اقرأ في هذا المقال
تميّز العصر الأندلسي بالتطور والازدهار في جميع الآداب والعلوم والثقافة، لما شهدته من ظروف وعوامل مختلفة، وواكب الشعراء والأدباء والعلماء هذا التطور، ولجأوا إلى اتجاه جديد يُعبّر عن آرائهم وأفكارهم بطرق جعلتهم يفكوا قيود التقليد الذي كان يرافق أدبهم وشعرهم وعلومهم كذلك، وخلقوا لأنفسهم عدة وسائل ساعدتهم على التغير والتحرر ومن هذه الوسائل أسلوب الكتابة، وفي هذا المقال سنتناول هذا الفن النثري، وفنونه وسماته في العصر الأندلسي.
الكتابة في العصر الأندلسي
اتّصفت الكتابة في العصر الأندلسي بالكثير من الصفات، التي ميزته عن باقي الفنون النثرية التي ظهرت في هذا العصر، وكان يغلب على فن الكتابة طابع الحكمة، وذلك لأنهم أكثروا من استخدام الحكمة في كلامهم، وكذلك توجهوا إلى تضمين الشعر في كتاباتهم، وكانوا يستشهدون كذلك من القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، وكانوا في بعض الآحيان يبالغون في هذا الاقتباس، كما كانت تتضمن الرسائل العديد من الحكمة والأمثال.
كما فعل ابن زيدون في كتاباته، وكانوا يتناولون في كتاباتهم الإشارة إلى الأحداث التاريخية السابقة، وكان الشخص القارئ يشعر بالغموض إذا لم يكن على دراية كافية بهذه الأحداث.
أنواع فنون الكتابة في العصر الأندلسي
1- فن الكتابة الإبداعية: كانت هذه الكتابات تتجه إلى وصف الطبيعة والبيئة الأندلسية، وكما هو معروف عن البيئة الأندلسية أنها عبارة عن جنة على الأرض، ولقد أبدع الكتاب بهذا الفن ومما ساعدهم على ذلك بيئة بلادهم التي كانت تبهر العين لجمالها.
كان الكاتب مثلاً يتناول منظر خلاب ويكتب فيه واصفًا ما يجول في خاطره تجاه هذا المنظر الرائع، ومثال على هذه الكتابات ما كتبه ابن خفاجة الأندلسي واصفًا الرياض بعد نزول المطر عليها:
“ولمَّا أكبَّ الغمام أكبابا، لم أجد منه إغبابا، واتصل المطر اتصالا، لم ألف منه انفصالا، إذن الله تعالى، للصحو أن يُطلع صفحته، وينشر صحيفته، فقشعت الريح السحاب، كما طوى السجل الكتاب.”
هذه قطعة فنية أدبية رائعة، كتبها ابن خفاجة واصفًا الرياض بعد أن نزل المطر عليها وقام بغسلها، وهنا يتحدث الكاتب عن انطباعاته بعد هذا المشهد الرائع، ووصف ما جرى من المطر على هذه الرياض ويصور المنظر الرائع بعد توقف المطر وطلوع الشمس، بأسلوب أدبي ينم عن تمكن وبراعةٍ في ذلك.
2- الرسائل الإخوانية: هي رسائل تحمل في طياتها المحبة والود والإخلاص، وكانت عبارة عن رسالة شكر كتبها الكاتب يشكر فيها المخاطب، ومثال على ذلك الرسائل ما كتبه محمد بن طاهر إلى رجل يسمى ذي النون شاكراً له، فيقول له:
“الآن أيدك الله، عاد الشباب خير معاده، وابيض الرجاء بعد سواده، وترك الزمان فضل عنانة، فلله الشكر المردد بإحسانه، وافاني أعزك الله كتاب كريم، كما طرَّز البدر النهر، أو كما بلل الغيث الزهر، طوقني به طوق الحمامة، وألبستني به ظل الغمامة.”
3- النثر التأليفي: وهو عباره عن كتب ألفها الأدباء الأندلسيون وتناولوا فيها الحديث عن حقائق وظوهر اجتماعية ظهرت في هذا العصر، وكانوا يلجؤون إلى تحليل هذه الحقائق، ورصدها وجمع كل الأخبار التي تخص هذه الظاهرة.
ظهر في العصر الأندلسي العديد من هذه الكتب التأليفية ونذكر منها العقد الفريد الذي كتبها ابن عبد ربه، وطوق الحمامة لابن حزم الأندلسي، وكتاب الشفا للقاضي عياض، وكتاب طبقات الأمم لصاعد بن أحمد بن صاعد، وكتاب الاعتصام للإمام الشاطبي.
سمات الكتابة في العصر الأندلسي
1- تضمين الحكم والأمثال وكذلك الشعر في كتاباتهم، ويلجؤون إلى الاقتباس من القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، ويبالغون في هذا الاقتباس.
2- كثرة استخدام المحسنات البديعية وكذلك استخدامها الإطناب، والترادف، التزموا بالسجع في بعض الأحيان.
3- بروز العاطفة، والود والمحبة في هذه الكتابات.
4- استمدت الصور الإبداعية من الطبيعة الأندلسية، وظهور تأثرهم الكبير بها.
5- تغلب العقل في الكتابات على العاطفة، والاهتمام بالأفكار والمعاني.
6- كانت تؤرخ بعض الأحداث التاريخية، فكانت عبارة عن سجل تاريخي في بعض الأحيان.
وفي النهاية نستنتج أن الأدباء والعلماء واكبوا التطور والازدهار الذي عمَّ على بلاد الأندلس، واتجهوا إلى منحى جديد يعبرون فيه عن آرائهم وأفكارهم، ومن هذه الاتجاهات الكتابة الرسمية، التي ساعدتهم على التحرر والتوصيل آرائهم بشكل رائع، وقد برز في هذا العصر العديد من الكتاب المشهورين الذين برعوا في هذا الفن وورثوا الأجيال العديد من الكتب في هذا الفن النثري.