المُكابرة والتبرير لفعل الخطأ :
للنفس البشرية قدرة على تبرير الخطأ، والالتفاف على النقد الصحيح؛ حتى يُرضي ضميره، وينجو من وخز الندم، وهنا مشكلةٌ حقيقةٌ، حين يجعل الإنسان بينه وبين النقد حجاباً نفسياً يمنعه من مكاشفة نفسه، ومعرفة أخطائه، هذا الحجاب يكون بالتبرير تارة، وباتهام الناقد تارة أخرى، حتى يصل به الحال إلى اعتبار كلِّ نقد (شبهةً) تحتاج إلى ردّ، وكل (ناقد ) مُناوئاً يحتاج إلى تحذير ! يحدث هذا مع الشخص نفسه، أو مع الجماعة، أو الحزب، أو المذهب الديني.
علينا أن نتذكر أن سياسة التبرير مُضللة، ويمكن أن يبرر الإنسان كل خطأ، ما لم يُصارح نفسه، ويواجه الحقيقة. إن الخطيئة التي اقترفها إبليس، وحلّت عليه اللعنةُ بسببها عمل إبليس على تبريرها قال تعالى: ﴿قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسۡجُدَ إِذۡ أَمَرۡتُكَۖ قَالَ أَنَا۠ خَیۡرࣱ مِّنۡهُ خَلَقۡتَنِی مِن نَّارࣲ وَخَلَقۡتَهُۥ مِن طِینࣲ﴾ صدق الله العظيم [الأعراف ١٢] فهو لم يسجد، وعصى ربه، ثم لم يعترف بخطيئته ومعصيته، بل ذهب يفلسفها وَيُبرر لها، بخلاف (آدم عليه السلام) الذي واجه خطأة بالاعتراف، وصحح زلَّته بالتوبه.
قال تعالى: ﴿ فَدَلَّىٰهُمَا بِغُرُورࣲۚ فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتۡ لَهُمَا سَوۡءَ ٰ تُهُمَا وَطَفِقَا یَخۡصِفَانِ عَلَیۡهِمَا مِن وَرَقِ ٱلۡجَنَّةِۖ وَنَادَىٰهُمَا رَبُّهُمَاۤ أَلَمۡ أَنۡهَكُمَا عَن تِلۡكُمَا ٱلشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَاۤ إِنَّ ٱلشَّیۡطَـٰنَ لَكُمَا عَدُوࣱّ مُّبِینࣱ (٢٢) قَالَا رَبَّنَا ظَلَمۡنَاۤ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمۡ تَغۡفِرۡ لَنَا وَتَرۡحَمۡنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَـٰسِرِینَ (٢٣) ﴾ صدق الله العظيم [الأعراف ١٩-٢٥] تبرير الأخطاء، واتهام الناقد، والهروب من مكاشفة النفس بأخطائها، والجرأة على تصحيحها هي الأخرى خطأ لن تعترف به النفس التي أدمنت تبرير الخطأ، وعدم الاعتراف به، وهذا ما يجعل المشكلة عصية على المعالجة، وهؤلاء من قال الله عنهم: ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یُعۡجِبُكَ قَوۡلُهُۥ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَیُشۡهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِی قَلۡبِهِۦ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلۡخِصَامِ (٢٠٤) وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِی ٱلۡأَرۡضِ لِیُفۡسِدَ فِیهَا وَیُهۡلِكَ ٱلۡحَرۡثَ وَٱلنَّسۡلَۚ وَٱللَّهُ لَا یُحِبُّ ٱلۡفَسَادَ (٢٠٥) وَإِذَا قِیلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتۡهُ ٱلۡعِزَّةُ بِٱلۡإِثۡمِۚ فَحَسۡبُهُۥ جَهَنَّمُۖ وَلَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ (٢٠٦) وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یَشۡرِی نَفۡسَهُ ٱبۡتِغَاۤءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ (٢٠٧)﴾ [البقرة ٢٠٤-٢٠٧] فإذا قلت: له اتق الله، حملَتة العِزة والحميَّة التي في قلبه على ارتكاب الكُفر، وعدم قبول الوعظ والحق، عافانا الله منهم .