اقرأ في هذا المقال
النبي محمد صلى الله عليه وسلم من أهْم القَامات على مر التاريخ الإنساني كذلك خصَّه الله بمجموعةٍ من الصفات العديدة إضافة لرعايته سبحانه وتعالى له في كل مراحل حياته، لقد تشرَّف الأدب بذكر سيرته وصفاته خاصة في الزمن المملوكي الذي تم اكتمال اركانه فيه وتثبيت قواعده، وفي هذا المقال سنتكلم عن هذا الموضوع الذي تطور بشكل لافت في ذاك الوقت.
المدائح النبوية في العصر المملوكي
تمكن الأدب من تغطية جميع مراحل نشأة النبي صلى الله عليه وسلم حيث شغلت صفاته أهل المشرق فتوجه الأدباء في جميع العصور لمدحه وذكر خصاله، مثل حسان بن ثابت والعباس وغيرهم والسبب الرئيسي لذلك حبهم وإعجابهم بسماته وكذلك التأثير لرسالته، وقد بدأ هذا الثناء في البداية على القيمة البداوية ثم توجه بعد ذلك إلى الثوابت الدينية.
رواد الأدب الذين تغنوا بصفاتِه صلى الله عليه وسلم في حياته أثنوا عليه من خلال الصفات التي شاهدوها فيه، ويتصف هذا المدح بأنه جاء تقليديًا يسير على النهج القديم حيث لم يتفرد هذا النوع في أبيات مستقلة بل جاء ملازمًا لموضوعات أخرى مثل الفخر والاعتذار وغيره.
تميزت القصائد التي تناولت ذكر سِمات النبي صلى الله عليه وسلم بأنها قليلة في الكمية حيث اتبعوا الأسلوب القديم بذلك الغرض فنجد غياب الجانب الديني في هذه الأبيات، لكنه بدأ بالازدياد مع تقدم الوقت وانتشار الإسلام ومن أبرز الأشخاص الذين أثنوا الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الفترة أبو طالب وكذلك أعشى قيس.
في الزمن المملوكي تطورت المدائح بشكل واسع حيث تسابق رواد الكلام الموزون لنظم هذا النوع وبرزت آنذاك الدواوين والأبيات الخاصة بذلك، ومن أبرز الذين نظموا في مدح النبي صلى الله عليه وسلم الشهاب الحلبي وأحمد بدوي وغيرهم.
المجال الإنساني في المدائح النبوية في العصر المملوكي
اهتم رواد الكلام المنظوم على ذكر الجانب الإنساني من شخصية النبي صلى الله عليه وسلم وعَمِدوا إلى وصفها وتصويرها في مقطوعات المديح الذي وجد من أجل هذا الغرض، فكان لا بد من الاهتمام وتوجيه إبداعاتهم ليظهِروه بأفضل هيئة ممكنة.
رافق مجال شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم مواضيع أخرى مثل ذكر أهله وصحابته وكذلك وصف المسلمين، وسار الأدباء على نمط أسلافهم الذين بدأوا أبياتهم بالغزل مثل كعب بن زهير ومن المجالات الإنسانية التي تم التطرق إليها في مقطوعات المديح آنذاك:
1- النبي صلى الله عليه وسلم خُلقيًا: تطرق الأدباء للجانب الأخلاقي في شخصيته معتمدين على سمات كثيرة تميز بها طيلة حياته، ومن الذين تغنوا بصفاته الخُلقية وخصوصًا شجاعته وجوده عليه الصلاة والسلام برهان الدين القيراطي حيث قال:
أشجع العالمين في الحرب إن جال
وفي السلم أكرم الكرماء
لا تقل لي ندى أياديه بحر
أي بحر جاراه يوم السخاء
ليس من جاد بالمياه كمن جاد
بصافي النضار للفقراء
وكذلك الصور التي خطها ابن حجر العسقلاني واصفًا النبي صلى الله عليه وسلم بالشجاعة والكرم وشبهه بالغيث في وجوده مستخدمًا المحسنات حيث يقول:
اللَيــثُ وَالغَـيـثُ فـي يَـومـي نَـدىً وَردىً
وَالصـادِقُ الفـِعـل فـي يَـومـي وَغىاوَوفا
الواهِـــبُ الهـــازِمُ الآلافَ مِـــن كَـــرَمٍ
وَسَــطــوَةٍ لِلعِــدى وَالصــحــبِ قَــد عُـرفـا
فـالغَـيـثُ مِـن جـودِهِ فـي الجَدبِ مغتَرِفاً
كـاللَيـثِ مِـن بـأَسِهِ فـي الحَـربِ معترفا
عَمِدَ بعض رواد الكلام المنظوم إلى الحديث حيث نظموا كل صفة في قصيدة مستقلة ومنهم برهان الدين القيراطي حيث ذكر في أبياته كرم الرسول صلى الله عليه وسلم فأنشد:
ونداه في المحل يُغني إذا ما
نزل الأرض عن نزول السماء
وكذا النيل كسره من توالي
رفع بحر الأصابع الأسخياءُ
كذلك توجه بعض رواد الأدب إلى ذكر أكثر من صفة لشخصه الكريم وخصوصًا تلك التي عُرف بها مع مجيء الإسلام مثل الحِلم والصبر والوقار وغيره حيث يقول البوصيري:
مَا سِوَى خُلْقِهِ النسيمُ وَلا غَيْ
رَ مُحَيَّاهُ الرَّوْضَةُ الغَنَّاءُ
رحمةٌ كلُّهُ وَحَزْمٌ وَعَزْمٌ
وَوَقَارٌ وَعِصْمَةٌ وَحَيَاءُ
لا تَحُلُّ البأْسَاء مِنه عُرَا الصَّبْ
رِ وَلا تَسْتَخِفُّهُ السَّرَّاءُ
كَرُمَتْ نَفْسُهُ فما يخْطُرُ السُّو
ء عَلَى قَلْبِهِ وَلا الفحشَاءُ
كما نرى ابن الحموي يتوجه إلى ذكر العديد من الشمائل والصفات التي دعا إليها الرسول وذكرت في سيرته وأحاديثه مثل الرحمة والحلم حيث يقول:
رؤوف رحيم بالبهاء متوج
حليم كريم بالحياء ملتئم
2- الرسول صلى الله عليه وسلم خَلقيًا: نرى رواد الأدب في هذا العهد أنهم لم يركزوا على الجانب الشكلي لشخصه صلى الله عليه وسلم حيث أكدوا على صفاته الخُلقية أكثر، وتوجه أغلب الشعراء في تلك الفترة إلى وصف وجهه الكريم وتشبيهه بالقمر ونذكر منهم الحموي الذي ردد:
فَلي قمرٌ في ذلك الأفُق قد سما
يفوق على الأقمار بالواضح الأسني
جميل المُحيَّا أزهر اللون أبلج
براق الثنايا أكحلُ أدعج أقنى
هو المصطفى من نسل أكرم والد
فيا كرم الآباء ويا شرف الأبناء
كما شبهه ابن نباته المصري بالقمر الذي يشع نورًا ويقول:
واذكر ببدر طلعةً نبويةً
من مفردٍ يسمو ابنَ عشرَ وأربع
ما البدر في كبد السما كسناه في
قلبِ الخميس ولا بصدر المجمع
تفدي البدورُ بيوم بدرٍ وجهه
ما بين معشره البدور الطلّع
نرى أن رواد الكلام المنظوم قد توجهوا إلى وصف النور الذي يشع منه صلى الله عليه وسلم ومنهم البوصيري حيث يتوجه إلى تشبيهه بالزهر الذي ينبعث منه النور يوم أحد رغم آثار الإجهاد والتعب الظاهرة عليه ويقول:
ظْهِرٍ شَجّةَ الْجَبِينِ عَلَى البُرْ
ءِ كما أَظهرَ الهلالَ البَرَاءُ
سُتِرَ الحُسْنُ منه بالحسنِ فاعجَبْ
لِجَمِالٍ له الْجَمالُ وِقاءُ
فهْوَ كالزّهْرِ لاحَ من سَجَفِ الأك
مام والعودِ شُقَّ عنه اللّحاءُ
كَادَ أَنْ يُغشِيَ العُيونَ سناً مِنْ
هُ لِسِرٍّ فيه حَكَتْهُ ذُكاءُ
ومن الصفات الحسية التي تطرق رواد الكلام المنظوم إلى ذكرها في مدحهم لشخصه الكريم ما أدرَجه ابن جابر الأندلسي حيث قال:
فصيح صبيح أزهر اللون بادن
مليح كحيل الطرف أشكل وأدعج
وعن مثل حبات الغمام ابتسامُه
ضليع فم حُلو الثنايا مُفلج
إذا لاح عن قرب وأملح من ترى
وأحلاه من بُعدٍ وأبهى وأبهج
وفي النهاية نستنتج أن المدائح في الزمن المملوكي استطاعت تغطية جميع مراحل حياة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وكانت كثيرة بشكل لافت، وعَمِدَ الشعراء إلى التغني بالسِمات الخُلقية والحسّية وأشهر أدباء المديح في ذاك الوقت القيراطي والعسقلاني وغيرهم.