اقرأ في هذا المقال
قال تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (١) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٣)) صدق الله العظيم.
مناسبة التسمية:
أنّ الله سبحانه وتعالى ذكر قصة فيها الكثير من العبر والدروس وهي قصة مملكة سبأ، ولم يتم ذكر أي قصص غيرها.
موافقة أول السورة آخرها:
- بدأت السورة بفعل من أفعال الكافرين وهو التكذيب بالساعة، قال تعالى: (وَقَالَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لَا تَأۡتِینَا ٱلسَّاعَةُۖ قُلۡ بَلَىٰ وَرَبِّی لَتَأۡتِیَنَّكُمۡ عَـٰلِمِ ٱلۡغَیۡبِۖ لَا یَعۡزُبُ عَنۡهُ مِثۡقَالُ ذَرَّةࣲ فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَلَا فِی ٱلۡأَرۡضِ وَلَاۤ أَصۡغَرُ مِن ذَ ٰلِكَ وَلَاۤ أَكۡبَرُ إِلَّا فِی كِتَـٰبࣲ مُّبِینࣲ (٣)﴾ صدق الله العظيم، وخُتمت بمحاولتهم الإيمان بالساعة، قال تعالى (وَقَالُوۤا۟ ءَامَنَّا بِهِۦ وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ مِن مَّكَانِۭ بَعِیدࣲ (٥٢) وَقَدۡ كَفَرُوا۟ بِهِۦ مِن قَبۡلُۖ وَیَقۡذِفُونَ بِٱلۡغَیۡبِ مِن مَّكَانِۭ بَعِیدࣲ (٥٣)) صدق الله العظيم.
- وبدأت ببيان ما أعدّه الله للمؤمنين، قال تعالى: ﴿لِّیَجۡزِیَ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُم مَّغۡفِرَةࣱ وَرِزۡقࣱ كَرِیمࣱ﴾ [سبأ ٤] صدق الله العظيم، وختمت ببيان جزاء الكافرين ، قال تعالى: (وَحِیلَ بَیۡنَهُمۡ وَبَیۡنَ مَا یَشۡتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشۡیَاعِهِم مِّن قَبۡلُۚ إِنَّهُمۡ كَانُوا۟ فِی شَكࣲّ مُّرِیبِۭ (٥٤)) صدق الله العظيم، والهدف من ذلك لبيان أن من جعل الساعة أمام عينية، لم يزغ عن أوامر الله تعالىـ وإن غرق في النعم.
المحور الرئيسي للسورة:
فضل الله، بين القبول والإعراض.
مواضيع السورة المباركة:
- وجوب مقابلة النعم بالشكر والحفظ، والشكر يوجب بقاء النعم قال تعالى: (وَلَقَدۡ ءَاتَیۡنَا دَاوُۥدَ مِنَّا فَضۡلࣰاۖ یَـٰجِبَالُ أَوِّبِی مَعَهُۥ وَٱلطَّیۡرَۖ وَأَلَنَّا لَهُ ٱلۡحَدِیدَ (١٠)) صدق الله العظيم، وقوله تعالى: ﴿یَعۡمَلُونَ لَهُۥ مَا یَشَاۤءُ مِن مَّحَـٰرِیبَ وَتَمَـٰثِیلَ وَجِفَانࣲ كَٱلۡجَوَابِ وَقُدُورࣲ رَّاسِیَـٰتٍۚ ٱعۡمَلُوۤا۟ ءَالَ دَاوُۥدَ شُكۡرࣰاۚ وَقَلِیلࣱ مِّنۡ عِبَادِیَ ٱلشَّكُورُ﴾ [سبأ ١٣] صدق الله العظيم، قال تعالى: ﴿لَقَدۡ كَانَ لِسَبَإࣲ فِی مَسۡكَنِهِمۡ ءَایَةࣱۖ جَنَّتَانِ عَن یَمِینࣲ وَشِمَالࣲۖ كُلُوا۟ مِن رِّزۡقِ رَبِّكُمۡ وَٱشۡكُرُوا۟ لَهُۥۚ بَلۡدَةࣱ طَیِّبَةࣱ وَرَبٌّ غَفُورࣱ﴾ [سبأ ١٥] صدق الله العظيم.
- شكوك الكافرين حول موضوع الساعة، قال تعالى: (وَیَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلۡوَعۡدُ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ (٢٩) قُل لَّكُم مِّیعَادُ یَوۡمࣲ لَّا تَسۡتَـٔۡخِرُونَ عَنۡهُ سَاعَةࣰ وَلَا تَسۡتَقۡدِمُونَ (٣٠)﴾ صدق الله العظيم، وقوله تعالى ﴿وَقَدۡ كَفَرُوا۟ بِهِۦ مِن قَبۡلُۖ وَیَقۡذِفُونَ بِٱلۡغَیۡبِ مِن مَّكَانِۭ بَعِیدࣲ﴾ [سبأ ٥٣] صدق الله العظيم.
- توضيح قضية الغيب التي لا يعلمها إلّا الله فقال تعالى : ﴿فَلَمَّا قَضَیۡنَا عَلَیۡهِ ٱلۡمَوۡتَ مَا دَلَّهُمۡ عَلَىٰ مَوۡتِهِۦۤ إِلَّا دَاۤبَّةُ ٱلۡأَرۡضِ) صدق الله العظيم، قال تعالى: (تَأۡكُلُ مِنسَأَتَهُۥۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَیَّنَتِ ٱلۡجِنُّ أَن لَّوۡ كَانُوا۟ یَعۡلَمُونَ ٱلۡغَیۡبَ مَا لَبِثُوا۟ فِی ٱلۡعَذَابِ ٱلۡمُهِینِ﴾ [سبأ ١٤]صدق الله العظيم، وقوله تعالى: ﴿قُلۡ إِنَّ رَبِّی یَقۡذِفُ بِٱلۡحَقِّ عَلَّـٰمُ ٱلۡغُیُوبِ﴾ [سبأ ٤٨] صدق الله العظيم.
4- عرض موقف تخاصم المستكبرين والتابعين لهم من المستضعفين ممَّن وجبت عليهم النار، قال تعالى: ( قَالَ ٱلَّذِینَ ٱسۡتَكۡبَرُوا۟ لِلَّذِینَ ٱسۡتُضۡعِفُوۤا۟ أَنَحۡنُ صَدَدۡنَـٰكُمۡ عَنِ ٱلۡهُدَىٰ بَعۡدَ إِذۡ جَاۤءَكُمۖ بَلۡ كُنتُم مُّجۡرِمِینَ (٣٢) وَقَالَ ٱلَّذِینَ ٱسۡتُضۡعِفُوا۟ لِلَّذِینَ ٱسۡتَكۡبَرُوا۟ بَلۡ مَكۡرُ ٱلَّیۡلِ وَٱلنَّهَارِ إِذۡ تَأۡمُرُونَنَاۤ أَن نَّكۡفُرَ بِٱللَّهِ وَنَجۡعَلَ لَهُۥۤ أَندَادࣰاۚ وَأَسَرُّوا۟ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا۟ ٱلۡعَذَابَۚ وَجَعَلۡنَا ٱلۡأَغۡلَـٰلَ فِیۤ أَعۡنَاقِ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ۖ هَلۡ یُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ (٣٣)﴾ صدق الله العظيم.
لطائف السورة:
- فتن الدنيا ( الحضارة- الأولاد – المال) هي من أخطر الفتن التي تبعد الإنسان عن ربه، وتطغيه، وتجعله يسيء الظن بربه، قال تعالى: (ذَ ٰلِكَ جَزَیۡنَـٰهُم بِمَا كَفَرُوا۟ۖ وَهَلۡ نُجَـٰزِیۤ إِلَّا ٱلۡكَفُورَ (١٧)) صدق الله العظيم، وقال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (٣٤) ﴾ صدق الله العظيم، وقال تعالى: (وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالا وَأَوْلادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٣٥)) صدق الله العظيم.
- قوله تعالى: ﴿یَعۡمَلُونَ لَهُۥ مَا یَشَاۤءُ مِن مَّحَـٰرِیبَ وَتَمَـٰثِیلَ وَجِفَانࣲ كَٱلۡجَوَابِ وَقُدُورࣲ رَّاسِیَـٰتٍۚ ٱعۡمَلُوۤا۟ ءَالَ دَاوُۥدَ شُكۡرࣰاۚ وَقَلِیلࣱ مِّنۡ عِبَادِیَ ٱلشَّكُورُ﴾ [سبأ ١٣] صدق الله العظيم، روى ابن أبي الدنيا والبيهقي في (شعب الإيمان) عن ابن مسعود قال: لما قيل لهم اعملوا آل داود شكرا، لم يأت ساعة على القوم إلا ومنهم قائم يصلي، وفي رواية كان مصلى آل داود لم يخل من قائم يصلي ليلا ونهارا وكانوا يتناوبونه، وكان سليمان عليه السلام يأكل خبز الشعير ويطعم أهله خشادته والمساكين الدرمك وهو الدقيق الحواري وما شبع قط، وقيل: له في ذلك فقال: أخاف إذا شبعت أن أنسى الجياع، وجواز بعض الأفاضل دخول داود عليه السلام في الآل هنا لأنّ آل الرجل قد يعمّه.
- قوله تعالى: ﴿الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما في السَّماواتِ…) قال الإمام الرازي: السور المفتتحة بالحمد خمس سور: سورتان منها في النصف الأول، وهما الأنعام والكهف، وسورتان في الأخير، وهما هذه السورة وسورة الملائكة، والخامسة وهي فاتحة الكتاب تقرأ مع النصف الأول ومع النصف الأخير، والحكمة فيها أنّ نعم الله مع كثرتها وعدم قدرتنا على إحصائها منحصرة في قسمين: نعمة الإيجاد، ونعمة الإبقاء، فإنّ الله تعالى خلقنا أولا برحمته وخلق لنا ما نقوم به، وهذه النعمة توجد مرّة أخرى بالإعادة فإنّه يخلقنا مرّة أخرى ويخلق لنا ما يدوم، فلنا حالتان الابتداء والإعادة، وفي كل حالة له تعالى علينا نعمتان: نعمة الإيجاد ونعمة الإبقاء.
- في قوله تعالى: ﴿قُلۡ إِنَّ رَبِّی یَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن یَشَاۤءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ وَیَقۡدِرُ لَهُۥۚ وَمَاۤ أَنفَقۡتُم مِّن شَیۡءࣲ فَهُوَ یُخۡلِفُهُۥۖ وَهُوَ خَیۡرُ ٱلرَّ ٰزِقِینَ﴾ [سبأ ٣٩] صدق الله العظيم، قال الآلوسي: أي يوسعه سبحانه عليه تارة ويضيقه عليه أخرى فلا تخشوا الفقر وأنفقوا في سبيل الله تعالى وتقربوا لديه عز وجل بأموالكم وتعرضوا لنفحاته جل وعلا فمساق الآية للوعظ والتزهيد في الدنيا والحض على التقرب إليه تعالى بالإنفاق، وهذا بخلاف مساق نظيرها المتقدم، فإنّه للرد على الكفرة كما سمعت، وأيضا ما سبق عام وما هنا خاص في البسط والتضييق لشخص واحد باعتبار وقتين كما يشعر به قوله تعالى هنا ( له ) وعدم قوله هناك، والضمير وإن كان في موضع من المبهم إلا أنّ سبق النظير خاليا عن ذلك وذكر هذا بعد مشتملا عليه كالقرينة على إرادة ما ذكر فلا تغفل. وهو يحقق معنى قوله عليه الصلاة والسلام: ”«ما من يوم يصبح العباد فيه إلّا وملكان ينزلان، يقول أحدهما اللهم أعط منفقاً خلفا، ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا».
- قوله تعالى: (وَحِیلَ بَیۡنَهُمۡ وَبَیۡنَ مَا یَشۡتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشۡیَاعِهِم مِّن قَبۡلُۚ إِنَّهُمۡ كَانُوا۟ فِی شَكࣲّ مُّرِیبِۭ (٥٤)﴾ [سبأ ٥٠-٥٤] صدق الله العظيم، قال أهل التفسير:أي حيل بينهم وبين دخول الجنة.