الصورة الفنية في الشعر الأندلسي

اقرأ في هذا المقال


تفرّد أهل الأندلس وتميزوا في العديد من المجالات الأدبية والفكرية والشعرية التي واكبت جميع الأمور الطارئة على أرض الأندلس، متأثرين بمجرياتها وطبيعتها منتجين للأجيال العديد من الفنون الأدبية والثقافية والفكرية المبدعة، مستخدمين أروع الأساليب والصور الفنية الجذابة.

مفهوم الصورة الفنية في الشعر

تعتبر الصورة من الأغراض الفنية التي لاقت اهتمام كبير عند الأدباء لما لها من مكانة مهمة في العمل الأدبي سواء أكان كلامًا مقفى أم نثرًا، نجد الكثير من الشعراء يهتمون بالصور في أشعارهم لأنها تعد فنية للشعر وتحيطه بجمال محكم وكلما زادت في القصيدة وصل الشاعر إلى هدفه من جمال شعره وقصائده.

ويعبر الشعراء عن أهمية الصورة حيث أنها الطريقة الأنجح لنقل الموضوع للناس بالصور ليسهل فهمه وإدراكه، وَتعد الصورة الفنية هي الأسلوب الأنجح؛ من أجل إظهار ما في ذهن الشاعر وإظهار مكنون نفسه، ويرى الناقد أن الصور الفنية تنشأ عند الشاعر بعد تدبر واعٍ للمجريات والأحداث.

وكما عرف عن الشعر أنه قائم على الصورة التي تعتمد على التشبيه وكذلك الاستعارة المكينة، والمقابلة التي تعتبر حركة ذهنية قائمة على التناقض في الأساس، وَالصورة تساعد على إظهار المعنى الأعمق في داخل الشاعر.

الصورة الفنية في أغراض الشعر الأندلسي

الصورة في شعر الاستصراخ: اهتم شعراء الاستصراخ بالصورة اللغوية، وَكذلك الصورة الفنية التي جعلوا منها أسلوب راقي وقادر على التعبير عن التشبيه واعتمدوا عليها لبيان معاناتهم ومآسيهم، ومن أشهر شعراء الاستصراخ الذين اهتموا بِالصورة الفنية في أشعارهم هو ابن الأبار حيث رسم صورة فنية للأندلس الصارخة حيث يقول:

نادتك أندلس قلبّ نداءها

واجعل طواغيت الصّليب فداءها

صرخت بدعوتك العليّة فاحبها

من عاطفاتك ما يقي حوباءها

رش أيّها المولى الرّحيم جناحها

واعقد بأرشّية النّجاة رشاءها

أشفي على طرف الحياة ذماؤها

ما ستبق للدّين الحنيف دماءها

حاشاك أن تفنى حشاشتها وقد

قصرت عليك نداءها ورجاءها

ونرى في الأبيات السابقة أن ابن الأبار استند على التنوع الموسيقي في رسم الصورة الفنية، كما استند على عنصر التشخيص في الصورة التي أعطته قدرة كبيرة من أجل التعبير عن مشاعرة بأروع الصور.

وَتظهر الصور الفنية واضحة في قصائد حازم القرطاجني الذي استعمل أسلوب التشخيص الذي يصور فيه مظاهر البيئة الأندلسية حيث يقول:

فقد بكت أنهارها بمدمع

هام من الوجد لها ما ارتوى

فالنهر الأبيض يبكي شجوه

بكل دمع مستفيض ما رقا

إذ لم يطق يروي صدى هام زقا

وكاد شقر أن يغيض عندما

غيض بعيث الشقر في كلش عرى

الصورة في شعر الطبيعة: افتتن شعراء الأندلس بالبيئة الطبيعة في بلادهم حتى فاضت قصائدهم بأجمل الصور، وَتفنن الشعراء بتوظيف هذه الصور، حيث انتقلت للقارئ مظاهر الحسن التي خصَّ الله بها بلاد الأندلس، ومن أبرزهم الشاعر ابن المتلمس الذي أورد لنا في أبياته أجمل الصور واصفًا أرض الأندلس في الربيع حيث يقول:

تبدت لنا الأرض مزهوَّةً

علينا ببهجة أثوابُها

كأنّ أزهارها أكؤسٌ

حدتها أنامل شرابها

كأن الغصون لها أدِرُعٌ

تناولها بعض أصحابها

الصورة في شعر الحكمة: إن الشعر لا يعتبر إبداعًا إلا عندما يقف الشاعر على التقنيات والصور الجمالية التي تغذي شعره ويجعله طريقة ناجحة للشاعر كي يعبر عن أحداث حياته، خاصة شعر الحكمة الذي هو عبارة عن نتائج التجارب والخبرة التي مرَّ بها الشاعر في أطوار حياته وما يرافقها من متغيرات، الحكمة مضمون فماذا يحدث لو اندمج المضمون مع الصورة؟ عندها سيكون النتاج عبارة عن لوحة فنية بديعة مثال على ذلك ما نظمه الشاعر ابن عبد ربه متناولًا أجمل الصور الفنية واصفًا تقلب الدنيا وتغير الأحوال حيث يقول:

ألا إنَّما الدُنيا نضارة أيكةٍ

إذا اخضرَّ منها جانب جفّ جانب

هي الدار ما الآمال إلا فجائعٌ

عليها، ولا اللذات إلا مصائب

فكم سخنت بالأمس عين فريرةٌ

وقرت عيونٌ دمعها اليوم ساكبُ

فلا تكتحل عيناك فيها بعبرةٍ

على ذاهبٍ منها فإنك ذاهب

ومن ذلك أيضًا قول يحيى الغزال:

إذا استطعت أن تستعيد الشباب

فداك وإلا فلا تشتعِل

أريتك هذا الذي تبتغي

له الطبُّ ينهض أو قد بَطل

رأيت الذي حضرتْهُ الوفاةُ

يمدُّ الطبيبُ لهُ في الأجل

الصورة الفنية في شعر ابن زيدون

تظهر شاعرية ابن زيدون من خلال الصورة الفنية التي تمس ذاته وحياته الخاصة، ويظهر لنا في شعر ابن زيدون التقابل الرائع بين شاعريته والعاطفة الصادقة في صور فنية تعكس الواقع الثقافي الذي يعيشه ابن زيدون.

وتظهر شاعرية الصورة الفنية عند ابن زيدون من خلال غرض المديح ونرى ذلك جليًا في مدحه الملك الوليد بن جهور وذلك برسمه بأجمل صور الإقدام والغلبَة حيث يقول:

للجهوري، أبي الوليد خلائق

كالروض، أضحكه الغمام الباكي

كلكٌ يسوس الدهر منه مهذبٌ

تدبيرهُ للمُلكِ خير مِلاك

جارى أباهُ، بعد ما فات المدى

فتلاه بين الفوتِ والإدراك

شمس النهار وبدره ونجومه

أبناؤه، من فرقدٍ وسماك

ثم نقف عند الصورة حيث صور المعتضد وهو يقضي على الأمراء في الأقاليم ويعتبرهم من خصومه حيث يقول في أبياته:

هو الملك الجعد، الذي في ضلاله

تكف صروف الحادثات وتصرفُ

همامٌ يزين الدهر منه وأهله

مليك فقيهٌ، كاتب متفلسفُ

الصورة الفنية في شعر ابن هانئ الأندلسي

إن القارئ لأشعار ابن هانئ الأندلسي يجدها تعج بالصور التي تميزه عن غيره من الشعراء، مثال على ذلك ما يذكره من أدوات القتال، كما ينتقل إلى صور مستحيلة في المعارك مثل مشاركة الملائكة بمجريات المعارك وكذلك تدخل الطبيعة في ذلك أيضًا حيث يقول في أبياته:

نزلت ملائكة السماء بنصره

وإطاعةُ الإصباح والإمساء

والفلكُ والفُلكُ المدار وسعدُه

والغزو في الدماء والداماء

والدهر والأيام في تصريفها

والناس والخضراء والغبراء

وفي قصيدة مدحية له يصور ممدوح بصور عجيبة منفردة يتميز بها عن البشر حيث يقول فيها:

جَزيل النّدى والبأس تصدر كفه

وقد نازلت ألفا وقد وهبت ألفَا

يد يستهل الجود فيها مع الندى

ويعبق منها الموت يوم الوغى عرفا

وما سدد الأملاك من قبل جعفر

ولا أنكروا نكرا، ولا عرفوا عرفا

هم ساجلوه، والسّماح لأهله

فأكدوا وما أكدى وأصفوا وما أصغى

وفي النهاية نستنج أن أهل الشعر في الأندلس تميزوا بأسلوبهم الشعري الذي واكب جميع الأمور الجارية على أرضه، متأثرين بكل تلك المجريات معبرين عنها بأجمل الصور الفنية التي أثرت نتاجهم الشعري.


شارك المقالة: