تفسير سورة البروج

اقرأ في هذا المقال



تفسير سورة البروج :

افتتح الله سبحانه وتعالى هذه السورة بقوله تعالى: ﴿وَٱلسَّمَاۤءِ ذَاتِ ٱلۡبُرُوجِ (١) وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡمَوۡعُودِ (٢) وَشَاهِدࣲ وَمَشۡهُودࣲ (٣) قُتِلَ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡأُخۡدُودِ (٤) ٱلنَّارِ ذَاتِ ٱلۡوَقُودِ (٥)﴾ صدق الله العظيم، فالله سبحانه وتعالى يقسم بمخلوقاته، وقد ورد في معنى البروج عدة أوجه ومن ذلك:

الوجه الأول: البروج هي النجوم.

الوجه الثاني: البروج يعني ذات المنظر الحسن.

والبروج في لغة العرب هي القصور، فيكون المعنى: والسماء ذات البروج يعني ذات القصور، كما قال تعالى: ﴿أَیۡنَمَا تَكُونُوا۟ یُدۡرِككُّمُ ٱلۡمَوۡتُ وَلَوۡ كُنتُمۡ فِی بُرُوجࣲ مُّشَیَّدَة ﴾ صدق الله العظيم[النساء ٧٨] أي: لو كنتم في قصورٍ عاليه جداً، فالموت يأتيكم.

قوله تعالى: ﴿وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡمَوۡعُودِ﴾ صدق الله العظيم. [البروج ٢] باتفاق أهل التفسير هو يوم القيامة، نسأل الله يجعل هذا اليوم خير أيامنا، لذلك قال تعالى: ﴿وَمَا نُؤَخِّرُهُۥۤ إِلَّا لِأَجَلࣲ مَّعۡدُودࣲ﴾ صدق الله العظيم[هود ١٠٤].

قوله تعالى: ﴿وَشَاهِدࣲ وَمَشۡهُودࣲ﴾ صدق الله العظيم [البروج ٣] ورد عن أهل العلم أكثر من تفسير، منها: أنّ الشاهد هو الحاضرُ المبصرُالرائي، وقيل الشاهد هم الخلائق الذين يشهدون يوم القيامة، والمشهود يوم القيامة.

وقيل: يوم الجمعة المشهود والشاهد المصلون الذي يصلون يوم الجمعة، فيوم الجمعة خير الأيام، ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة والسلام عليه في يوم الجمعة، قال النبي صلى الله عليه وسلم:  إنّ من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة فأكثروا علي من الصلاة فيه فإنّ صلاتكم معروضة علي قال: قالوا يا رسول الله : وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت – يقولون بليت – فقال إنّ الله عز وجل حرم على الأرض أجساد الأنبياء.

وقيل: الشاهد هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ودليل ذلك ما جاء في قوله تعالى: ﴿فَكَیۡفَ إِذَا جِئۡنَا مِن كُلِّ أُمَّةِۭ بِشَهِیدࣲ وَجِئۡنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰۤؤُلَاۤءِ شَهِیدࣰا﴾ صدق الله العظيم[النساء ٤١]، وقيل الملائكة، وذلك ما جاء في قوله تعالى: ﴿وَجَاۤءَتۡ كُلُّ نَفۡسࣲ مَّعَهَا سَاۤىِٕقࣱ وَشَهِیدࣱ﴾ صدق الله العظيم. [ق ٢١].

قوله تعالى: ﴿قُتِلَ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡأُخۡدُودِ﴾ صدق الله العظيم [البروج ٤] (قُتل) يعني : لُعن، قال ابن عباس رضي الله عنه: كل ما في القرآن (قُتل) يعني (لُعن)، واللعن هو الطرد من رحمة الله ، (ٱلنَّارِ ذَاتِ ٱلۡوَقُودِ (٥)) أي ذات الحطب العظيم الذي كُثر جداً لتوهجه، ﴿إِذۡ هُمۡ عَلَیۡهَا قُعُودࣱ﴾ أي: جلوس على النار، ﴿وَهُمۡ عَلَىٰ مَا یَفۡعَلُونَ بِٱلۡمُؤۡمِنِینَ شُهُودࣱ﴾ روي “أن الله أنجى المؤمنين الملقين في النار وكانوا سبعة وسبعين بقبض أرواحهم قبل وقوعهم فيها وخرجت النار إليهم من ثم أحرقتهم، وهؤلاء لم يرجعوا عن دينهم، والذين رجعوا عشرة أو أحد عشر، ولم يرد نص بتعيين عدد أصحاب الأخدود”.

قوله تعالى: ﴿وَمَا نَقَمُوا۟ مِنۡهُمۡ إِلَّاۤ أَن یُؤۡمِنُوا۟ بِٱللَّهِ ٱلۡعَزِیزِ ٱلۡحَمِیدِ﴾ صدق الله العظيم، العزيز: يعني عزيز الجناب الذي لا يُغالب، بل يغلب كل قوي، الحميد: المحمود سبحانه وتعالى.

قوله تعالى:  ﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ فَتَنُوا۟ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ وَٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِ﴾ صدق الله العظيم، قال أهل العلم: أي حرقوهم بالنار، والعرب تقول فتنت الشيء أي أحرقته وفتنت الدرهم والدينار إذا أدخلته النار لتنظر جودته، ويقال دينار مفتون ويسمّى الصائغ الفتان، ومنه قوله (يوم هم على النار يفتنون) أي يحرقون وقيل معنى فتنوا المؤمنين محنوهم في دينهم ليرجعوا عنه.

قال تعالى: (ثُمَّ لَمۡ یَتُوبُوا۟ فَلَهُمۡ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمۡ عَذَابُ ٱلۡحَرِیقِ) صدق الله العظيم، وهذا من رحمة الله تعالى بعباده، أنّه فتح لهم باب التوبة، فقد أحرقوا عباده المؤمنين مع ذلك، فتح لهم باب التوبة، وجاء عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: قال إبليس: يا رب وعزتك لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال الله تعالى: وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني، دعاهم للتوبة، وربنا يغار إذا أوذي عبدٌ صالحٌ من عباده، ويغضب سبحانه جل جلاله.

قال تعالى: ﴿إِنَّ بَطۡشَ رَبِّكَ لَشَدِیدٌ﴾ صدق الله العظيم، أي: ذو بطش وانتقام من أعدائه، قال تعالى:  ﴿وَكَذَ ٰ⁠لِكَ أَخۡذُ رَبِّكَ إِذَاۤ أَخَذَ ٱلۡقُرَىٰ وَهِیَ ظَـٰلِمَةٌۚ إِنَّ أَخۡذَهُۥۤ أَلِیمࣱ شَدِیدٌ﴾ صدق الله العظيم[هود ١٠٢]، وفي الصحيحين، وعن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إن الله سبحانه وتعالى ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته “، ثم قرأ (وكذلك أخذ ربك) الآية، فالله لا يترك الظالم هكذا بلا حساب تعالى الله عن ذلك، فمهما طالت الأيام ومهما طال العمر، حتى لو انتهت الدنيا كلها دون أن يرى المظلوم جزاء الظالم، فلا بد أن ينتقم الله تعالى من الظالم للمظلوم، فعند الإمام مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقضى بينها يوم القيامة: فقال: لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء -التي بدون قرون- من الشاة القرناء، فما بالك بإنسان اغتاب إنساناً، أو إنساناً ظلم إنساناً، أو إنسان أكلَ مال إنسانٍ بغير حق.

فربنا سبحانه وتعالى يقول: ﴿إِنَّ بَطۡشَ رَبِّكَ لَشَدِیدٌ﴾ وهذه الآية فيها تسلية ومواساه للمُبتلين، فيعلم المؤمنون أنّ بطش الله شديد بأعدائه.

 قوله تعالى: ﴿إِنَّهُۥ هُوَ یُبۡدِئُ وَیُعِیدُ﴾ صدق الله العظيم، سبحانه وبحمده يبدىء الدنيا ويعيد الآخرة ، قال تعالى: ﴿أَوَلَمۡ یَرَوۡا۟ كَیۡفَ یُبۡدِئُ ٱللَّهُ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ یُعِیدُهُۥۤۚ إِنَّ ذَ ٰ⁠لِكَ عَلَى ٱللَّهِ یَسِیرࣱ﴾ صدق الله العظيم[العنكبوت ١٩] فهو يبدىء الخلق، سبحانه وبحمده جل جلاله.

قوله تعالى: ﴿وَهُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلۡوَدُودُ﴾ صدق الله العظيم[البروج ١٤] الغفور الذي يغفر الذنب مهما كُثر، وهي صيغة مبالغةٍ يعني يغفر ويغفر ويغفر، ستورٌ سبحانه جل جلاله يستر الذنوب يمحوها و يسترها، ثم انظر إلى اقتران هذين الاسمين الجليلين وهو الغفور الودود، فقد قال عن نفسه: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مَن یَرۡتَدَّ مِنكُمۡ عَن دِینِهِۦ فَسَوۡفَ یَأۡتِی ٱللَّهُ بِقَوۡمࣲ یُحِبُّهُمۡ وَیُحِبُّونَهُۥۤ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلۡكَـٰفِرِینَ ﴾ [المائدة ٥٤].

قال تعالى: ﴿ذُو ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡمَجِیدُ﴾ صدق الله العظيم[البروج ١٥] العرش أعظم مخلوقات الله، فقد روي عن أبي ذر الغفاري ، قال : دخلت المسجد الحرام ، فرأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وحده ، فجلست إليه ، فقلت : يا رسول الله ! أيما آية أنزلت عليك أفضل ، قال : ” آية الكرسي ، وما السماوات السبع في الكرسي ، إلّا كحلقة ملقاة بأرض فلاة ، وفضل العرش على الكرسي ، كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة “ . (المجيد) صفةٌ تعود إلى الله تعالى.


شارك المقالة: