الغناء العربي في العصر الأموي

اقرأ في هذا المقال


كان للغناء أثر واضح في الناس، حيث كانوا يرون فيه نعيم الدنيا الذي يفضلونه عن غيره حيث يبث في نفوسهم الفرح والسرور، وكانت مدينة بغداد عبارة عن دار كبيرة واسعة للغناء لما استقطب إليها من المغنيات والمغنيين من كل بقاع الأرض، وأغدق الخلفاء المغنين والمغنيات بالكثير من الأموال والهبات لشدة تعلقهم به.

الغناء في العصر الأموي

كان الخلفاء الأمويين في أوقات فراغهم مغرمين بسماع قصائد الشعراء، ولكن ذلك لم يدم طويلًا حيث أصيح الغناء يديل لشعر وشغُف به الخلفاء الأمويين بشكل كبير، وكان الخلفاء أمثال معاوية وسليمان ومروان بن محمد وهشام وعبد الملك وغيرهم من الخلفاء وعندما يستمعون للغناء يضعوا بينهم وبين المغنين حجاب، حتى لا يظهر للمغنين ما يفعله الخلفية عندما يطرب.

وكان أغلب الخلفاء الأمويين يظهرون للمغنيين ولا يخافون من هذه الحركات عندما يطربون، مثال على ذلك الخليفة الأموي يزيد بن عبد الملك، حيث كان عنده مبالغة في الطرب والسمر بوجود الندماء، كما أنه ساوى بين طبقات الحاكمة والطبقات العامة حيث سمح للمغنين بالحديث والضحك والهزل في حضرته، وقلده في ذلك الوليد بن يزيد.

وكان الناس في زمن الوليد مولعين الغناء ويسرفون فيه، وينفقون الأموال الطائلة على المغنين والمغنيات، وكان الخليفة الوليد يستقطب المغنين من جميع أنحاء البلاد ويدعوهم إلى دمشق، وعن ذلك الأمر يقول الطبري:

“حج يزيد بن عبد الملك في خلافة سليمان بن عبد الملك، فاشترى حبابة وكان اسمها العالية بأربعة آلاف دينار، فقال سليمان: هممت أن يحجر على يزيد، فرد يزيد حبابة فاشتراها رجل من أهل مصر، فلما ولي يزيد الخلافة قالت زوجته سعدة: يا أمير المؤمنين! هل بقي من الدنيا شيء تتمناه بعد؟ قال نعم حبابة، فأرسلت سعدة رجلًا فاشتراها بأربعة آلاف دينار، فَأراحتها حتى ذهب عنها كلال السفر، ثم أنت بها يزيد، فَأجلستها من وراء الستر وقالت: يا أمير المؤمنين! أبقي شيء من الدنيا تتمناه؟ قال ألم تَسأليني عن هذا مرة فَأعلمتك؟ فرفعت الستر وقالت: هذه حبابة، فَخطيت سعدة عند يزيد وأكرمها وحبها.” 

أبرز المغنين في العصر الأموي

من أبرز المغنين في العصر الأموي المغني طوسي مولى بني مخزوم، وكان ماهر في ضرب الدف ولا يجيد  ضرب العود، وكان على دراية بأنساب أهل المدينة، ويعبر أول من غنى في المدينة غناءً يرافقه الإيقاع، وكان أهل المدينة يفضلون غناءه، ومن أغانيه المشهورة:

تناهي فيكم وجدي وصدع حبكم كبدي

فقلبي مصعر حزنًا بذات الخال في الخد

فما لاقى أخو عشق عشير العشر من جهد

وعرف عن غناء الطوسي أنه كان كثيرًا ما يتغنى بالأشعار التي قيلت في الصراعات بين الأوس والخزرج، من المغنين الذين اشتهر في عصر بني أمية المغني أبو مروان الغريض، وكان يُحكى بذلك لما اتصف به من نضارة الوجه وحسن المنظر وكان معروفًا بأدبه وهو من مولدي البربر، وقد تعلم الغناء من ابن سريج واعتبره جرير من أشهر أربعة في مجال الغناء حيث قال عنه:

” كان المغنون بمكة أربعة: فسيد ميزر، وتابع مسدد، والسيد أبو يحيى ابن سريج والتابع أبو يزيد الغريض، وكان هناك رجل عالم بالصناعة فقال: كان الغريض أحدق أهل زمانه بمكة بالغناء بعد ابن سريج، وما زال أصحابنا لا يفرقون بينهما لمقاربتهما بالغناء.”

وتميز الغريض في الغناء وقال عنه الناس أنه تلقى الغناء من الجن، وقيل أنه وقف ذات مرة في مكان بدأ يغني شعر أبي ربيعة: “أيها الرائح المجد ابتكارا قد قضى من تهامة الأوطار” حيث سيطر بصوته على قلوب الحجاج فظنوا أن مجموعة من الجن قادمة للحج وأخذت الغناء.

وتميزت الجواري في الغناء في العهد الأموي، وكانت لهن أثر ملموس في تطور الغناء في هذا العهد، وقيل أن فتى أموي أُغرم بقينة وكانت تحبه وطلب منها أن تنشد له:

أحبكم حبا بكل جوارحي

فهل عندكم علم بما لكم عندي

أتجزون بالود المضاعف مثله

فإن كريما من جزي الود بالود؟

فردت عليه قائلة: نعم! وأحسن أحسن منه وقالت:

للذي ودنا المودة بالضعف

وفضل البادي به لا يجازي

لا بدا ما بنا لكم ملأ

الأرض وأقطار شامها والحجاز

انبهر الفتى من ذكائها وفطنتها وحسن ردها

فزاد تعلقًا بها وقال لها:

أنت عذر الفتى إذ هناك الستر

وإن كان يوسف المعصومَ

وعاشت هذه الجارية مع الفتى سنة كاملة بعد ذلك ماتت، وبقي الفتى يرثيها حتى مات ودفن معها ومن مراثيه لهذه الجارية ما يلي:

قد تمنيت جنة الخلد الخلد

فأدخلتها بلا استهبال

ثم أخرجت إذ تطعمت بالنعمة

منها والموت أحمد حال

وكان أغلب المغنيين والمغنيات في العصر الأموي هم من غير العرب؛ لأن العرب لم يُبرعوا في الغناء إنما اشتهروا بالشعر. 

ومن أهم المغنيين أيضًا في العصر الأموي المغني سائب الذي مزج الطابع المشرقي مع الفارسي وتتلمذ على يديه ابن سريج، وكذلك المغنية عزة الميلاد وكذلك المغنية جميلة، وعنه قال ابن سريج واصفًا إياه وصفًا دقيقًا حيث قال:

” فلانٌ يخطئ، وفلان يحسن وفلان يسيء، فقال: المصيب المحسن من المغنين هو الذي يشبع الألحان ويملأ الأنفاس، ويُعدل الأوزان ويفُخم الألفاظ، ويعرف الصواب، ويقيم الإعراب، ويستوفي النغم الطوال، ويحسن مقاطع النغم القصار ويصيب أجناس الإيقاع، ويختلس مواقع النبرات، ويستوفي ما شاكلها في الضرب على النقرات.”

مدارس الغناء في العصر الأموي

اشتهرت الحجاز بالغناء وازدهرت وتطورت في هذا العهد وانتشرت منها إلى باقي المواطن الأخرى، ومن أشهر رجالاتها ابن سريج والغريض، وابن مشجع وابن مجزر والهزلي النقاش، ومن أشهر المغنيات فيها خليدة المكية، سلامة القس، وشقيقتها ريا، وربيحة، وغيرهن الكثير.

وكان للغناء مدرسة في المدينة من أشهر مغنيها سائب خائر، والطوسي، وطريف ومعبد بن وهب، ومن المغنيات حبابة، وجميلة وغرة الميلاء وبصبص وغيرهن الكثير من المغنيات.

وأما عن الغناء في العراق في العصر الأموي فتميز الغناء بالحنين، أما في الشام لم يبرز فيها الغناء في العصر الأموي سوى غناء أبو كامل الدمشقي، حيث كان مغني حسن الصوت كان يغني في مجلس الوليد ويطرب الوليد عند سماعه.

أهم التطورات التي طرأت على الغناء في العصر الأموي

1- انتشار إيقاع خفيف الرمل وخفيف الثقيل.

2- أدخل ابن مسجع تطورات لحنية ووضع أسس للغناء والتلحين.

3- تميز الغناء في العصر الأموي بأنه اكتسب نظام صوتي مأخوذ عن الإغريق والفرس.

4- انتشار المؤلفات العربية في الغناء.

5- بروز  الأثر الفارسي في الغناء في بعض المفردات الفارسية.

6- ظهور تصنيفات عربية في أخبار الغناء.

7- انتشار الغناء المتقن.

خصائص الغناء المتقن في العصر الأموي

1- يرتبط بالنواحي والذي يمثل الغناء الثقيل.

2- اعتمد على مؤثرات غير عربية.

3- التوجه إلى تلحين الشعر المشرقي القديم والشعر الأموي.

4- التميز في تلحين القصيدة الواحدة أو أجزاء منها.

5- انتشار الأغنية الفردية حيث يرافقها العود.

وفي النهاية نستنتج أن الغناء في العصر الأموي لاقى تطورًا وازدهارًا بشكل كبير بسبب تعلق الخلفاء الأمويين لسماعه، وقاموا على استقطاب المغنين والمغنيات من جميع البلاد، وأنفقوا عليهم الأموال والهبات تشجيعًا لهم، وبرز في العصر الأموي نخبة مميزة في مجال الغناء.


شارك المقالة: