هناك أمور كثيرة تدفع إلى الإحساس بالاغتراب، ولقد وظف الشاعر الجاهلي هذا الشعور في الشعر؛ ليعبر عما في نفسه.
الغربة المكانية في الشعر الجاهلي
هذا النوع من الاغتراب يتمثل بالتعلق بالمكان، وما يؤثره هذا المكان بنفس الشاعر، فعندما يكون الإنسان مُجبراً على ترك الأماكن التي يحبها فهو يحس وقتها بالألم والغربة، ولقد عُرِف عن الشاعر الجاهلي حبه الشديد للأرض والمكان.
والناس مختلفون بمدى تعلقهم بأرضهم ومكانهم، ومن الطبيعي أن تختلف مشاعر الشاعر عن غيره من الناس بهذا الخصوص،؛ لأن مشاعره تشده إلى مَحله، وحاز المكان بجميع مدلولاته على مساحة عظيمة في الأغراض الشعرية، ولهذا السبب بات من الوسائل التي تُفصح عن أحاسيس عديدة، ومنها مشاعر الحزن والحنين والغربة، ويبدو هذا واضح في ذكر الصحراء في الشعر الجاهلي فهي تحمل دلالات يختص بها الشاعر.
ويقوم بتفريغ جميع همومه في فضائها الرحب.
إن العوامل النفسية التي تتكون في نفس العرب الجاهليين وخاصة الشعراء قد نتجت بسبب الاختلافات الجغرافية وتأثير الطبيعة والبيئة عليهم، فجميع هذه الأحاسيس من هذه المعاناة النفسية جاءت بسبب الاغتراب بكافة أشكاله، مما كان السبب في الحزن وتفريغ الشعراء آثاره في شكل أبيات شعرية مختلفة.
نماذج من شعر الغربة المكانية في الشعر الجاهلي
1- شعر المثقب العبدي:
“على طرق عند الأراكة ربة توازي شريم البحر وهو قعيدها
كأن جنيباً عند معقد غرزها تزاوله عن نفسه ويريده
تهالك منها في الرخاء تهالكاً تزاوله عن نفسه ويريدها
فنهنهت منها والمناسم ترتمي بمعزاء شتى لا يرد عنودها
وأيقنت إن شاء الإله بانه سيبلغني اجالدها وقصيدها”
2- شعر بشر بن أبي خازم:
“لمن الديار غشيتها بالانعم تبدو معارفها كلون الارقم
لعبت بها ريح الصبا فتكبرت إلا بقية نؤيها المتهدم
دار لبيضاء العوارض طفلة مهضومة الكشحين ريا المعصم”