرير يرثي الفرزدق:

لِتَبكِ عَلَيهِ الإِنسُ وَالجِنُّ إِذ ثَوى
فَتى مُضَرٍ في كُلِّ غَربٍ وَمَشرِقِ

فتىً عاشَ يَبني المَجدَ تِسعينَ حِجَّةً
وَكانَ إِلى الخَيراتِ وَالمَجدِ يَرتَقي

فَما ماتَ حَتّى لَم يُخَلِّف وَرائَهُ
بِحَيَّةِ وادٍ صَولَةٍ غَيرَ مُصعَقِ


شارك المقالة: