المدح في العصر الأموي

اقرأ في هذا المقال


ازدهر الشعر في زمن الأمويين ازدهاراً كبيراً، وكان حاملًا في جعبته الأغراض التقليدية التي تسبق لهذه الفترة ومنها غرض المديح، الذي أهتم به أهل الشعر لما له من مكانة مهمة لدى ولاة الأمر في هذه الزمن، وأجزلوا العطايا لمن يجيد هذا النوع من الكلام وفي هذا المقال سنوضح هذا النوع.

مفهوم شعر المدح

هو شكل أدبي يعد من المصطلحات الشعرية التي برزت في السابق، فكَان القصد منه يرتبط بذكر بطولات الدول والمعارك، فهو مدخل لأدب شاسع وكبير في اللغة المشرقية، وإن بداية الكلام المنظوم كان متعلق به وأبدع أهل الشعر في هذا الشكل، فكان الشاعر ينظم المفردات التي تشيد بصفات ممدوحة مهما كانت مكانته أو شخصيته.

والمدح ذكر الصفات الجيدة التي لا علاقة لها بالمحبة وهو عبارة عن سرد لسمات الجيدة بدون أجر، وإجادة مدح الشخص الذي له صفات جيدة وان القصد منه التباهي بقبائلهم في الزمن السابق.

المدح في العصر الأموي

منذ القدم كان المدح من أشكال الشعر المشرقي مرافق للهِجاء والغزل وغيرها من الأغراض وكان استخدام المدح في صدر الإسلام لمن يستحق ذلك، فقد كان المدح حقيقيًّا يصدر من الفؤاد والغاية منه إظهار الحق، ولم يكن فيه زيف أو مبالغة.

ولكن في الفترة الأموية اختلف الأمر فقد ذهب أهل الشعر إلى مدح ولاة الأمر وغيرهم من أجل الحصول على المال غير مهتمين بجدية كلامهم نحو الممدوح سواء أكان يستحق المدح أو لا، فكان هدفهم هو التقرب من الحاكم لتحقيق المصلحة المادية.

ومن أهم أهل الشعر الذين توجهوا في قصائدهم إلى المديح:

1- جرير.

2- الأخطل.

3-أبو الشمقمق.

4- الفرزدق.

5- النابغة الشيباني.

خصائص شعر المدح في العصر الأموي

1- المغالاة: تمادى أهل الشعر في أفكار المدح وقد غلب على أفكار شعرهم أنها منافية للحقيقة في قصائدهم، حيث سيرى بأنّ الممدوح توفرت به الصفات نفسها، فهو دائمًا الفارس المغوار، والجواد المعطاء السخي، والإمام القائد.

2- الابتكار في الصور الشعرية: أصبحت الصور الشعرية مبتكرةً وترتكز على المقارنة بين الممدوح وعدوه، إذ تُصوّر الممدوح بأروع الصور، وتُصوّر الأعداء بصورة مغايرة تمامًا.

3- اتسامه بطَابع سياسي: من سمات شعر المدح في الفترة الأموية اتِسامه بصفة سياسية فقد زجوا القصائد في حلقة الخلافات السياسية.

4- تصوير الممدوح بصفات خارقة: حيث توجه أهل الشعر بوصف الممدوح بسمات خارقة لا يقبلها العقل.

5- ارتباط المدح بالتكسب: ارتبط المدح في الفترة الأموية بالتكسب، فكان أهل الشعر يسرفون في المدح وكان ولاة الأمر يجزلون عليهم بالأموال.

الغرض من المدح في العصر الأموي

كثرت أسباب المدح في الفترة الأموية ويرجع ذلك لسببين وهما:

1- الانقسامات التي وقعت بين المذاهب والنزاعات بين الجماعات، وكان الكثير من ولاة الأمر يشجعون أهل الشعر لنظم القصائد فيهم فكان الشعراء يبدعون في ذلك.

2- طلب العطايا فكلما أكثر الشاعر في المدح كان حظه من المال أوفر ويرافقه الخوف من السلطة الحاكمة إذا لم يمدحهم.

نماذج من المديح لبني أمية

اختار الأمويين الشاعر غياث التغلبي الملقب بالأخطل ليكون شاعراً لهم، يمدحَهم بأحسن العبارات، حتى إنه بعد ذلك ظل قريبًا من يزيد بن معاوية ومرافقًا له في كل الأوقات، ومن الأشعار التي مدح فيها الأخطل يزيد مادحًا إيّاه بالشجاعة والإقدام:

وَما وَجَدَت فيها قُرَيشٌ لِأَمرِها

أَعَفَّ وَأَوفى مِن أَبيكَ وَأَمجَدا

وَأَصلَبَ عوداً حينَ ضاقَت أُمورُها

وَهَمَّت مَعَدٌّ أَن تَخيمَ وَتَخمُدا

وَأَورى بِزَندَيهِ وَلَو كانَ غَيرُهُ

غَداةَ اِختِلافِ الأَمرِ أَكبى وَأَصلَدا

فَأَصبَحتَ مَولاها مِنَ الناسِ بَعدَهُ

وَأَحرى قُرَيشٍ أَن يُهابَ وَيُحمَدا

وَفي كُلِّ أُفقٍ قَد رَمَيتَ بِكَوكَبٍ

مِنَ الحَربِ مَخشِيٍّ إِذا ما تَوَقَّدا

وَتُشرِقُ أَجبالُ العَويرِ بِفاعِلٍ

إِذا خَبَتِ النيرانُ بِاللَيلِ أَوقَدا

وَمُنتَقِمٍ لا يَأمَنُ الناسُ فَجعَهُ

وَلا سَورَةَ العادي إِذا هُوَ أَوعَدا

وَما مُزبِدٌ يَعلو جَزائِرَ حامِزٍ

يَشُقُّ إِلَيها خَيزُراناً وَغَرقَدا

تَحَرَّزَ مِنهُ أَهلُ عانَةَ بَعدَ ما

كَسا سورَها الأَعلى غُثاءً مُنَضَّدا

يُقَمِّصُ بِالمَلّاحِ حَتّى يَشُفُّهُ ال

حِذارُ وَإِن كانَ المُشيحُ المُعَوِّدا

ومدح جرير للأمويين عند لقائه الأول مع بن مروان:

أَلَستُم خَيرَ مَن رَكِبَ المَطايا

وَأَندى العالَمينَ بُطونَ راحِ

وَقَومٍ قَد سَمَوتَ لَهُم فَدانوا

بِدُهمٍ في مُلَملَمَةٍ رَداحِ

أَبَحتَ حِمى تِهامَةَ بَعدَ نَجدٍ

وَما شَيءٌ حَمَيتَ بِمُستَباحِ

لَكُم شُمُّ الجِبالِ مِنَ الرَواسي

وَأَعظَمُ سَيلَ مُعتَلِجِ البِطاحِ

دَعَوتَ المُلحِدينَ أَبا خُبَيبٍ

جِماحاً هَل شُفيتَ مِنَ الجِماحِ

فَقَد وَجَدوا الخَليفَةَ هِبرِزِيّاً

أَلَفَّ العيصِ لَيسَ مِنَ النَواحي

فَما شَجَراتُ عيصِكَ في قُرَيشٍ

بِعَشّاتِ الفُروعِ وَلا ضَواحي

رَأى الناسُ البَصيرَةَ فَاِستَقاموا

وَبَيَّنَتِ المِراضُ مِنَ الصِحاحِ

وقول النابغة الشيباني مادحاً الأمويين:

نَحوُ عَبدِ العَزيزِ ما تَطعَمُ النَو

مَ وَمِنها بَعدَ الرَواحِ البُكورُ

وَهُوَ الثالِثُ الخَليفَةُ لِلُّ

هِ إِمامٌ لِلمُؤمِنينَ أَميرُ

إِن أَرادوا التُقى فَعَدلٌ تَقِيٌّ

أَو أَرادوا عَدلاً فَلَيسَ يَجورُ

جَدُّهُ مُرَّتَينِ جَدُّ أَبيهِ

فَإِلى العيصِ يَنتَمي وَيَصيرُ

وَلَدَتهُ المُلوكُ مَلكاً هُماماً

فَهُوَ بَدرٌ غَمَّ النُجومَ مُنيرُ

حَكَمِيّاً يَراحُ لِلمَجدِ فَرعاً

مُؤفِياً بِالعُهودِ حينَ يُجيرُ

مَعشَرٌ مَعدِنُ الخِلافَةِ فيهِم

بَدؤُها مِنهُمُ وَفيهُم تَحورُ

لا يَرومَنَّ مُلكَهُم آدَمِيٌّ

إِنَّ من رامَ مُلكَهُم مَغرورُ

وقول الفرزدق مادحًا علي بن الحسين:

هَذا الَّذي تَعرِفُ البَطحاءُ وَطأَتَهُ

وَالبَيتُ يَعرِفُهُ وَالحِلُّ وَالحَرَمُ

هَذا اِبنُ خَيرِ عِبادِ اللَهِ كُلِّهِمُ

هَذا التَقِيُّ النَقِيُّ الطاهِرُ العَلَمُ

هَذا اِبنُ فاطِمَةٍ إِن كُنتَ جاهِلَهُ

بِجَدِّهِ أَنبِياءُ اللَهِ قَد خُتِموا

وَلَيسَ قَولُكَ مَن هَذا بِضائِرِهِ

العُربُ تَعرِفُ مَن أَنكَرتَ وَالعَجَمُ

كِلتا يَدَيهِ غِياثٌ عَمَّ نَفعُهُما

يُستَوكَفانِ وَلا يَعروهُما عَدَمُ

سَهلُ الخَليقَةِ لا تُخشى بَوادِرُهُ

يَزينُهُ اِثنانِ حُسنُ الخَلقِ وَالشِيَمُ

حَمّالُ أَثقالِ أَقوامٍ إِذا اِفتُدِحوا

حُلوُ الشَمائِلِ تَحلو عِندَهُ نَعَمُ

ما قالَ لا قَطُّ إِلّا في تَشَهُّدِهِ

لَولا التَشَهُّدُ كانَت لاءَهُ نَعَمُ

وقول الأخطل مادحًا عبد الملك بن مروان:

أَلا يا اِسلَمي يا هِندُ هِندَ بَني بَدرِ

وَإِن كانَ حَيّانا عِدىً آخِرَ الدَهرِ

وَإِن كُنتِ قَد أَصمَيتِني إِذ رَمَيتِني

بِسَهمِكِ فَالرامي يَصيدُ وَلا يَدري

أَسيلَةُ مَجرى الدَمعِ أَمّا وِشاحُها

فَيَجري وَأَمّا الحِجلُ مِنها فَلا يَجري

وَكُنتُم إِذا تَدنونَ مِنّا تَعَرَّضَت

خَيالاتُكُم أَو بِتُّ مِنكُم عَلى ذُكرِ

وفي النهاية نستنتج أن شعر المدح تطور في الفترة الأموية بسبب اهتمام ولاة الأمر بهذا النوع من الكلام المنظوم حيث أجزلوا له العطايا وشجعوا أهل الشعر على الكتابة فيه، كما تهافت شعراء هذا العصر على مدح ولاة الأمر من أجل التكسب وجني المال، وبرز في هذا العصر العديد من أهل الشعر في المدح.


شارك المقالة: