تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى :
التنازع إرادةٌ شيطانية، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا یُرِیدُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ أَن یُوقِعَ بَیۡنَكُمُ ٱلۡعَدَ ٰوَةَ وَٱلۡبَغۡضَاۤءَ فِی ٱلۡخَمۡرِ وَٱلۡمَیۡسِرِ وَیَصُدَّكُمۡ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلَوٰةِۖ فَهَلۡ أَنتُم مُّنتَهُونَ﴾ [المائدة ٩١]، إنّ الشيطان ينشر بضاعته داخل المجتمع المسلم بكل طريق، وربما دسَّ بضاعته في حقائب بعض المتديّنين، فظلوا ينشرون التنازع باسم الشريعة وهم لا يشعرون، وقد جاء في الحديث عن جابر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنّ الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون ولكن في التحريش بينهم.
دينُ الله لا يزيد المجتمع المسلم إلا اجتماعاً وأُلفة، هذا صراط الله المُستقيم، الذي أنعم الله عليهم، أمّا المغضوب عليهم، قال الله عنهم: ﴿لَا یُقَـٰتِلُونَكُمۡ جَمِیعًا إِلَّا فِی قُرࣰى مُّحَصَّنَةٍ أَوۡ مِن وَرَاۤءِ جُدُرِۭۚ بَأۡسُهُم بَیۡنَهُمۡ شَدِیدࣱۚ تَحۡسَبُهُمۡ جَمِیعࣰا وَقُلُوبُهُمۡ شَتَّىٰۚ ذَ ٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمࣱ لَّا یَعۡقِلُونَ﴾ صدق الله العظيم -[الحشر ١٤].
ومن هذه الأمّة من يُشابههم ويتتبعهم، كما جاء في الحديث، إنّ التنازع بين المسلمين يورث غضب الله، ويورث الضعف والفشل، وسنةُ الله لا تتخلف، وقد أصاب المسلمين ما أصابهم يوم أحد جرَّاء التنازع، وهم أكرم الخلق على الله، قال تعالى ﴿وَلَقَدۡ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعۡدَهُۥۤ إِذۡ تَحُسُّونَهُم بِإِذۡنِهِۦۖ حَتَّىٰۤ إِذَا فَشِلۡتُمۡ وَتَنَـٰزَعۡتُمۡ فِی ٱلۡأَمۡرِ وَعَصَیۡتُم مِّنۢ بَعۡدِ مَاۤ أَرَىٰكُم مَّا تُحِبُّونَۚ مِنكُم مَّن یُرِیدُ ٱلدُّنۡیَا وَمِنكُم مَّن یُرِیدُ ٱلۡـَٔاخِرَةَۚ ثُمَّ صَرَفَكُمۡ عَنۡهُمۡ لِیَبۡتَلِیَكُمۡۖ وَلَقَدۡ عَفَا عَنكُمۡۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ﴾ صدق الله العظيم [آل عمران ١٥٢].
وأهم أسباب التنازع، الإعراض عن دين الله كما أنزله الله تعالى، قال تعالى: ﴿فَهَلۡ عَسَیۡتُمۡ إِن تَوَلَّیۡتُمۡ أَن تُفۡسِدُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَتُقَطِّعُوۤا۟ أَرۡحَامَكُمۡ﴾ صدق الله العظيم [محمد ٢٢] فالتولي والإعراض عن ما جاء به النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو سبب الإفساد في الأرض، وسفك الدماء، وقطيعة الرحم.
ومن الإعراض عن دين الله تعالى، الحسد، وسوء الظن، والغيبة، والنميمية وغير ذلك من المعاصي.
وبعض المُفسرين جعلَ التولي هنا عن أمر الجهاد في سبيل الله، لسياق الآيات قبلها، ولا شك أنّه من الإعراض والتولي عن دين الله تعالى، وفي هذا المعنى فائدة نفيسة، فإنّ من قصَّر في مناوأة الأعداء الحقيقين انصرفت عداوته لإخوته المسلمين، فتفرقت الكلمة، وتقطعت الأرحام.