فتح العرب إسبانيا التي أطلقوا عليها الأندلس فيما بعد في عهد عبد الملك مرسلاً جيشًا عظيمًا بقيادة طارق بن زياد الذي اجتاز البحر المتوسط من خلال المضيق متوجهًا إلى بلاد الأندلس، وعندما تم فتحها أصبحوا أمام حياة جديدة مختلفة عن حياتهم المشرقية، ومن هنا بدأ التأقلم والتعايش ونقل عاداتهم وأدبهم وفكرهم إلى الأندلس ومن بينها الأشعار.
الشعر العربي في الأندلس
سادت اللغة العربية في الأندلس إبان فتحها حيث نقلها العرب الفاتحين وكذلك البربر القادمين من أفريقيا وأيضًا من العرب المهاجرين، وبهذا أصبحت اللغة العربية هي الطاغية في الأندلس وما جاورها من المدن، وأصبحت مركزًا للحكم الأموي العربي.
وبما أن الشعر المنغرس في نفس العرب قد تجاوز معهم البحر منطلقًا إلى بلد جديد مختلف عن البلاد العربية الصحراوية، لِيَجِدَ مناخًا مغايرًا عن مناخ المشرق، الذي وجدوا فيه طبيعة رائعة ومناخ معتدل ونسيم عليل لم يروا مثله من قبل حيث البساط الأخضر يكسو الجبال والتلال والأنهار تنساب من كل صوبِ وجهه، كل هذه الظواهر الطبيعية أشعلت لهيب الشعر في نفوسهم مما دفعتهم لنظم أجمل المقطوعات التي غلب عليها الصفة التقليدية المشرقية في بداية الأمر، ومن بعدها تم التأقلم مع الحياة الجديدة وكتابة الأشعار التي تتناسب والبيئة الأندلسية.
اعتز أهل المشرق في الأندلس بحسبهم وأصولهم المشرقية، وانتقلت معهم كل هذه الأمور إلى الأندلس حتى عصبيتهم القبلية، وانتشرت قصائدهم المدحية وكذلك قصائد الهجاء لأعدائهم وتأثر الشاعر الأندلسي بذلك ومقلداً لشاعر العربي وسار على نهجه ونسقه فنجد ابن زيدون مُنكب على شعر البحتري ومقلداً له، وكما قلد ابن هانئ المتنبي وغيرهم الكثير.
برز الشعر العربي في الأندلس في ظروف مغايرة لما هو عليه في المشرق، منها ما هو متعلق بالبيئة وتعدد مواطن الجمال فيها، ومنها ظروف يتَصل بالتكوين الثقافي وكذلك النفسي للسكان، والشاعر العربي يلتقي في بلاد الأندلس ولأول مرة في حياته مع أجناس متعددة مثل القوطي والبربري والنصارى وغيرهم الكثير من الأجناس على أرض واحدة.
فكان العرب يسمع قرع الأجراس إلى جانب صوت الأذان، ويسمع اللغة العربية إلى جانب لغات أخرى مثل لغة الأمازيغي ولغة الإسبان، ومع تقدم الأيام تمتزج هذه اللغات وتكون اللغة المشرقية هي اللغة الرئيسية في البلاد الأندلسية.
افتتح الشعر العربي الأندلس مع الفاتحين من العرب، ورافقهم في جميع وجهاتهم فنراه يصل إيطاليا وجزيرة مالطة وصقلية حتى ذاع في كل بقعة من بقاع بلاد البحر المتوسط.
ونُقلت لِهذه البقاع علم وثقافة وشعر العرب فأزهر كل بقعة سار إليها حيث تميز بجزالة ألفاظه وأسلوبه المرهف والمعاني الواضحة، وكل هذه الميزات نظمت في أبيات منسجمة مع الأجواء البيئية الفاتنة والنسيم العليل والخضرة الدائمة، ومن هذه الأبيات ما نظم في وصف الديار الجديدة حيث يقول الشاعر ابن سهل:
الأرض لبست رداءً أخضرا
والطل ينثر في رباها جوهرا
هاجت فخلت الزهر كافورا لها
وحسبت فيها الترب مسكًا أذخرا
وكأن سوسنها يصافح وردها
ثغر يقبل منه خداً أحمر
والنهر ما بين الرياض تخاله
سيفا تعلق في نجاد أخضرا
وينظم الشاعر ابن الخطيب أجمل الأشعار التي يصف فيها جمال غرناطة حيث يقول:
غرناطة ما لها نظير
ما مِصر ما الشام ما العراق
ما هي إلا عروس تجلى
وتلك من جملة الصَّداقِ
وتناثر الشعر العربي في بلاد الأندلس كما تتناثر حبات اللؤلؤ على الثرى حتى وصل منزلاً رفيعاً مزدهراً في التطورات التي شهدتها مدن الأندلس، حيث نرى كل أمير دولة يهتم بالأدباء والشعراء ويجمعهم حوله ويغرقهم بجزيل العطايا والهبات وبذلك توفر لشعر العربي منزلة عظيمة وثروة أدبية هائلة نتيجة لاهتمام الأمراء مما دفع بالشاعر العربي للإبداع في مجاله منتجاً معانٍ جديدة بأساليب متنوعة ومتطورة.
ومن هنا نستطيع الجزم بأن الشعر الأندلسي هو تكملة وامتداد لشعر العربي، ومع تغير الأحداث دفع ذلك أهل الشعر لمواكبة هذه المجريات من خلال أبياتهم الشعرية في أنواع شعرية مستحدثة، مثل الزجل والموشح وَغيره من الأغراض، وقد طرأ على الشعر العربي تطور في أساليبه ومعانيه ملبسًا مقطوعاته لباسًا يتناسب والبيئة الجديدة.
وفي النهاية نستنتج أن الشعر العربي دخل بلاد الأندلس إبان الفتح منتشرًا في بقاع أرض الأندلس حاملًا معه فكر وثقافة الأمم المشرقية العريقة متأقلمًا ومتعايشًا مع الفكر والثقافة والطبيعة الاندلسية.