كانت المرأة الجاهلية تستر نفسها وتخفي مفاتنها ولا تظهرها إلا لمن يجوز أن تظهر أمامه كأبيها وأخيها وزوجها، وذلك نابع من الحمية والغيرة التي فُطر عليها أهل الجاهلية.
المرأة الجاهلية وأسباب سفورها
1- الصدمة والحزن من هول المصيبة: كانت الفاجعة تُفقد المرأة صوابها وتدفعها لفقدِ توازنها فتنحرِف عن التستر وتتجه لسفور والنياح لتعبر عن حزنها وتتوجه أيضًا إلى اللطم على وجهها، وكانوا يعدونه نوع من الحداد، ومثال على هذا في الشعر الجاهلي ما نظمه المهلهل بن ربيعة واصفًا نساء قبيلته وكيف خرجن سافرات بعد مقتل شقيقه بعد أن كانوا يغارون عليهن فينشد في ذلك:
كنا نغار على العواتق أن تُرى
بالأمس خارجة عن الأوطان
فخرجن حين ثوى كليب حُسّرًا
مستيقنات بعده بهوان
وكان الجاهلي يوصي نسائه بالسفور وشق الجيوب عند موته والشاهد عليه ما خطه طرفة بن العبد عندما أوصى ابنة شقيقه بفعل ذلك عند موته:
فَإِن مُتُّ فَاِنعيني بِما أَنا أَهلُهُ
وَشُقّي عَلَيَّ الجَيبَ يا اِبنَةَ مَعبَدِ
وَلا تَجعَليني كَاِمرِئٍ لَيسَ هَمُّهُ
كَهَمّي وَلا يُغني غَنائي وَمَشهَدي
2- إظهار الحسن والجمال: منحت المرأة في الجاهلية حرية مطلقة في حياتها فكان لها الخيار في التستر أو إبداء زينتها وسفورها، وكانت النساء في ذلك الوقت يتسابقن في إظهار حسنها كي يتوجه الشعراء إلى وصف جمالهن والتغني بمفاتنها فيُذاع صيتها، ومثال على هؤلاء النساء خرقاء العامرية التي كشفت زينتها للشّعراء الذين افتتنوا بحسنها وتغنوا بجمالها من خلال أبياتهم ومنهم ذو الرمة حيث أنشد:
تمام الحج أن تقف المطايا
على خرقاء واضعة اللثام
3- الفقر والعوز: كان الجوع والحاجة من أبرز دواعي السفور عند نساء الجاهلية حيث كانت عندما تعاني من الجوع والفقر تكشف عن حسنها وترفع حجابها وتخرج إلى مجالس اللهو والسوء كسبًا للمال وسدًا للجوع، وكان أهل الجاهلية يستميتون من أجل المحافظة عن نسائهم وعدم السماح لهن بحضور هذه المجالس ومنهم عروة بن الورد حيث أنشد:
صَبَحناهُمُ شَهباءَ يَبرُقُ بَيضُها
تُبينُ خَلاخيلَ النِساءِ الهَوارِبِ