تفسير سورة طه

اقرأ في هذا المقال


قال تعالى: ﴿طه (١) مَاۤ أَنزَلۡنَا عَلَیۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ لِتَشۡقَىٰۤ (٢) إِلَّا تَذۡكِرَةࣰ لِّمَن یَخۡشَىٰ (٣) تَنزِیلࣰا مِّمَّنۡ خَلَقَ ٱلۡأَرۡضَ وَٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ ٱلۡعُلَى (٤) ٱلرَّحۡمَـٰنُ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ ٱسۡتَوَىٰ (٥) لَهُۥ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَیۡنَهُمَا وَمَا تَحۡتَ ٱلثَّرَىٰ (٦) وَإِن تَجۡهَرۡ بِٱلۡقَوۡلِ فَإِنَّهُۥ یَعۡلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخۡفَى (٧) ٱللَّهُ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَۖ لَهُ ٱلۡأَسۡمَاۤءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ) صدق الله العظيم.

مناسبة التسمية:

طه: قال جماعة من العلماء هي من الحروف المتقطة التي لا يعلم تفسيرها إلا الله تعالى ، وقد افتتح الله بها السور من باب الإعجاز والتحدي، وخاصة أن القرآن لغتهم وحروفهم.

موسى: لكثرة ذكر سيدنا موسى في السورة.

ما جاء عنها من أحاديث:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ : (إن الله تبارك وتعالى قرأ “طه” و “يس” قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام فلما سمعت الملائكة القرآن قالت طوبى لأمة ينزل هذا عليها وطوبى لأجواف تحمل هذا وطوبى لألسنة تتكلم بهذا) قال ابن فورك معنى قوله: (إن الله تبارك وتعالى قرأ “طه” و “يس”) أي أظهر وأسمع وأفهم كلامه من أراد من خلقه من الملائكة في ذلك الوقت والعرب تقول: قرأت الشيء إذا تتبعته.

موافقة أول السورة لآخرها:

  • بدأت السورة المباركة بتأكيد أنّ كتاب الله تعالى هو سبب السعادة قال تعالى: ﴿طه (١) مَا أَنزلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (٢) إِلا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (٣) ﴾ صدق الله العظيم.
  • وختمت السورة بجزاء من أعرض عن ذكر الله والشقاء الضنك الذي يصيب من أعرض عن ذكر الله قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (١٢٤) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (١٢٥) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (١٢٦) ﴾ صدق الله العظيم، وذلك للتأكيد على أهمية كتاب الله تعالى ، وأن اتباعه سبب للفلاح في الدنيا والآخرة.

مواضيع السورة المباركة:

1 – ذكرت السورة قصة سيدنا (موسى عليه السلام) والشدة التي مرّت به ، وما لاقى من صعاب في دعوته لبني إسرائيل، وقد تكرر هذا النموذج في القرآن أكثر من مرة.

2 – ذكر الحالة التي مرّت بسحرة فرعون لما آمنوا وصدقوا، وقد ثبتوا على الحق رغم العذاب الذي نزل بهم، قال تعالى: ﴿فَأُلۡقِیَ ٱلسَّحَرَةُ سُجَّدࣰا قَالُوۤا۟ ءَامَنَّا بِرَبِّ هَـٰرُونَ وَمُوسَىٰ (٧٠) قَالَ ءَامَنتُمۡ لَهُۥ قَبۡلَ أَنۡ ءَاذَنَ لَكُمۡۖ إِنَّهُۥ لَكَبِیرُكُمُ ٱلَّذِی عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحۡرَۖ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَیۡدِیَكُمۡ وَأَرۡجُلَكُم مِّنۡ خِلَـٰفࣲ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمۡ فِی جُذُوعِ ٱلنَّخۡلِ وَلَتَعۡلَمُنَّ أَیُّنَاۤ أَشَدُّ عَذَابࣰا وَأَبۡقَىٰ (٧١)﴾ صدق الله العظيم.

3 – ذكرت السورة نموذج آخر وهو (آدم عليه السلام ) عليهما السلام، ونتيجة وأنّ من آطاع الله سعد، ومن عصاه شقي وخاب قال تعالى: (وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ ٱسۡجُدُوا۟ لِـَٔادَمَ فَسَجَدُوۤا۟ إِلَّاۤ إِبۡلِیسَ أَبَىٰ (١١٦) فَقُلۡنَا یَـٰۤـَٔادَمُ إِنَّ هَـٰذَا عَدُوࣱّ لَّكَ وَلِزَوۡجِكَ فَلَا یُخۡرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلۡجَنَّةِ فَتَشۡقَىٰۤ (١١٧) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِیهَا وَلَا تَعۡرَىٰ (١١٨) وَأَنَّكَ لَا تَظۡمَؤُا۟ فِیهَا وَلَا تَضۡحَىٰ (١١٩) فَوَسۡوَسَ إِلَیۡهِ ٱلشَّیۡطَـٰنُ قَالَ یَـٰۤـَٔادَمُ هَلۡ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلۡخُلۡدِ وَمُلۡكࣲ لَّا یَبۡلَىٰ (١٢٠) فَأَكَلَا مِنۡهَا فَبَدَتۡ لَهُمَا سَوۡءَ ٰ⁠ تُهُمَا وَطَفِقَا یَخۡصِفَانِ عَلَیۡهِمَا مِن وَرَقِ ٱلۡجَنَّةِۚ وَعَصَىٰۤ ءَادَمُ رَبَّهُۥ فَغَوَىٰ (١٢١) ثُمَّ ٱجۡتَبَـٰهُ رَبُّهُۥ فَتَابَ عَلَیۡهِ وَهَدَىٰ (١٢٢)) صدق الله العظيم.

4 – وقد ختمت السورة بذكر، الأسباب التي يحصل فيها الإنسان على قمة الطمأنينة والسعادة والرضا، قال تعالى: (فَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا یَقُولُونَ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ قَبۡلَ طُلُوعِ ٱلشَّمۡسِ وَقَبۡلَ غُرُوبِهَاۖ وَمِنۡ ءَانَاۤىِٕ ٱلَّیۡلِ فَسَبِّحۡ وَأَطۡرَافَ ٱلنَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرۡضَىٰ (١٣٠)) صدق الله العظيم.

فوائد ولطائف حول السورة المباركة :

1 – العجلة في تنفيذ أوامر الله تعالى من أسباب (الرضا ) قال تعالى: (وَمَاۤ أَعۡجَلَكَ عَن قَوۡمِكَ یَـٰمُوسَىٰ (٨٣) قَالَ هُمۡ أُو۟لَاۤءِ عَلَىٰۤ أَثَرِی وَعَجِلۡتُ إِلَیۡكَ رَبِّ لِتَرۡضَىٰ (٨٤)) صدق الله العظيم.

2 – مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم ومعصيته، سبب من أسباب التعرض للفتن قال تعالى: (قَالَ فَإِنَّا قَدۡ فَتَنَّا قَوۡمَكَ مِنۢ بَعۡدِكَ وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِیُّ (٨٥) صدق الله العظيم.

3 – من أسباب الرزق، والراحة والسعادة في الدنيا والآخرة (الصلاة) (١٣٠)، قال تعالى: (وَلَا تَمُدَّنَّ عَیۡنَیۡكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعۡنَا بِهِۦۤ أَزۡوَ ٰ⁠جࣰا مِّنۡهُمۡ زَهۡرَةَ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا لِنَفۡتِنَهُمۡ فِیهِۚ وَرِزۡقُ رَبِّكَ خَیۡرࣱ وَأَبۡقَىٰ (١٣١) وَأۡمُرۡ أَهۡلَكَ بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱصۡطَبِرۡ عَلَیۡهَاۖ لَا نَسۡـَٔلُكَ رِزۡقࣰاۖ نَّحۡنُ نَرۡزُقُكَۗ وَٱلۡعَـٰقِبَةُ لِلتَّقۡوَىٰ (١٣٢)) صدق الله العظيم.

4 – قال الرسول صلى الله عليه وسلم : (من نام عن الصلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك) ثم قرأ إِنَّنِیۤ أَنَا ٱللَّهُ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّاۤ أَنَا۠ فَٱعۡبُدۡنِی وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكۡرِیۤ (١٤)) صدق الله العظيم، وقال القرطبي: من ترك الصلاة متعمدا، فالجمهور أيضا على وجوب القضاء عليه، وإن كان عاصيا إلّا داوود. ووافقه أبو عبد الرحمن الأشعري الشافعي، حكاه عنه ابن القصار. والفرق بين المتعمد والناسي والنائم، حط المأثم، فالمتعمد مأثوم وجميعهم قاضون. والحجة للجمهور قوله تعالى: ﴿أقيموا الصلاة﴾ صدق الله العظيم – [الانعام: ٧٢] ولم يفرق بين أن يكون في وقتها أو بعدها. هو أمر يقتضي الوجوب. وأيضا فقد ثبت الأمر بقضاء النائم والناسي، مع أنّهما غير مأثومين، فالعامد أولى. وأيضا قوله: (من نام عن صلاة أو نسيها) والنسيان الترك، قال الله تعالى: ﴿نسوا الله فنسيهم﴾ صدق الله العظيم .

5 – جاء عن السيدة رضي الله عنها، عائشة أنها خرجت فيما كانت تعتمر ، فنزلت ببعض الأعراب ، فسمعت رجلا يقول : أي أخ كان في الدنيا أنفع لأخيه ؟ قالوا : ما ندري . قال : والله أنا أدري . قالت : فقلت في نفسي : في حلفه لا يستثني ، إنّه ليعلم أي أخ كان في الدنيا أنفع لأخيه . قال : موسى حين سأل لأخيه النبوة .

6 – قال تعالى: ﴿أَنِ ٱقۡذِفِیهِ فِی ٱلتَّابُوتِ فَٱقۡذِفِیهِ فِی ٱلۡیَمِّ فَلۡیُلۡقِهِ ٱلۡیَمُّ بِٱلسَّاحِلِ یَأۡخُذۡهُ عَدُوࣱّ لِّی وَعَدُوࣱّ لَّهُۥۚ وَأَلۡقَیۡتُ عَلَیۡكَ مَحَبَّةࣰ مِّنِّی وَلِتُصۡنَعَ عَلَىٰ عَیۡنِیۤ﴾ [طه ٣٩]صدق الله العظيم، وقال أبو عبيدة: وابن الأنباري: أنّ المعنى لتغذى على محبتي وإرادتي، تقول أتخذ الأشياء على عيني أي على محبتي قال ابن الأنباري: العين في هذه الآية يقصد بها قصد الإرادة والاختيار: من قول العرب: عدا فلان على عيني أي على المحبة مني، قيل أي فعلت ذلك لتصنع.

7 – قال الرازي في قوله تعالى ﴿طه﴾ للمفسرين فيه قولان:

أحدهما: أنّها من حروف التهجي، والآخر أنّها كلمة مفيدة،

أحدها: قال الثعلبي: طا شجرة طوبى والهاء الهاوية فكأنّه أقسم بالجنة والنار.

وثانيها: يحكى عن جعفر الصادق – عليه السلام – الطاء طهارة أهل البيت والهاء هدايتهم.

وثالثها: يا مطمع الشفاعة للأمة ويا هادي الخلق إلى الملة.

ورابعها: قال سعيد بن جبير: هو افتتاح اسمه الطيب الطاهر الهادي.

وخامسها: الطاء من الطهارة والهاء من الهداية كأنّه قيل يا طاهراً من الذنوب، ويا هادياً إلى علام الغيوب.

القول الثاني: قول من قال: إنّها كلمة مفيدة وعلى هذا القول ذكروا وجهين:

أحدهما: معناه يا رجل وهو مروي عن ابن عباس والحسن ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة وعكرمة والكلبي – رضي الله عنهم – ثم قال سعيد بن جبير بلسان النبطية، وقال قتادة بلسان السريانية وقال عكرمة بلسان الحبشة.

8 – قوله تعالى: ﴿مَاۤ أَنزَلۡنَا عَلَیۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ لِتَشۡقَىٰۤ (٢) إِلَّا تَذۡكِرَةࣰ لِّمَن یَخۡشَىٰ (٣)﴾صدق الله العظيم، ذكر علماء التفسير سبب الآية  سبب نزول الآية وجوها:

أحدها: قال مقاتل إنّ أبا جهل، والوليد بن المغيرة، ومطعم بن عدي، والنضر بن الحارث، قالوا لرسول الله ﷺ: إنّك لتشقى حيث تركت دين آبائك فقال – عليه السلام -: ”بل بعثت رحمة للعالمين“ قالوا: بل أنت تشقى؛ فأنزل الله تعالى هذه الآية ردا عليهم، وتعريفا لمحمد ﷺ بأنّ دين الإسلام هو السلام، وهذا القرآن هو السلام إلى نيل كل فوز، والسبب في إدراك كل سعادة، وما فيه الكفرة هو الشقاوة بعينها.

وثانيها: «أنّه – عليه السلام – صلى بالليل حتى تورمت قدماه فقال له جبريل – عليه السلام -: ”أبق على نفسك فإنّ لها عليك حقا“»  أي ما أنزلناه لتهلك نفسك بالعبادة وتذيقها المشقة العظيمة وما بعثت إلّا بالحنيفية السمحة، وروي أيضا أنّه – عليه السلام -: ”«كان إذا قام من الليل ربط صدره بحبل حتى لا ينام»

9- في قوله تعالى: ﴿وَمَا تِلۡكَ بِیَمِینِكَ یَـٰمُوسَىٰ (١٧) قَالَ هِیَ عَصَایَ أَتَوَكَّؤُا۟ عَلَیۡهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِی وَلِیَ فِیهَا مَـَٔارِبُ أُخۡرَىٰ (١٨)﴾ [طه ١٧-١٨]صدق الله العظيم، وروى عنه ميمون بن مهران قال: إمساك العصا سنة للأنبياء، وعلامة للمؤمن. وقال الحسن البصري: فيها ست خصال، سنة للأنبياء، وزينة الصلحاء، وسلاح على الأعداء، وعون للضعفاء، وغم المنافقين، وزيادة في الطاعات.


شارك المقالة: