تفسير سورة التكوير

اقرأ في هذا المقال


ما جاء فيها من أحاديث: عن ابن عمر قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “ من سره أن ينظر إلى يوم القيامة كأنّه رأى عين فليقرأ(إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ)، و (إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ)، (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) “، أخرجه الترمذي.

قوله تعالى: ﴿إِذَا ٱلشَّمۡسُ كُوِّرَتۡ﴾ صدق الله العظيم[التكوير ١] أي، لُفت، وجُمع بعضها إلى بعض، ورمي بها، وذهب ضوؤها، وهي مأخوذة من تكوير العمامة، أي: يُلف بعضها على بعض، ويجمع بعضها إلى بعض، فكذلك من علامات يوم القيامة، إذا أراد الله تعالى زوال الدنيا بتمامها، هذه الآيات الباهرات العظيمة، الشمس، والنجوم، والقمر، والسماء، والجبال.

﴿إِذَا ٱلشَّمۡسُ كُوِّرَتۡ﴾ هذه الشمس يجمع بعضها مع بعض ثم يذهب نورها.


لطيفة:

قرأ قارئ إذا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ، وفي الحاضرين أبو الوفا ابن عقيل.

فقال له قائل: يا سيدي، هب أنه أنشر الموتى للبعث والحساب، وزوج النفوس بقرنائها بالثواب والعقاب، فلم هدم الأبنية وسيّر الجبال، ودكّ الأرض، وفطّر السماء، ونثر النجوم، وكوّرت الشمس؟ فقال: إنّما بني لهم الدار للسكنى والتمتع، وجعلها وجعل ما فيها للاعتبار والتفكر والاستدلال عليه: لحسن التأمل والتذكر، فلما انقضت مدّة السكنى وأجلاهم من الدار خرّبها، لانتقال الساكن منها.

قال تعالى: ﴿وَإِذَا ٱلنُّجُومُ ٱنكَدَرَتۡ﴾ صدق الله العظيم[التكوير ٢] أي: تساقطت، وهذا منظرٌ مهيب، فالله يقول عن النجوم ﴿أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ یَسۡجُدُ لَهُۥ مَن فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَمَن فِی ٱلۡأَرۡضِ وَٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلۡجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَاۤبُّ وَكَثِیرࣱ مِّنَ ٱلنَّاسِۖ وَكَثِیرٌ حَقَّ عَلَیۡهِ ٱلۡعَذَابُۗ وَمَن یُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن مُّكۡرِمٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ یَفۡعَلُ مَا یَشَاۤءُ ۩﴾ صدق الله العظيم [الحج ١٨]، وقال عنها: ﴿وَهُوَ ٱلَّذِی جَعَلَ لَكُمُ ٱلنُّجُومَ لِتَهۡتَدُوا۟ بِهَا فِی ظُلُمَـٰتِ ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۗ قَدۡ فَصَّلۡنَا ٱلۡـَٔایَـٰتِ لِقَوۡمࣲ یَعۡلَمُونَ﴾ صدق الله العظيم، [الأنعام ٩٧] فسوف تراها تتساقط، وتتناثر فيذهب ضوؤها.

قال تعالى: ﴿وَإِذَا ٱلۡجِبَالُ سُیِّرَتۡ﴾ صدق الله العظيم[التكوير ٣] كما قال تعالى: (وَیَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡجِبَالِ فَقُلۡ یَنسِفُهَا رَبِّی نَسۡفࣰا (١٠٥) فَیَذَرُهَا قَاعࣰا صَفۡصَفࣰا (١٠٦) لَّا تَرَىٰ فِیهَا عِوَجࣰا وَلَاۤ أَمۡتࣰا (١٠٧)) صدق الله العظيم، وقال تعالى: ﴿وَحُمِلَتِ ٱلۡأَرۡضُ وَٱلۡجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةࣰ وَ ٰ⁠حِدَةࣰ﴾ صدق الله العظيم [الحاقة ١٤] فتصير تراباً، ثم تصير كالعهن، تُسيرها الرياح، تحملها إلى حيث شاء الله تعالى، تراها كأنها جبالٌ، وهي بشيء.

قال تعالى: ﴿وَإِذَا ٱلۡعِشَارُ عُطِّلَتۡ﴾ صدق الله العظيم[التكوير ٤] العشار هي الإبل الحوامل، والرجل العربي أرغب ما يكون في الإبل إذا كانت حاملاً، وأيضاً إذا بلغت الشهر العاشر، أي أوشكت على الوضع، فهو أرغب ما يكون فيها، سيأتي على الناس، يهملون أموالهم، ويتركونها، فتتعطل العشار، يهملونها ولا يرغبون بها، وقال صاحب كتاب فتح البيان: وقيل العشار السحاب فإن العرب تشبهها بالحامل، ومنه قوله تعالى (فالحاملات وقراً) وتعطيلها عدم إمطارها.

قال تعالى: ﴿وَإِذَا ٱلۡوُحُوشُ حُشِرَتۡ﴾ صدق الله العظيم[التكوير ٥] (حُشرت) أي: جُمعت، كما قال تعالى: ﴿وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون﴾ [الأنعام: ٣٨] . وروي عن ابن عباس: يُحشر كل شيءٍ حتى الذباب.

والوحوش: هي السباع والحيوانات المفترسة، من الأسود، والنمور، والفهود، ونحوها.

الحكمة من حشر الحيوانات:

ظهور عدل الله تعالى أمام الخلائق، ليأخذ من الظالم للمظلوم، سبحانه وبحمد، فقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يقتص الخلق بعضهم من بعض حتى الجماء من القرناء، وحتى الذَّرة من الذَّرة)) وفي (المسند) أيضاً عن أبي هريرة يرفعه: ((ألا والذي نفسي بيده ليختصمن كل شيء يوم القيامة، حتى الشاتان فيما انتطحتا)). وروى أحمد بإسناد صحيح عن أبي ذر ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى شاتين تنتطحان، فقال:يا أبا ذر، هل تدري فيم تنتطحان؟ قال: لا. قال: لكن الله يدري، وسيقضي بينهما)).

شاءٌ عجماءُ، ولعلها ذبُحت وأكلها الآدميون، أو لعلها ماتت حتف أنفها، وإذا بها تُبعث، يوم القيامة ويقُتص منها، لأنّها نطحت أختها بغير أختها بغير حق، سبحان الله العظيم، هذه الحيوانات فكيف بالبشر، يقول تعالى: ﴿تَرَى ٱلظَّـٰلِمِینَ مُشۡفِقِینَ مِمَّا كَسَبُوا۟ وَهُوَ وَاقِعُۢ بِهِمۡۗ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ فِی رَوۡضَاتِ ٱلۡجَنَّاتِۖ لَهُم مَّا یَشَاۤءُونَ عِندَ رَبِّهِمۡۚ ذَ ٰ⁠لِكَ هُوَ ٱلۡفَضۡلُ ٱلۡكَبِیرُ﴾ صدق الله العظيم[الشورى ٢٢] .

قال تعالى: ﴿وَإِذَا ٱلۡبِحَارُ سُجِّرَتۡ﴾ صدق الله العظيم [التكوير ٦] البحار- كالبحر المتوسط، والبحر الأحمر، والمحيطات، قال أهل العلم: سُجرت أي مُلئت عن آخرها وأوقدت ناراً، نعوذ بالله، تخيل النار تحيط بالأرض كلها، من جميع جوانبها.

قوله تعالى: ﴿وَإِذَا ٱلنُّفُوسُ زُوِّجَتۡ﴾ صدق الله العظيم[التكوير ٧] أي: يُحشر الصالح مع الصالح، والطالح مع الطالح، فيا من تمشي مع الصالحين، ستصاحب الصالحين،  أخرج جماعة منهم الحاكم وصححه عن النعمان بن بشير عن عمر رضي الله تعالى عنه أنّه سئل عن ذلك فقال: يقرن الرجل الصالح مع الرجل الصالح في الجنة، ويقرن الرجل السوء مع الرجل السوء في النار؛ فذلك تزويج الأنفس.

قوله تعالى:﴿وَإِذَا ٱلۡمَوۡءُۥدَةُ سُىِٕلَتۡ (٨) بِأَیِّ ذَنۢبࣲ قُتِلَتۡ (٩)﴾ صدق الله العظيم [التكوير ٨-٩] الموءودة المقتولة التي وُئدت بغير حق، قال تعالى: ﴿وَیَجۡعَلُونَ لِلَّهِ ٱلۡبَنَـٰتِ سُبۡحَـٰنَهُۥ وَلَهُم مَّا یَشۡتَهُونَ (٥٧) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِٱلۡأُنثَىٰ ظَلَّ وَجۡهُهُۥ مُسۡوَدࣰّا وَهُوَ كَظِیمࣱ (٥٨)﴾ صدق الله العظيم[النحل ٥٧-٥٨] أول من وأد البنات في الجاهلية ” قيس بن عاصم التميمي”.

قال تعالى: ﴿وَإِذَا ٱلسَّمَاۤءُ كُشِطَتۡ﴾ صدق الله العظيم [التكوير ١١] أي: أزيلت، كالجلد بالنسبة للبهيمة عندما يُكشط.

قال تعالى: ﴿وَإِذَا ٱلۡجَحِیمُ سُعِّرَتۡ﴾ صدق الله العظيم[التكوير ١٢] جاء في الحديث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أوقد على النار ألف سنة حتى احمرت ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت فهي سوداء مظلمة.

قوله تعالى: ﴿وَإِذَا ٱلۡجَنَّةُ أُزۡلِفَتۡ﴾ صدق الله العظيم[التكوير ١٣]أي: قُربت، فالجنة قريبة منك جداً، ثم قال تعالى: ﴿عَلِمَتۡ نَفۡسࣱ مَّاۤ أَحۡضَرَتۡ﴾ صدق الله العظيم[التكوير ١٤] إذا حدثت هذه الآيات، علمت ساعتها كلُ نفسٍ ما جاءت به من عمل، سواء خير أو شر.

ثم قال تعالى: (فَلَاۤ أُقۡسِمُ بِٱلۡخُنَّسِ (١٥) ٱلۡجَوَارِ ٱلۡكُنَّسِ (١٦) وَٱلَّیۡلِ إِذَا عَسۡعَسَ (١٧) وَٱلصُّبۡحِ إِذَا تَنَفَّسَ (١٨)) صدق الله العظيم، الخنس: النجم، وقيل: شيء يختفي ويظهر، (الجوار الكنس) الكواكب، (والليل إذا عسعس) الليل إذا أقبل وغطى الدنيا بظلامه، (والصبح إذا تنفس) أي: انشق ضياؤه.


شارك المقالة: