القيمة على القامة .

اقرأ في هذا المقال


يقول تعالى ﴿وَٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضٍۚ إِلَّا تَفۡعَلُوهُ تَكُن فِتۡنَةࣱ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَفَسَادࣱ كَبِیرࣱ﴾ [الأنفال ٧٣]

هناك عبارة تُقال (ليست العبرة بالقامة والحجم والكثرة، إنّما العبرة بالقيمة)
وهناك شيئان يوزنان في واقعنا : القيمة والقامة ، ولكنّ الله عز وجل يُفضل القيمة على القامة، فنحن عندما نقرأ الآيات الأخيرة من سورة الأنفال نتعجب، ونستغرب وتأخذنا الدهشة، فعندما تقرأ قوله تعالى ﴿وَٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضٍۚ إِلَّا تَفۡعَلُوهُ تَكُن فِتۡنَةࣱ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَفَسَادࣱ كَبِیرࣱ﴾ .

الخطاب في الآية _ لمن يُقال هذا الخطاب ؟ لجماعة من المؤمنين والتي تكونت من المهاجرين والأنصار، تكونت من الأنصار والمهاجرين أصحاب القامات العليا، لم يتجاوز عددهم خمسمئة وألف، لقد حضَّ الله تعالى وحثّ على المؤاخاة وربط بين الأنصار والمهاجرين، وبين الأنصار بالمهاجرين، وقد حفزهم وزرع فيهم روح الأخوة بالله الصادقة المتكاملة، لكي يكونوا وحدة واحدة جديدة، تقوم على الإيمان بالله تعالى، وعلى التراحم فيما بينهم، وفيما بينهم وبين الإنسانية، وعلى الكلمة الطيبة، تقوم على وحدة العقيدة والمبدأ، فقال لهم: إذا قصرتم في تكوين رابطة الإخوة، وفي تكوين الوحدة الإنسانية التي يجهلها العالم ونسيتها البشرية، وبكلمة أخرى : لم تدونها كتب التاريخ منذ مئات السنين، فإذا قصرتم في إنشاء وتكوين هذه الوحدة التي تقوم على بناء الرسالة الفاضلة، فإنّه ستكون هناك فتنة وفساد كبير في الأرض (إِلَّا تَفۡعَلُوهُ تَكُن فِتۡنَةࣱ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَفَسَادࣱ كَبِیرࣱ) فالمعول عليكم والتركيز عليكم.

لو سألنا أنفسنا ما نسبة هذه النسبة البسيطة التي كانت تعيش في المدينة المنورة ؟؟ وما هو وزنها وما عدد أفراداها؟؟ ما وزنها في موازين السياسة والبشر، بل في الميزان الاجتماعي والعلمي؟؟  في الظاهر لم يبلغ عددهم ألفين، وقد ذكر البخاري عددهم خمسمئة وألف شخص، إذن لمن يُقال هذا الكلام؟؟

هل يُقال للرومان الذي فرضوا سيطرتهم على نصف سكان أهل الأرض؟؟ والذين كانوا يملكون أكبر إمبراطورية، بل أكبر حضارة تسيطر على أكبر قوة حربية وعسكرية وسياسية؟

بل هل يُقال هذا الكلام للفرس الذين بسطوا نفوذهم على أراضي المعمورة، الرومان والفرس كانوا يسيطروون على سفن الدنيا بأسرها وسفن الحضارة، بل هم من كانوا يتصرفون في وسائل وأوضاع العالم، فهل يقال لهم: (إِلَّا تَفۡعَلُوهُ تَكُن فِتۡنَةࣱ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَفَسَادࣱ كَبِیرࣱ)

الخلاصة:

يجب علينا أن نقيس حجم الكلمات وروعتها: (فِتۡنَةࣱ فِی ٱلۡأَرۡضِ ) حجمها كبير، ووزنها ثقيل ، فهذا يدلنا على أنّ المسلم بقيمته لا بقامته، برسالتها بإيمانها بربها، بصلتها بربها، بأخلاقها، بضمائرها الحيّة، بتلك الروح التي تتغلل في أحشائها، والتي تهيمن على تفكيرها وعقلها.


شارك المقالة: