المرأة والأدب العربي

اقرأ في هذا المقال


إن الأدب بصورته العامة يوضح ثقافة أي مجتمع ويبرز الإبداع في الأدب من خلال تطويع المفردات ووصف الواقع بصورة واضحة، ويظهر دور الأدب من خلال الارتقاء بالمجتمعات وتطور الأدب بعد بدء الإسلام حيث أنه حضَّ الناس على التعلم وترك الأمية، وظل دور المرأة غير واضح المعالم في الأدب ورغم ذلك لقد برزت أديبات عربيات في سماء الأدب مثل الشاعرات المشهورات التي تميزن بدورهن في هذا المجال.

مفهوم الأدب النسائي

الحديث عن مفهوم أدب النساء يجعلنا نقف عند مقولة الناقد عباس محمود حيث يقول: ” إن المرأة لا يمكنها التفوق في نظم الشعر، فجوهر الأنوثة هو التحفظ، فيما عدا التعبير عن الحزن.”

ومن خلال هذا القول يَتوضح قصده في أدب المرأة ويقصد الشاعرات المشهورات مثل الخنساء والأخيلية وغيرها الكثير من الشاعرات البارزات اللاتي تميزن بشعر الرثاء فقط، حين يُعبرن عن حُزنهن بطريقة مميزة ومعبرة، غير أن هذا الكلام غير صحيح حيث نرى أن الشاعرات العربيات قد برزن في جميع النتاجات الشعرية مثل الغزل والوصف والمدح وغير ذلك.

حضور المرأة للأسواق والمنتديات الأدبية

انتشرت الأسواق والتجمعات الأدبية عند العرب ولم تكن تلك الأسواق مقتصرة على الرجال إنما كان للنساء المشرقيات حضور بارز في هذه التجمعات حضرت كَأديبة وناقدة أيضاً، وكانت تلقي ما تميزت به من إبداع أدبي في تلك الأسواق ومن أبرز هذه الأسواق، نذكر عكاظ الذي كان لِنساء فيها حضور بارز ومنهن الخنساء ومن أشعارها في هذا المكان قولها:

قَذى بعينك أم بالعين عُوار

أم ذرفت إذ خلت من أهلها الدار 

تبكي خُنَّاس على صخرٍ وحقَّ لها

إذا رابها الدَّهر، إنَّ الدَّهر ضرار

وإن صخراً لتألمُّ الهُداة به

كأنه عَلَمٌ في رأسه نارُ

حمَّال ألويةٍ هبَّاط أدويةِ

شهَّادُ أنديةٍ للجيش جرَّار

وعندما سمع شعرها قاضي الشعر في السوق أجاز لها بالشاعرية والإبداع والتفوق على بنات عصرها، وتصف هي نفسها قائلة إنها أشعر الناس بين الذكور والإناث وهذا الكلام أغضب حسان بن ثابت ووصف نفسه بأنه هو أشعر الناس.

ومن النساء اللواتي قدمن إلى الأسواق الأدبية نذكر بنت عتبة، وقيل أنها التقت بالخنساء في سوق عكاظ وبدأن يتفاخرن وأن كل واحدة منهن هي أشد فاجعة عند العرب وعن ذلك قالت الخنساء:

أبكي أبي عمراً بعين عزيزةٍ 

قليل إذا نام الخَلِيُّ هُجُودُها

وصنوَيَّ لا أنسى معاوية الذي

له من سراة الحرَّتين وُفودُها 

و صخرا ومن ذا مِثل صخرٍ إذا غدا

بساحته الأبطال قزمٌ يَقُودُها

فذلك يا هندُ الرَّزية فاعلمي

ونيران حربٍ حين شبَّ وقُودُها

فردت عليها هند بنت عتبة مفاخرة أيضاً بعظم مصيبتها:

أُبكي عميد الأبطحين كِليها

وما نِعها من كلِّ باعٍ يُريدُها

أبي عُتيبة الخيرات ويحك فاعلمي

وشيبةُ والحامي الذّمَارَ وليدها

أولئك آلُ المجد من آل غالب

وفي العزّ منها حين ينمى عديدها

ومن هذه المشاهد التاريخية يظهر دور المرأة داخل الأسواق الأدبية ومما تتمتع به من أدب رفيع متمكنة وشاعرة متذوقة لمواطن الجمال وناقدة متمكنة، حيث حضرت المنتديات وكانت ناقدة تفصل بين الأدباء المتنافسين، ومثال على ذلك لجوء علقمة وامرؤ القيس إلى أم جندب حتى تفصل في أيهم أفضل شعراً والتزاماً بالقافية من خلال وصف خيلهم، حيث أنشد امرؤ القيس

خليليَّ مُرَّا بي على أم جندب 

نُقضّ لبانات الفؤاد المعذب

ورد علقمة بأبيات شعره حيث قال:

ذهبت من الهجران في كل مذهبٍ

ولم يكُ حقاً كلُّ هذا التجنب

وبعد إنشاد أشعارهم أمام أم جندب ذهبت باِلإجادة لِعلقمة وفضَّلته على امرئ القيس الذي هو زوجها بالأساس، وعذرها في ذلك أن علقمة لا يتعب حصانه:

فأدركهن ثانيا من عنانه

يمرُّ كمر الرائح المُتخلّب

بينما زوجها أتعب حصانه بالضرب حين قال:

فللسوط أُلهوبٌ وللساق درةٌ

وللزجر منهُ وقعُ أهوج مِنْعَبٍ

ويلجأ الشعراء بعد انتهاء الجاهلية إلى تحكيم النساء وجعلها تفصل بين المتبارزين في الشعر، فنرى حميد الهلالي والعجير وكذلك مزاحم وأوس الهجيمي يذهبون إلى ليلى الأخيلية لِتفصل بينهم، وحينها حكمت للِعجير حيث قالت:

ألا كل ما قال الرواة  وأنشدوا

بها غير ما قال السلولي بهجر

وكلاهما هذا واجازتها للِعجير قد أغضب حميد مما جعله يقدم على هجائها بسبب موقفها من شعره وهذا يدل على أن الشعراء كانوا يتأثرون برأي النساء ويخافون من نقدها، كما كان لنساء المتيمات دور في نقد الشعر حيث كانت توجه النقد لشعر محبوبها، ومثال على ذلك ما حكمت به عزة عندما لم يعجبها شعر كُثير وفضلت عليه شعر الأحوص لما يحتويه من لين ورقة وذلك حين يقول:

يا أيها اللائمي فيها لأَصرمها

أكثرت لو كان يُغني عنك إكثارُ

أكثر فلست مُطاعاً إذ وشيت بها

لا القلب سالٍ ولا في حُبها عارُ

ومن خلال توجيه المرأة إلى نقد كلام الغزل دفع أهل الشعر إلى اعتماده، وأصبح له خصائص وسمات تميزه وتحدث أحد الباحثين عن نقد المرأة للكلام المنظوم حيث قال: ” ولكن الشاعرة في العصر الأموي، غّيرت مسار الشعر، ووجهت الشعر الغزلي منه، تجاه الرّقة، حتى ظهر الشعر العذري الذي يظهر الرجل، شديد التعلق بالمرأة، شديد الوفاء لعلاقة الحب.”

مجالس الشعر كثيرة عند العرب نراها في المنازل أيضًا قصور الخلفاء وتقوم المرأة على الإشراف على هذه المجالس، ومثال على ذلك هند بنت أسماء حيث أنها طلبت من جرير في حضور زوجها الحجاج أن يُلقي على مسمعها شعره في غزل النساء، فيُنكر جرير ذلك لأنه يكره النساء وَينشد لها شعر مدح في الحجاج لكنها ألقت على مسمعه أشعاره الغزلية و أفحمته بما تحفظ من الشعر حيث قالت على مسمعه:

طرقتك صائدةُ القلوب وليس ذا

وقت الزيارة فارجعي بسلام

تُجري السّواك على أغر كأنه

بردٌ تحدَّر من مُتون غمام

عقد المرأة المجالس الأدبية

توجهت المرأة إلى عقد المجالس الأدبية وكان يتهافت على هذه المجالس أشهر الشعراء ليلقي عليهم رأيها في أشعارهم، ومثال على ذلك مجلس عقيلة بنت أبي طالب التي كانت تعقد المجالس الأدبية وتحكم بين الشعراء، وتبدي رأيها في أشعارهم ومثال على ذلك الشاعر العَذري الذي قدم إلى مجلسها ليسمع رأيها في أشعاره واستفسرت عن قوله:

فلو تركت عقلي معي ما بكيتها

ولكن طلابيها لما فات من عقلي

ولم يعجبها قوله حيث أنه لا يطلب قرب محبوبته إلا عندما يذهب عقله، وأبدت رأيها في أبيات أخرى له وأنها أعجبت بها ولولا هذه الأبيات لما قبلته في مجلسها، ومن هذه الأبيات:

علقت الهوى وليداً فلم يزل

إلى اليوم ينمي حُبها ويزيد 

فلا أنا مرجوعٌ بما جئت طالبا

ولا حُبُّها فيما يبيدُ يبيد

يموت الهوى مني إذا ما لقيتها

ويحيا إذا فارقتها فيعود

ومن المجالس التي عقدتها المرأة نذكر مجلس بنت طلحة وكثرة اللقاءات الأدبية وتسابق الشعراء للاحتكام في مجلسها، ومنهم الشاعر النميري الذي طلب رأيها في شعرٍ نظمه في أخت الحجاج، حيث أنشد:

مررن بفخ ثمَّ رُحن عيشةً

يُلبين للرحمن معتمرات 

يُخبئن أطراف البنان من التُّقى

ويخرجن جُنح الليل معتمرات

ولما رأت ركب النميري راعها

وكن من أن يلقينه حذرات

فجادت في شعره ووصفه بالبَراعة والإتقان ونطق الكلام الجميل الذي برز تدينه وخوفه على أخت الحجاج، واحترام أيضاً المكان الطاهر الذي تتواجد فيه أخت الحجاج.

ونذكر مجلس سكينة بنت الحسين التي تميزت في المجتمع الحجازي، وكان لها مكانة مرموقة وكانت تحمل لواء النقد في تلك البلاد، وقال عنها عبد العزيز عتيق: ” السيدة سكينة، عرفت بذوقها الأدبي ونقد الشعر والغناء وكان الشعراء والأدباء والمغنون ورواة الشعر يختلفون إلى مجلسها ويتحاكمون إليها فَتنقدهم، ويجيز الشعراء على ما تراه حسنًا من قولهم.”

وفي النهاية نستنتج أن للنساء أثر واضح في الأدب حيث ساهمت بفعالية في مجال الشعر فنظمت في العديد من أغراض الشعر وتميزت فيه أمثال الخنساء، وكذلك ظهرت كَنقادة أدبية يتحكمون إليها أشهر الشعراء، وارتدت كذلك الأسواق الأدبية وعرفت فيها كَشاعرة وناقدة.  


شارك المقالة: