الفكاهة في العصر العباسي

اقرأ في هذا المقال


الأدب في أي وقت يتضمن فكاهة وهو الذي يصور أخبار القدامى المضحكة والنوادر الشيقة، وَالفكاهة في الأدب المشرقي هي نوع من أنواع الترفيه بدأت الفكاهة تنمو في بداية الإسلام، وبدأت بالانتشار في عصر بني أمية وفي العهد العباسي تطور وبرز بشكل كبير وظهر فيه العديد من رواده ومنهم جرير والفرزدق وفي هذا المقال سنوضح الفكاهة وأثره على الأدب العباسي.

مفهوم الفكاهة

لغة: ورد في لسان العرب الفُُكاهة: المزح وفكهِهم بملح الحديث أي أطرافهم، والشخص الفكه هو الذي يكلم رفاقه ويضحكهم، وقيل: هو الذي يتحدث عن أعراض الناس.

اصطلاحًا: تعتبر الفكاهة نوع من أشكال التسلية، قال أحد العلماء عنه: ” العرب بسطة في سرعة الخاطر، وحضور البديهة وكانوا كلما ارتقوا في حياتهم، ارتقت فكاهاتهم وَانتشرت وذاعت وملأت قصور الخلفاء والأمراء، وتناقلها المولعون بحفظ هذا اللون من الآداب، وكلما فاضت الرفاهية في القصور العامرة بكل غال وثمين ملأت الفكاهة والمجون تلك القصور.”

ولا يقصد بالفكاهة في كل الأوقات الضحك والهزل بل استخدمها الشعراء بغرض التهكم والسخرية من بعض فيما لا يستهويهم من أفعال وأفكار، ومن هنا نستطيع القول أن لا دور في النقد والحث على التحسين، ورواد الكلام المنظوم هم من أكثر الناس استخدامًا لهذا الموضوع في مقطوعاتِهم وكانوا سبب في انتشاره في ذلك الوقت.

الفكاهة في العصر العباسي

عاش بنو العباس أمن واستقرار ورفاهية وتطور في جميع مجالات الحياة وعمَّ الترف واللهو والمجون كما برز الزهد والتصوف وكان للخلفاء دور كبير في التطور وأيضًا الاندماج مع العجم، هذه الأمور تعد من الدوافع التي دفعت الشعراء ليعبِروا عن ما يروه في الحياة بطريقة مميزة، فتناولوا الأغراض القديمة مثل المدح والرثاء وغيره واستحدثوا في أغلب المواضيع.

 وتعتبر الفكاهة في هذا الوقت قد وجدت بيئة خصبة فتطورت وانتشرت وساعدها على هذا عدة أمور منها حياة اللهو التي عاشها أهل هذه الفترة وكثرة أماكن اللهو والأنس وأغلبها كانت تقام في بلاط ولاة الأمر.

كما عرف عن عهد بني العباس كيف استطاعوا أن ينهضوا ببلدهم وَيحسنوا إداراتها وإحكام سلطتهم والعمل على إدارة أمور الرعية، فبعد كل هذه الأعمال كانوا بحاجة إلى التسلية والترفيه عن نفسهم ولذلك نرى أن مجالسهم كانت تعج بالكثير من المشتغلين بالضحك والتسلية.

كان أهل الشعر أيضًا من المشتغلين في ذلك وكانت أبياتهم تعج بالفكاهة وخصوصًا في الهجاء ومن أبرزهم أبو دلامة وأيضًا بشار وأبو نواس والعديد منهم.

الشعر الفكاهي في فن الهجاء في العصر العباسي

يعد الهجاء موطن خصب للفكاهة فنجد الأدب المشرقي الذي يختص بالهجاء يعج بالفكاهة والتهكم ومثال عليه الهجاء الذي دار بين بشار وحماد عجرد وكان أساسه التهكم والسخرية، وعرف عن عجرد أنه كان سليط اللسان في الهجاء ويلجأ إلى التقليل من شأن بشار ومن هجائه لبشار:

نهاره أخبث من ليله

ويومه أخبث من أمسى

وليس المقلع عن غيه

حتى يوارى في ثرى رمسه

ما خلق الله شبيهًا له

من جنه طرًّا أو من أنسه

والله ما الخنزير في نتنه

من ربعه بالعشر أو خمسه

بل ريحه أطيب من ريحه

ومسه ألين من مسه

ووجهه أكرم كم عوده 

وجنسه أكرم من جنسه

ولم يقف بشار مكتوف الأيدي وهو يسمع حماد يَهجوه ويصفه بأسوأ الصفات بل رد عليه ردًا قويًا حيث قال:

يا أبا الفضل لا تنم

وقع الذئب في الغنم

إن حماد دإن

رأى غفلة هجم

إن خلا البيت ساعة 

مجمع الميم بالقلم

كان الهجاء في العهد العباسي قد تنحى عن منهجه القديم المتعارف عليه الذي كان يعيب على المهجو تخلفه عن ساحة المعركة والنجل وغيره، وأصبح الهجاء يتجه إلى التهكم وسخرية الأخرين من الفرد وعن الهجاء يقول الجرجاني: ” فأما الهجو فأبلغه ما جرى مجرى الهزل والتهافت، وما اعترض بين التصريح والتعريض وما قربت معانيه، وسهل حفظه وأسرع علوقه بالقلب، ولصوقه بالنفس.”

ومن الهجاء الذي فيه فكاهة ويدخل القلوب كلام ابن الرومي في شخص طويل القامة:

طول وعرض بلا عقل ولا أدب

فليس يحسن إلا وهو مصلوب

وأيضًا كلام أبو نواس لأبَّان اللاحقي:

حيّرت ” باءً ” مكان

” التاء ” تصحيف عيانا

قد علمنا ما أرادت

لم ترد إلا ” أتانا “

كما طال الهجاء والفكاهة فيه ولاة الأمر فلم يسلموا منه وخصوصًا إذا انحازوا عن طريق الصواب ومنه قول ابن المعتز متحدثًا عن الوزراء وسوء أعمالهم واستحواذهم على أرزاق الناس وأخذهم الرشوة وخاصة إسماعيل بن بلبل:

وما نسينا مصرع الكفور

الجاهل المخلط المغرور

إذ قد الخلاف والعصيانا 

فزاده رب العلا هوانا

يكنى بصقر وأبوه بلبل

هذا لعمري باطل لا يقبل

وكذلك هجاء علي بن الجهم وإضحاك العامة على محمد الزيات وزير المتوكل:

لعائن الله متابعات

مصبحات ومهجرات

على بن عبد الملك الزيّات

عرّض شمل الملك للشتات

وأنفذ الأحكام جائرات

على كتاب الله زاريات

وعن عقول الناس خارجات

يرمي الدواوين بتوقيعات

بعد ركوب الطوف في الفرات 

وبعد بيع الزيت بالحبات

برع الشعراء في تصوير العيوب الجسدية بطريقة تهكمية تدعو إلى الضحك وكانوا يصورون الذين يهجونهم بالحيوان وصفات الحيوانات، ومثال عليه هجاء ابن الرومي لمغني لم يستحسن غناءه وشبهه عند الغناء بأنه مثل البغل الذي يفتح فمه للأكل ويقول:

وتحسب العين فكيه إذا اختلفا

عند التنغم فكي بغل طحان

كما تهكم الشعراء من زوجاتهم بأسلوب تهكمي فكاهي ومثال عليه هجاء أبو دلامة لزوجته ويقول:

لا بارك الله فيها من منبهة

هبت تلوم عيالي بعد ما هجعوا

ونحن مشتبهون الألوان أوجهنا

سود قباح وفي أسمائنا شنع

إذا تشكت إلى الجوع قلت لها 

ما هاج جوعك إلا الرّي والشبع

ولم يسلم أصدقائهم من السخرية ومثال عليه ما نطق به أبو نواس ساخرًا من صديقه:

رأيت الفضل مكتئبا اني الخبز والسمكا

فقط حين أبصرني ونكس رأسه وبكى

فلما أن حلفت له

بأني صائم ضحكا

خصائص الشعر الفكاهي

1- الخفة والظرافة: وتميز به بشار بن برد وأبو نواس، ومثال على الظرافة ما أورده بشار في أبياته قائلاً:

سَيِّدي مِلْ بِعَناني نَحوَ بان الأَصْبهاني

إنَّ بالبابِ أتانًا فَضَلَتْ كُلَّ أتانِ

تيَّمتني يَومَ رُحْنا بثناياها الحِسانِ

تيَّمتني بِبَنانٍ وَبِدَلٍّ قد جواني

وبِحُسنٍ ودلالٍ سَلَّ جِسمي وبراني

ولها خَدٌّ أسيلٌ مِثلُ حدِّ الشَّيفرانِ

فيها مِتُّ ولوعِشْــتُ إذن طال هواني

فقال له أحد جلسائه: ما الشَّيفران؟!. قال:ما يُدريني؟!

2- التهكم: تميز به أبو دلامة ومنه قوله:

ألا أبلغ لَدَيكَ أبَا دُلامَه

فَلَيسَ مِنَ الكِرامِ وَلا كَرَامَه

إذا لَبِسَ العِمَامَةَ كانَ قِرداً

وَخِنزِيراً إذا نَزَعَ العِمَامَه

جَمَعتَ دَمَامةً وجَمَعتَ لُؤماً

كَذَاكَ اللُّومُ تَتبَعُهُ الدَّمَامَه

فإن تَكُ قَد أصَبتَ نَعِيمَ دُنيَا

فلا تَفرَح فَقَد دَنَتِ القِيامَه

3- السخرية: وهي لاذعة أكثر من الفكاهة ومثال عليه قول إبراهيم بن العباس:

وَلمّا رَأَيتُكَ لا فاسِقاً

تُهابُ وَلا أَنتَ بِالزّاهِد

وَلَيسَ عَدُوّك بِالمُتّقى

وَلَيسَ صَديقُكَ بِالحامِد

أَتَيتُ بك السوقَ سوقَ الرَّقيق

فَنادَيتُ هل فيكَ من زائِد

عَلى رَجلٍ غادَرٍ بِالصَّديق

كَفور لِنَعمائِه جاحِد

فَما جاءَني رجل واحد

يَزيد على درهم واحِد

سِوى رجل حان مِنه الشقاء

وَحلّت به دَعوَةُ الوالِد

وفي النهاية نستنتج إن الفكاهة تطورت وبرزت في عهد العباسيين وذلك نتيجة إلى حياة اللهو التي سادت في البلاد، وكان ولاة الأمر يحتاجونه بعد إنهاء أعمال السلطة وإدارة شؤون البلاد، وبرز في هذا العهد العديد من الشعراء الذين وظفوا الفكاهة في أشعارهم مثل بشار بن برد وأبو دلامة والكثير منهم.


شارك المقالة: