تفسير سورة الانفطار

اقرأ في هذا المقال



تفسير سورة الانفطار :

ما جاء فيها من أحاديث: عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: “من سره أن ينظر إلى القيامة رأي عين فليقرأ: ( إذا الشمس كورت ) و ( إذا السماء انفطرت ) و ( إذا السماء انشقت ) .

قال تعالى: ﴿إِذَا ٱلسَّمَاۤءُ ٱنفَطَرَتۡ﴾ [الانفطار ١] انفطرت: انشقت، قال تعالى: ﴿وَیَوۡمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَاۤءُ بِٱلۡغَمَـٰمِ وَنُزِّلَ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ تَنزِیلًا﴾ صدق الله العظيم[الفرقان ٢٥] وقال تعالى: ﴿یَوۡمَ تَشَقَّقُ ٱلۡأَرۡضُ عَنۡهُمۡ سِرَاعࣰاۚ ذَ ٰ⁠لِكَ حَشۡرٌ عَلَیۡنَا یَسِیرࣱ﴾ صدق الله العظيم[ق ٤٤] وكقوله تعالى: ﴿وَفُتِحَتِ ٱلسَّمَاۤءُ فَكَانَتۡ أَبۡوَ ٰ⁠بࣰا﴾ صدق الله العظيم[النبأ ١٩] يعني: تشققت، وفتحت بنزول الملائكة الكرام من السماء للعرض، والفصل بين يدي الله تعالى رب العالمين.

قال تعالى: ﴿وَإِذَا ٱلۡكَوَاكِبُ ٱنتَثَرَتۡ﴾ صدق الله العظيم[الانفطار ٢] وهذه لازمة متلازمة مع (إذا السماء انفطرت)؛ فإذا تفطرت السماء تناثرت الكواكب وذهب ضوؤها وتساقطت.

منظر مُهيب حين يرى الناسُ السماء تتشقق، والنجوم تتساقط، وتتناثر عن أماكنها، ويذهب ضوؤها، والله يذكر آيتين، من آيات زوال الدنيا وقيام الساعة، آيتان علويتان، وآيتين سفليتان أرضيتان فقال: ﴿وَإِذَا ٱلۡبِحَارُ فُجِّرَتۡ﴾ صدق الله العظيم [الانفطار ٣] أي: مُلئت، وفُتح بعضها على بعض، وأزيل البرزخ الذي بينهما؛ فالبحار والأنهار الآن بينهما برزخ لا يبغيان كما قال تعالى: ﴿۞ وَهُوَ ٱلَّذِی مَرَجَ ٱلۡبَحۡرَیۡنِ هَـٰذَا عَذۡبࣱ فُرَاتࣱ وَهَـٰذَا مِلۡحٌ أُجَاجࣱ وَجَعَلَ بَیۡنَهُمَا بَرۡزَخࣰا وَحِجۡرࣰا مَّحۡجُورࣰا﴾ صدق الله العظيم[الفرقان ٥٣] وقال تعالى: (مَرَجَ ٱلۡبَحۡرَیۡنِ یَلۡتَقِیَانِ (١٩) بَیۡنَهُمَا بَرۡزَخࣱ لَّا یَبۡغِیَانِ (٢٠)) صدق الله العظيم، لكن يوم القيامة تتفجر هذه البحار عذبها مع مالحها؛ وهذه علامة على خراب الدنيا وزوالها.

قوله تعالى: ﴿وَإِذَا ٱلۡقُبُورُ بُعۡثِرَتۡ﴾ صدق الله العظيم[الانفطار ٤] بُحثت ورُجت، حينما تحدث زلزلةٌ عظيمة جداً فتُقلب هذه القبور، ويزال التراب الذي على الموتى، وذلك لخروج الموتى من قبورهم للعرض على الله تعالى، كما قال تعالى: ﴿وأخْرَجَتِ الأرْضُ أثْقالَها﴾ صدق الله العظيم[الزلزلة: ٢] .

قال تعالى: ﴿عَلِمَتۡ نَفۡسࣱ مَّا قَدَّمَتۡ وَأَخَّرَتۡ﴾ صدق الله العظيم[الانفطار ٥] علمت نفسٌ أي علمت كل نفس، المحسن، والمسيء ، المُجد، والهازل، المؤمن، والكافر؛ فعلمت كل نفسٍ ما قدمت من الخير وما أخرت من خيرٍ، كقوله تعالى: ﴿عَلِمَتۡ نَفۡسࣱ مَّاۤ أَحۡضَرَتۡ﴾ صدق الله العظيم[التكوير ١٤] وكقوله تعالى: ﴿یَوۡمَ تَجِدُ كُلُّ نَفۡسࣲ مَّا عَمِلَتۡ مِنۡ خَیۡرࣲ مُّحۡضَرࣰا وَمَا عَمِلَتۡ مِن سُوۤءࣲ تَوَدُّ لَوۡ أَنَّ بَیۡنَهَا وَبَیۡنَهُۥۤ أَمَدَۢا بَعِیدࣰاۗ وَیُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُۥۗ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ﴾ صدق الله العظيم[آل عمران ٣٠].

قال تعالى: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلۡإِنسَـٰنُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلۡكَرِیمِ﴾ صدق الله العظيم [الانفطار ٦] هذه الآية تبكيت؛ يعني إن ربك كريمٌ، فهل يليق بك أن تستهين بحق الكريم ولا تقوم به؟ أيليق بك وربك الكريم أكرمك، وأنعم عليك، ونعمه عليك تترى، وتقصر في أمره؟ خلقك فسواك، فعدلك، وأحسن إليك ولا زالت نعمه تترى ليل نهار عليك، وعلى أحبابك أيليق بك أن تنتهك ما حرم الله؟

وللآية أوجه في تفسيرها منها:

الوجه الأول: قول جماهير أهل العلم التفسير أن هذه الآية مدعاة للعبد أن يستحي من ربه الكريم؛ فيدفعه كرم الله إلى إجلال الله، وإلى توقير الله، وإلى تعظيم ربه، وإلى المسارعة في أمره، وإلى اجتناب نهيه لأنّه كريم .

الوجه الثاني: بعض السلف قالوا بظاهر الآية ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلۡإِنسَـٰنُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلۡكَرِیمِ﴾ فقالوا غَّره والله كرم الله فوقع فيما حرم الله عليه، وعن عمر بن الخطاب أنّه قرأ هذه الآية وقال: غره والله جهله، وقال إبراهيم بن الأشعث: قيل: للفضيل بن عياض: لو أقامك الله تعالى يوم القيامة بين يديه، فقال لك: ما غرك بربك الكريم؟ [الانفطار: ٦] ماذا كنت تقول؟ قال: كنت أقول غرني ستورك المرخاة، لأنّ الكريم هو الستار، وروي عن علي رضي الله عنه أنه صاح بغلام له مرات فلم يلبه فنظر فإذا هو بالباب، فقال: مالك لم تجبني؟ فقال. لثقتي بحلمك، وأمني من عقوبتك. فاستحسن جوابه فأعتقه.

الوجه الثالث: غره جهله بالله تعالى، وصح ذلك عن عمر، وكذلك عن عبدالله بن عمر، وابن عباس رضي الله عنهم رضي الله عنهم أجمعين أنّهم قالوا في قوله تعالى: يـٰأیها ٱلإنسـٰن ما غرك بربك ٱلكریم (٦)) غره والله جهله.

وفعلا ما ترى عبداً من العباد يعصي الله إلّا بجهل، إلّا وهو جاهل بمكانة الله عزوجل، وعظمة الله، وما يليق بالله، ولو أنّهم على علمٍ بالله، وعظمة الله ما عصوه، ولكن يدفعه للمعصية جهله بالله تعالى.

الوجه الرابع: غَرَّه الشيطان، صح عن بعض السلف؛ فما من ذنبٍ في الكون كله إلا والشيطان، والجهل وراء هذا الذنب؛ لذلك فإنّ الجهل عدوٌ للإنسان، والشيطان عدوه العلم، قال تعالى :﴿إِنَّ ٱلشَّیۡطَـٰنَ لَكُمۡ عَدُوࣱّ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوًّاۚ إِنَّمَا یَدۡعُوا۟ حِزۡبَهُۥ لِیَكُونُوا۟ مِنۡ أَصۡحَـٰبِ ٱلسَّعِیرِ﴾ صدق الله العظيم[فاطر ٦] وكذلك قوله تعالى: ﴿وَإِمَّا یَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّیۡطَـٰنِ نَزۡغࣱ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ سَمِیعٌ عَلِیمٌ﴾ صدق الله العظيم[الأعراف ٢٠٠] هذا خلاف حال العبد الذي لامس قلبه نور التقوى، وقد قال الله عنهم : ﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ ٱتَّقَوۡا۟ إِذَا مَسَّهُمۡ طَـٰۤىِٕفࣱ مِّنَ ٱلشَّیۡطَـٰنِ تَذَكَّرُوا۟ فَإِذَا هُم مُّبۡصِرُونَ﴾ صدق الله العظيم [الأعراف ٢٠١].

قوله تعالى:﴿ٱلَّذِی خَلَقَكَ فَسَوَّىٰكَ فَعَدَلَكَ﴾ صدق الله العظيم[الانفطار ٧] الله تعالى خلق فسوى (فَعَدَلَكَ) أي: فجعلك في أبهى صورة ، وفي أجمل منظر، قال عطاء جعلك قائماً معتدلاً حسن الصورة.

قوله تعالى: ﴿فِیۤ أَیِّ صُورَةࣲ مَّا شَاۤءَ رَكَّبَكَ﴾ صدق الله العظيم[الانفطار ٨] عن موسى بن علي بن رباح، حدثني أبي، عن جدي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: “ما ولد لك؟ ” قال: يا رسول الله، ما عسى أن يولد لي؟ إما غلام وإما جارية. قال: “فمن يشبه؟ “. قال: يا رسول الله، من عسى أن يشبه؟ إما أباه وإما أمه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم عندها: “مه. لا تقولن هكذا، إن النطفة إذا استقرت في الرحم أحضرها الله كل نسب بينها وبين آدم؟ أما قرأت هذه الآية في كتاب الله: ﴿في أي صورة ما شاء ركبك﴾ ” قال: سلكك.

قوله تعالى: ﴿كَلَّا بَلۡ تُكَذِّبُونَ بِٱلدِّینِ (٩) وَإِنَّ عَلَیۡكُمۡ لَحَـٰفِظِینَ (١٠) كِرَامࣰا كَـٰتِبِینَ (١١) یَعۡلَمُونَ مَا تَفۡعَلُونَ (١٢) إِنَّ ٱلۡأَبۡرَارَ لَفِی نَعِیمࣲ (١٣)﴾ صدق الله العظيم [الانفطار ٩-١٣] (تكذبون بالدين) أي تكذبون بيوم القيامة- عليكم لحافظين، أي: ملائكة حفظة، وهما ملك الحسنات، وملك السيئات، ( إن الأبرار لفي نعيم) سموا أبراراً؛ لأنّهم بروا ربهم أولاً، ثم بروا آباءهم، وبروا أبناءهم.

(الفجار) جمع فاجر، وهو الذي ينتهك محارم الله تعالى.


شارك المقالة: