العوامل المؤثرة في الأدب العربي

اقرأ في هذا المقال


الأدب توضيح صادق يفصح عن أحاسيس الفرد وعواطفه وأخيلته وأنماط العيش وأشكال العقائد وهيئة المجتمع ومتغيرات السياسة، وهذا دفع إلى جمع العوامل المؤثرة في الأدب بجميع أساليبه وجعلها موسوعة ودستور يستهدي الباحث من خلاله على فهم كل ما يصدر عن البشر من كدّ العقول وفيض القرائح، وفي هذا المقال سنوضح العوامل المؤثرة في الأدب المشرقي في مختلف العصور.

العوامل المؤثرة في الأدب العربي

1- طبيعة الإقليم: إن ظروف المناخ هي التي تحدد لقاطني البلاد أنماط معيشتهم ونظامهم وطبائعهم ومظاهره التي تذكي ذوق أفراده وتلهم أدبائه وشعرائه، ورواد الكلام المنظوم القديم صورهم معبرة للبيئة البدوية ونلحظ ذلك من خلال خشونة مفرداتهم ومتانة أسلوبهم وسعة الخيال لديهم، ونذكر أمثلة عليهم الشنفرى وتأبط شرًا هؤلاء الأدباء الصعاليك الذين تغنوا بالمعيشة البدوية والصحراء وما تمتلك من مناظر.

قد تفاوت الأدب في شبه الجزيرة حسب اختلاف الأماكن فنراه في نجد مختلف عن ما هو عليه في الحجاز، وفي البادية مغاير عن ما هو عليه في الحضر، ونراه في بلاد الشام، حيث الخمائل والجبال والسهول الخضراء قد تطور واستقام.

ومن هنا نستطيع الجزم بأن البيئة من أبرز العوامل التي أثرت في الأدب، لكن هذا العامل المهم بدأ يضعف ويتراجع أثره بسبب التطور وسهولة التنقل بعد الكم الهائل من الاختراعات التي سهلت هذا الأمر فأصبح الناس يعيشون ويتنقلون في كل الأقاليم.

2- سمات جنس البشر: نرى أن أدب أهل المشرق مختلف عن نظيره اليوناني سواء في الغرض أو الخيال وغيره، ومقطوعات ابن الرومي مثلاً مغايرة لقصائد ابن المعتز رغم عيشهم في نفس البلد ونفس البيئة.

3- استمرار المعارك بين جنسين أو بلدين سواء أكان لفتح الدول أو رد عدوان أو تحرير بلاد فإن هذه المعارك تنتج أبطال يُثرون الخيال ويعظمون في القلوب ويعلو شأنهم مع الزمن، حيث تتجه الألسنة لنسب الخوارق لهم وتمجيدهم فينطلق بذكراهم الرواة وتتكلم بأعمالهم القصاص لتُأرخ بطولاتهم الآداب.

ومن هنا نستطيع القول أن الحروب قد أثرت الأدب المشرقي بجميع أشكاله ومثال عليها المعارك الصليبية التي دونت الحكايات الحماسية مثل قصة عنترة وسيرة بني هلال وغير ذلك.

4- العمران وتوزيع الثروات: إن تقدم الحضارة ورخاء المعيشة وازدياد الثروة لها أثر في الذوق العام وتؤدي إلى نماء الصور ونشر العلوم وتعدد أفكار الكلام المنظوم وأنماط الكتابة، ومثال على ذلك ما جرى في مدن الحجاز وحياة الرفاهية والرخاء حيث دفعت بأهلها إلى حياة اللهو والغناء، وتوجه أدباؤها إلى الغزل وتفننوا فيه واستحدّثوا معانيه وأهملوا باقي الأنواع ومنهم جميل بن معمر.

ومظهرٌ آخر لتَأثير الحياة الاجتماعية في الأدب هو انتشار البذاءة في أدب أهل بغداد خصوصًا في زمن الرشيد وكذلك المأمون فنرى أن جرير والفرزدق ينطقون بالفحش ويتهكمون من بعضهم بالبذاءة والسخرية.

ومن الشواهد أيضًا على أثر الأحوال والأوضاع المادية على الأدب: شيوع أدب العامة خصوصًا في الأندلس وأيضًا في بغداد وقال ابن الأثير: ” بلغني أن قومًا ببغداد من رعاع العامة يطوفون بالليل في شهر رمضان على الحارات وينادون بالسحور، ويخرجون ذلك في كلام موزون على هيئة الشعر، وإن لم يكن من بحار الشعر المنقولة من العرب.” 

وفي الأندلس ابتكر عبادة القزاز الموشح كذلك فعل أبو بكر وانتج الزجل فأعجب الرعية بهما وأقبل الأدباء لنظم فيه، فاشتهر العديد منهم فيه.

5- الأديان: إن للأديان وقع واضح في الأدب من خلال الأخلاق والمعتقدات فإنها تخلف أغراض حديثة ومصنفات متطورة، ومعروف أن الكلام المنظوم المشرقي لم ينشأ في الصحراء، حيث برز في المعابد المشرقية وخصوصًا عند انفصال أهل المشرق عن السَّاميَّة فظهر على ألسنة الكهان السجع.

6- العلوم باختلاف أنواعها النظرية وكذلك التجريبية: وأثرها في ترقية الأذهان وتنمية الشعور وإبراز الصور، وخلق آداب حديثة مثل الأدب التعليمي الذي يتميز برشاقة المفردات ودقة الوصف إثراء التخيل، ومثال عليها ألفية ابن مالك في النحو.

7- التقليد واتباع القدامى: إن التقليد مسألة فطرية في البشر لا يتمكن بدونه النطق أو التعلم ولا يملك لذاته وسيلة في اكتساب العادات وتهذيب الخلق، ولولا الاتباع لما وجد الأدب بأشكاله المتنوعة فهما يصاغان على أساسيات وأنماط خاصة ولا يتم ذلك إلا من خلال تقليد الأديب لمن سبقه سواء أكان قاصدًا لذلك أم غريزة فيه.

8- تشجيع الملوك وولاة الأمر: حثّ الخلفاء للمبدعين من الكتاب والأدباء للمحافظة على اللغة العربية والأدب، ونتيجة هذا التشجيع وفود الأدباء إلى مجالس ولاة الأمر التي أصبحت بمثابة مدارس أدبية تعج بأبرز الأدباء ورواد الكلام المنظوم الذين يعرضون أدبهم فيما بينهم ويتعلمون منه.

وفي النهاية نستنتج إن الأدب العربي قد مرَّ بالعديد من العوامل التي ساعدت على تقدمه وتطوره بشكل كبير نذكر منها المناخ والطبيعة التي كان لها وقع كبير في تقدم الأدب، وإلهام الأدباء بالعديد من الصور والأفكار وكذلك الحروب التي أثرت بالأدب وكذلك الاحتذاء والتقليد وغيره العديد من العوامل.


شارك المقالة: