الله نور السموات والأرض.

اقرأ في هذا المقال


الآية :

﴿۞ ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِۚ مَثَلُ نُورِهِۦ كَمِشۡكَوٰةࣲ فِیهَا مِصۡبَاحٌۖ ٱلۡمِصۡبَاحُ فِی زُجَاجَةٍۖ ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوۡكَبࣱ دُرِّیࣱّ یُوقَدُ مِن شَجَرَةࣲ مُّبَـٰرَكَةࣲ زَیۡتُونَةࣲ لَّا شَرۡقِیَّةࣲ وَلَا غَرۡبِیَّةࣲ یَكَادُ زَیۡتُهَا یُضِیۤءُ وَلَوۡ لَمۡ تَمۡسَسۡهُ نَارࣱۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورࣲۚ یَهۡدِی ٱللَّهُ لِنُورِهِۦ مَن یَشَاۤءُۚ وَیَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡأَمۡثَـٰلَ لِلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمࣱ فِی بُیُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرۡفَعَ وَیُذۡكَرَ فِیهَا ٱسۡمُهُۥ یُسَبِّحُ لَهُۥ فِیهَا بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡـَٔاصَالِ (٣٦) رِجَالࣱ لَّا تُلۡهِیهِمۡ تِجَـٰرَةࣱ وَلَا بَیۡعٌ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِیتَاۤءِ ٱلزَّكَوٰةِ یَخَافُونَ یَوۡمࣰا تَتَقَلَّبُ فِیهِ ٱلۡقُلُوبُ وَٱلۡأَبۡصَـٰرُ (٣٧) لِیَجۡزِیَهُمُ ٱللَّهُ أَحۡسَنَ مَا عَمِلُوا۟ وَیَزِیدَهُم مِّن فَضۡلِهِۦۗ وَٱللَّهُ یَرۡزُقُ مَن یَشَاۤءُ بِغَیۡرِ حِسَابࣲ (٣٨)﴾

إن الآيات الجميلة الرائعة التي قرأتموها، تُحدثنا عن هذا الكون الذي نعيش فيه ونهيم به حباً وغراماً، في إسلوب جديد، أسلوب الوحي الإلهي، أسلوب الأنبياء المرسلين، الذين انكشفت لهم الحقائق، واهتدوا من الكون إلى فاطر الكون، وسعدوا بالمشاهدة واليقين.

ولقد قال قائلهم وقد رأى الشمس تغيب في الأفق (إِنِّی بَرِیۤءࣱ مِّمَّا تُشۡرِكُونَ إِنِّی وَجَّهۡتُ وَجۡهِیَ لِلَّذِی فَطَرَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضَ حَنِیفࣰاۖ وَمَاۤ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِینَ) .

حدثتنا هذه الآيات عن سر الحياة، عن سر القوة والحركة والنشاط، عن سر البهجة والأنس، عن سر الجمال الفاتن، عن سر كلِّ ما في هذا العالم من حسن وجمال.

قال تعالى : (ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِۚ) صدق الله العظيم، هذا هو النور الذي فاض على هذا العالم فأضاء الكون وأشرقت الأرض بنور ربها.
ولكنَّه نور لا كالنور ( ليس كمثله شيء) ولكنَّه لا يفهم إلّا بالأمثلة الحكيمة البليغة كقوله تعالى : (مَثَلُ نُورِهِۦ كَمِشۡكَوٰةࣲ فِیهَا مِصۡبَاحٌۖ ٱلۡمِصۡبَاحُ فِی زُجَاجَةٍۖ ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوۡكَبࣱ دُرِّیࣱّ یُوقَدُ مِن شَجَرَةࣲ مُّبَـٰرَكَةࣲ ) ولكنَّ هذا النور لا يختص بجهة دون جهة، وبإقليم دون إقليم، وبجنس دون جنس، إنّه فوق الحدود والجهات، وفوق الأرض والسماوات، وفوق الشعوب والأمم، والأجناس والأوطان , والأنساب والألوان.

ثمَّ قال (زَیۡتُونَةࣲ لَّا شَرۡقِیَّةࣲ وَلَا غَرۡبِیَّةࣲ ۚ) ثمَّ إنّه في إفاضة نوره وبث خيراته وجوده لا يفتقر إلى الأسباب ولا يستعين بالوسائط ُ(يضِیۤءُ وَلَوۡ لَمۡ تَمۡسَسۡهُ نَارࣱۚ).

إنّ هذا النور عامٌّ قد عم الكون، وعمَّ المشرق والمغرب، وأشرق على البر والبحر، والسهل والجبل، والحيوان والجماد، ولكن لا يهتدي إليه إلّا من فتح الله بصيرته، وشرح صدره للإسلام فعرف الله معرفة صحيحة، وتوصل من الكون إلى فاطر الكون ﴿أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدۡرَهُۥ لِلۡإِسۡلَـٰمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورࣲ مِّن رَّبِّهِۦۚ فَوَیۡلࣱ لِّلۡقَـٰسِیَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ فِی ضَلَـٰلࣲ مُّبِینٍ﴾ [الزمر ٢٢] وفكر في هذا العالم بنور من ربه فوصل إلى النتائج الصحيحة وطرب بها ﴿ٱلَّذِینَ یَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ قِیَـٰمࣰا وَقُعُودࣰا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمۡ وَیَتَفَكَّرُونَ فِی خَلۡقِ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِ رَبَّنَا مَا خَلَقۡتَ هَـٰذَا بَـٰطِلࣰا سُبۡحَـٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ﴾ [آل عمران ١٩١]

فالاهتداء إلى هذا النور سعادة لا ينالها إلّا من أدركته العناية الإلهية والهداية الربانية (یَهۡدِی ٱللَّهُ لِنُورِهِۦ مَن یَشَاۤءُۚ وَیَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡأَمۡثَـٰلَ لِلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمࣱ ) .

هذه الهداية عن طريق الأنبياء والرسل الذين أكرمهم الله برسالته وكتبه، فقال : ﴿ قَدۡ جَاۤءَكُم مِّنَ ٱللَّهِ نُورࣱ وَكِتَـٰبࣱ مُّبِینࣱ یَهۡدِی بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضۡوَ ٰ⁠نَهُۥ سُبُلَ ٱلسَّلَـٰمِ وَیُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذۡنِهِۦ وَیَهۡدِیهِمۡ إِلَىٰ صِرَ ٰ⁠طࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ﴾ ولذلك يقول المهتدون يوم القيامة : ﴿ وَقَالُوا۟ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِی هَدَىٰنَا لِهَـٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهۡتَدِیَ لَوۡلَاۤ أَنۡ هَدَىٰنَا ٱللَّهُۖ لَقَدۡ جَاۤءَتۡ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلۡحَقِّۖ وَنُودُوۤا۟ أَن تِلۡكُمُ ٱلۡجَنَّةُ أُورِثۡتُمُوهَا بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ﴾ [الأعراف ٤٣] .

الحكمة والدرس المستفاد.

وُيبحث عن كل شيء في محله ومركزه، ويبحث عن هذا النور وعن الهداية في المساجد التي أسَّست على التقوى، وأقيمت للعبادة والذكر والعلم (فِی بُیُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرۡفَعَ وَیُذۡكَرَ فِیهَا ٱسۡمُهُۥ) ولكن الإسلام، لا يدعو إلى الرهبانية، إنه يدعو إلى الاشتغال، وأكل الحلال، إنّه يمدح من يجمع بين الدين والدنيا ﴿وَمِنۡهُم مَّن یَقُولُ رَبَّنَاۤ ءَاتِنَا فِی ٱلدُّنۡیَا حَسَنَةࣰ وَفِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ حَسَنَةࣰ وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ﴾ [البقرة ٢٠١] ويجمع بين التجارة والعبادة في الحياة بحيث لا تلهيهم التجارة والصفق بالأسواق عن أداء الفرائض والصلوات وقد سماهم الله الرجال فقال تعالى في محكم كتابه العزيز: (یُسَبِّحُ لَهُۥ فِیهَا بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡـَٔاصَالِ رِجَالࣱ) صدق الله العظيم، ولا تشغلهم زينة الحياة الدنيا، وصخب الأسواق عن تذكر يوم شديد عسير لا بد منه.


شارك المقالة: