المناظرات الخيالية في أدب المشرق والمغرب والأندلس

اقرأ في هذا المقال


شهدت القرون الأولى من بداية الدولة الإسلامية أشكال عديدة من المناظرات، وقد توجه العديد من الخلفاء إلى المناظرات، واتخذوها طريقة ناجحة لدفاع عن سياساتهم وطريقة حكمهم للبلاد وأفكارهم ورؤاهم، وظهر في الأندلس بعد ذلك تطور واضح على المناظرات وتنوعت أشكالها لتواكب مجريات العصر من جميع الجوانب، ومن هذه المناظرات المناظرات الخيالية.

المناظرات الخيالية في الأندلس والمشرق والمغرب

تَأثرت المناظرة في العصر الأندلسي بشخصية مؤلفها حيث انطبعت في ذاتهم ومكنون أنفسهم وانعكست على المناظرة المؤلفة، لقد وظفوا فيها أفكارهم للوصول إلى أهداف وغايات منها دينية واجتماعية وكذلك سياسية فهي غطت جميع جوانب المجتمع آنذاك.

فنراهم في المناظرات الدينية قد وظفوا واتخذوا منها وسيلة وعظ وإرشاد ديني واعتبروها طريقة ناجحة لإقناع أهل الأندلس، ومنهم من اتخذ من هذا النوع من المناظرات طريقة لتحقيق أهداف شخصية، ومنهم من ردَّ على منافسيهم بطريقة عقائدية وإنكار نظريات من كان ينوي هدم نظريات القرآن الكريم، مثلما فعل السيوطي في مناظرته بين النار والتراب.

أما المناظرات التي تحمل طابع سياسي تميزت بالعمق في طريقة طرح المواضيع، كما رأينا في مناظرة السيف والقلم يعتبران رمزاً في يد حاكم عادل لا يظلم أبداً، وأنهن من أهم الأدوات اللازم توافرها من أجل تقوية دعائم الحكم.

وظهر في بعض المناظرات السياسية أغراض أخرى مثل مناظرات كشف ظلم الحكام، وكذلك الانقسامات والنزاعات السياسية، وَكذلك انحلال المجتمع وتفكيكه والصراع الدَامي على تسلم السلطة ومفاتيح الحكم.

أما المناظرات الاجتماعية فهي عبارة عن وصف للوضع الهزيل الذي وصل إليه المجتمع، وكذلك اشتملت على شكاوي أهل البلاد على منفذي ومستلمي الحكم الذين نهبوا كل شيء ولم يتركوا شيئاً لباقي الشعب إلا القليل الذي لا يساعد على هذه الحياة الصعبة، وكذلك تطرقت بالحديث عن الجماعات الفاسدة التي نهبت الأموال والخيرات وأرزاق الناس.

وَنوع آخر من المناظرات الخيالية الاجتماعية توجه بالحديث عن العادات السيئة والحاجة الملحة لتخلص منها، وَكانت هذه المناظرات تعجّ بالكثير من الحِكَم والوعَظ التي تدفع المتلقي لتمسك بالأخلاق الحسنة والابتعاد عن السيئة منها.

وَبخصوص المناظرات العلمية يظهر فيها دفع الأدباء لتربية الأجيال على المنطق والتفكير المبني على البراهين، وفي المناظرات الأدبية رأينا أن كتّابها قد بذلوا جهدهم من أجل إثبات كثرة علومهم، وكذلك إبراز قدراتهم على نظم أروع المناظرات وصياغتها.

تعريف المناظرات الخيالية

المناظرات الخيالية هي المناظرات التي يكون فيها الأبطال الرئيسيين هم الجماد أو الحيوان وكذلك النبات، ويكون موضوعها ضرباً من الخيال، يلجأ إليها الكاتب من أجل الوصول إلى أهداف وغايات في نفسهم.

وجدت المناظرات اهتمام وعناية كبيرة من قبل الأدباء وكذلك الحكام، بالاعتماد على أسلوب التشخيص الخيالي غير الواقعي يتم فيه تحريك الجماد جاعلاً إياه يجادل ويناقش حتى يصل إلى هدفه الرئيسي.

نماذج على مناظرات خيالية في الأندلس

مناظرة الأزهار لابن برد الأصغر

قال ابن برد الأصغر:

“قال النرجس الأصفر: وَالذي مهد لي حجر الثرى، وأرض عني ثدي الحيا، لقد جئت بها أوضح من لبة الصباح، وأسطع من لسان المصباح، ولقد كنت أسر من التعبد له والشغف به، والأسف على تعاقب الموت دون لقائه، ما أنحل جسمي، ومكن سقمي، وإذ قد أمكن البوح بالشكوى، فقد خف ثقل البلوى”.

“ثم قام البنفسج فقال: على الخبير سقطت، أنا والله المتعبد له، والداعي إليه، المشغوف به، وكفى ما بوجهي من ندوب، ولكن في التأسي بك أنس، ثم قام البهار فقال: لا تنظرن إلى غضارة منبتي، ونضارة ورقي ورقتي، وانظروا إلي وقد صرت حدقة باهتة تشير إليه، وعينا شاخصة تندى بكاء عليه: ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي ثم قام الخيري فقال: والذي أعطاه الفضل دوني، ومد له بالبيعة يميني، ما اجترأت قط إجلالًا له، واستحياءً منه، على أن أتنفس نهارًا، أو أساعد في لذة صديقًا أو جارًا، فلذلك جعلت الليل سترًا، واتخذت جوانحه كنا”.

مناظرة النرجس لابن حسداي

قال ابن حسداي على لسان النرجس:

“ليت الرياض تعلم بمكاني فتذبل كمدًا وَتدوى حسدًا، وتراني وقد أنرت في أفقك البهيج وزهرت في روضك الأرج، فكم تمنى الأزهار أن تضام لديك مطالبي، وتكدر في ذراك مشاربي؛ فأزل عني حسدهم بكبتهم، فقد شجاهم تقدمي قبل وقتهم وأكمل مسرتي وتمم أنسي بلقاء شقيقة نفسي فإني قسيمها وحميمها ومني لونها وشميمها”.

“وأنا أشبَهُ بها إذا شجت وأدارت عيون حبب، من حصباء در في أرض ذهب، وطبعي طبعها، وما تقر عيني إلّا بدمعها، فلا تحتقر أيها العزيز مناب مثلي واعظًا مفصحًا، وهنا شفيعًا منجحًا، فإنّ الأزهار على العموم تجلو قذى العيون وتفض ختام الهموم، فهي كالثغور أوضحها ابتسام، وكالآلي زانها في الأجياد انتظام”.

“وما مثلت بين يديك إلا لأسم غفل العلم، فَالعصا قرعت لذي الحلم، فلا تضه أيها الملك سبق تقدمي، وحق مقدمي، فقد أشخصت طرفي إليك آملا، وبسطت نحوك كفي سائلا، وحسبي أن تلاقيني ببشرك، وتناجيني بفكرك، فتنبه العزم من سنة، وتنشر الحزم من جننه، فلك من براعة العلا، وأصالة النهى، ذكاء يري لأول اقتداح زنده، ومضاء يفري بأيسر هز حده، ولديك من مناهل الكرم، وفواضل النعم، ما يزري بالمزن ويوفي على الديم: فانفح لنا من طيب خلقك شيمة إن كانت الأخلاق مما توهب وروِّ برح ظماي، وانقع صداي، ولا تكل إلى الأنواء سقياي”.

وفي النهاية نستنتج أن المناظرات الخيالية انتشرت في بلاد الأندلس بشكل كبير موظفين فيها الجمادات والحيوانات والنباتات، وجعل المناظرة تدور على ألسنتهم للوصول إلى غايات وأهداف معينة، وقد برز في بلاد الأندلس العديد من كتّاب المناظرات الخيالية.


شارك المقالة: