اقرأ في هذا المقال
- مناسبة التسمية
- موافقة أول السورة لآخرها
- المحور الرئيسي للسورة
- مواضيع السورة المباركة
- فوائد ولطائف السورة المباركة
قال تعالى: (الۤرۚ تِلۡكَ ءَایَـٰتُ ٱلۡكِتَـٰبِ وَقُرۡءَانࣲ مُّبِینࣲ (١) رُّبَمَا یَوَدُّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لَوۡ كَانُوا۟ مُسۡلِمِینَ (٢) ذَرۡهُمۡ یَأۡكُلُوا۟ وَیَتَمَتَّعُوا۟ وَیُلۡهِهِمُ ٱلۡأَمَلُۖ فَسَوۡفَ یَعۡلَمُونَ (٣) وَمَاۤ أَهۡلَكۡنَا مِن قَرۡیَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابࣱ مَّعۡلُومࣱ (٤) مَّا تَسۡبِقُ مِنۡ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا یَسۡتَـٔۡخِرُونَ (٥) وَقَالُوا۟ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِی نُزِّلَ عَلَیۡهِ ٱلذِّكۡرُ إِنَّكَ لَمَجۡنُونࣱ (٦) لَّوۡ مَا تَأۡتِینَا بِٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِینَ (٧)) صدق الله العظيم.
مناسبة التسمية:
لأنَّ معنى كلمة ( الحِجر) يحفظ ما في داخله، وأغلب السور تتكلم عن حفظ الدين والمخلوقات.
وكلمة الحجر في هذه السورة هي ديار ثمود قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (٨٠) وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (٨١) ﴾ صدق الله العظيم، قال قتادة: هم أصحاب الوادي وكانوا ثمود قوم صالح، والحجر اسم لديار ثمود قاله الأزهري وهى ما بين مكة وتبوك، وقال ابن جرير: هي أرض بين الحجاز والشام وآثارها موجودة باقية يمر عليها ركب الشام إلى الحجاز وبالعكس.
موافقة أول السورة لآخرها:
- بدأت السورة بذكر كلام كتاب الله الكريم قال تعالى في كتابه العزيز: ﴿الۤرۚ تِلۡكَ ءَایَـٰتُ ٱلۡكِتَـٰبِ وَقُرۡءَانࣲ مُّبِینࣲ (١) رُّبَمَا یَوَدُّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لَوۡ كَانُوا۟ مُسۡلِمِینَ (٢)﴾ [الحجر ١-٢] صدق الله العظيم، قال الطبري: يعني: هذه الآيات، آيات الكتب التي كانت قبل القرآن كالتوراة والإنجيل فقال تعالى : ﴿وقُرآنٍ﴾ يقول: وآيات قرآن ﴿مُبِينٍ﴾ يقول: يُبِين من تأمله وتدبَّره رشدَه وهداه.
- وختمت بأمر العباد بالثبات على طاعة الله حتى الموت قال تعالى: ﴿وَٱعۡبُدۡ رَبَّكَ حَتَّىٰ یَأۡتِیَكَ ٱلۡیَقِینُ﴾ صدق الله العظيم [الحجر ٩٩] قال ابن عباس رضي الله عنهما: يريد الموت وسمي الموت باليقين؛ لأنَّه أمر متيقن.
وذلك لأنَّ القرآن الكريم من أعظم الوسائل لحفظ العبد وثباته على الحق.
المحور الرئيسي للسورة :
حفظ الله تعالى لدينه.
مواضيع السورة المباركة:
المتأمل في السورة المباركة، يجد أنّ أول السورة، وأوسط السورة القرآنية، وآخرها تتكلم عن الحفظ:
1 – قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَـٰفِظُونَ﴾ صدق الله العظيم [الحجر ٩] قال الرازي: واعلم أنّه لم يتفق لشيء من الكتب مثل هذا الحفظ، فإنّه لا كتاب إلّا وقد دخله التصحيف والتحريف والتغيير إمّا في الكثير منه أو في القليل، وبقاء هذا الكتاب مصونا عن جميع جهات التحريف، مع أن دواعي الملحدة واليهود والنصارى متوفرة على إبطاله وإفساده من أعظم المعجزات.
2 – حفظ الله للسموات قال تعالى: ﴿وَلَقَدۡ جَعَلۡنَا فِی ٱلسَّمَاۤءِ بُرُوجࣰا وَزَیَّنَّـٰهَا لِلنَّـٰظِرِینَ (١٦) وَحَفِظۡنَـٰهَا مِن كُلِّ شَیۡطَـٰنࣲ رَّجِیمٍ (١٧) إِلَّا مَنِ ٱسۡتَرَقَ ٱلسَّمۡعَ فَأَتۡبَعَهُۥ شِهَابࣱ مُّبِینࣱ (١٨)﴾ صدق الله العظيم، قال ابن عباس: أي جعلنا في السماء بروج الشمس والقمر، أي منازلهما.
3 – حفظ الله الأرزاق لعباده في الخزائن قال تعالى: (وَجَعَلۡنَا لَكُمۡ فِیهَا مَعَـٰیِشَ وَمَن لَّسۡتُمۡ لَهُۥ بِرَ ٰزِقِینَ (٢٠) وَإِن مِّن شَیۡءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَاۤىِٕنُهُۥ وَمَا نُنَزِّلُهُۥۤ إِلَّا بِقَدَرࣲ مَّعۡلُومࣲ (٢١)) صدق الله العظيم، ﴿وجعلنا لكم فيها معايش﴾ قال البيضاوي: أي- تعيشون بها من المطاعم والملابس. وقرئ « معائش» بالهمزة على التشبيه بشمائل: ﴿ومن لستم له برازقين﴾ عطف على ﴿معايش﴾ أو على محل ﴿لكم﴾، ويريد به العيال والخدم والمماليك وسائر ما يظنون أنهم يرزقونهم ظنا كاذبا، فإن الله يرزقهم وإياهم.
4 – قال تعالى: ﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (٢٢) ﴾ صدق الله العظيم، قال ابن عاشور: ومعنى الإلقاح أنّ الرياح تلقح السحاب بالماء بتوجيه عمل الحرارة والبرودة متعاقبين فينشأ عن ذلك البخار الذي يصير ماء في الجو ثم ينزل مطرا على الأرض، وأنّها تلقح الشجر ذي الثمرة بأن تنقل إلى نوره غبرة دقيقة من نوّار الشجر الذكر فتصلح ثمرته أو تثبت.
5 – حفظ الله لسيدنا آدم ذريته قال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٣٩) إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٤٠) ﴾ صدق الله العظيم، عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “إنّ إبليس قال يا رب وعزتك وجلالك لا أزال أغوي بني آدم ما دامت أرواحهم في أجسامهم فقال الرب وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني”.
6 – حفظ الله سيدنا إبراهيم السلام وابن أخيه عليه السلام لمَّا نجاهم وأهلك أقوامهم، قال تعالى: ﴿وَجَاۤءَ أَهۡلُ ٱلۡمَدِینَةِ یَسۡتَبۡشِرُونَ (٦٧) قَالَ إِنَّ هَـٰۤؤُلَاۤءِ ضَیۡفِی فَلَا تَفۡضَحُونِ (٦٨) وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَلَا تُخۡزُونِ (٦٩) قَالُوۤا۟ أَوَلَمۡ نَنۡهَكَ عَنِ ٱلۡعَـٰلَمِینَ (٧٠) قَالَ هَـٰۤؤُلَاۤءِ بَنَاتِیۤ إِن كُنتُمۡ فَـٰعِلِینَ (٧١) لَعَمۡرُكَ إِنَّهُمۡ لَفِی سَكۡرَتِهِمۡ یَعۡمَهُونَ (٧٢) فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلصَّیۡحَةُ مُشۡرِقِینَ (٧٣) فَجَعَلۡنَا عَـٰلِیَهَا سَافِلَهَا وَأَمۡطَرۡنَا عَلَیۡهِمۡ حِجَارَةࣰ مِّن سِجِّیلٍ (٧٤) إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّلۡمُتَوَسِّمِینَ (٧٥) وَإِنَّهَا لَبِسَبِیلࣲ مُّقِیمٍ (٧٦) إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَةࣰ لِّلۡمُؤۡمِنِینَ (٧٧)) صدق الله العظيم، قوله تعال: ﴿وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (٧٦) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (٧٧) ﴾ صدق الله العظيم، قال الطبري: وإن هذه المدينة، مدينة سَدُوم، لبطريق واضح مقيم يراها المجتاز بها لا خفاء بها، ولا يبرح مكانها، فيجهل ذو لبٍّ أمرها، وغبّ معصية الله، والكفر به.
7- قوله تعالى : (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (٩٥))صدق الله العظيم، قال علماء التفسير: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد ﷺ: إنا كفيناك المستهزئين يا محمد، الذين يستهزئون بك ويسخرون منك، فاصدع بأمر الله، ولا تخف شيئا سوى الله، فإنّ الله كافيك من ناصبك وآذاك كما كفاك المستهزئين. وكان رؤساء المستهزئين قوماً من قريش معروفين.
فوائد ولطائف السورة المباركة:
- كثرة الانشغال في الملهيات سبب من أسباب انشغال العبد عن التقرب إلى الله تعالى، قال تعالى: ﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٣) ﴾ صدق الله العظيم، قال القرطبي: (ويلههم الأمل) أي يشغلهم عن الطاعة، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أربعة من الشقاء جمود العين وقساوة القلب وطول الأمل والحرص على الدنيا”. وطول الأمل داء عضال ومرض مزمن، ومتى تمكن من القلب فسد مزاجه واشتد علاجه، ولم يفارقه داء ولا نجع فيه دواء، بل أعيا الأطباء ويئس من برئه الحكماء والعلماء. وحقيقة الأمل: الحرص على الدنيا والانكباب عليها، والحب لها والإعراض عن الآخرة.
- من علم أنّ الأرزاق مقسمة من عند الله تعالى وقد قدر الله لعبده رزقه لم يحزن على فاته منها، وهذا ما يسمّى (الرضى بالمقدور) لذلك يقول الحسن البصري: علمت أن رزقى لا يأخذه غيري فاطمأن قلبى، وعلمت أن عملى لا يقوم به غيرى فاشتغلت به وحدي، وعلمت أنّ الله مطلع علي فاستحييت أن يرانى عاصياً، وعلمت أنّ الموت ينتظرنى فأعددت الزاد للقاء ربي، وروي عن ابن مسعود والحكم بن عتيبة وغيرهما أنّه ليس عام أكثر مطراً من عام، ولكن الله يقسمه كيف شاء، فيمطر قوم ويحرم آخرون.
- 3- إبليس لا يتسلط على إنسان، إلا من فتح له باب الوسوسة .
قال تعالى: ﴿إِنَّ عِبَادِی لَیۡسَ لَكَ عَلَیۡهِمۡ سُلۡطَـٰنٌ إِلَّا مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡغَاوِینَ﴾ صدق الله العظيم، قال الرازي: اعلم أنّ إبليس لما قال تعالى: ﴿لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين﴾ صدق الله العظيم، وقال تعالى: ﴿إلّا عبادك منهم المخلصين﴾ صدق الله العظيم، أوهم هذا الكلام أن له سلطانا على عباد الله الذين يكونون من المخلصين، فبين تعالى في هذه الآية أنّه ليس له سلطان على أحد من عبيد الله سواء كانوا مخلصين أو لم يكونوا مخلصين، بل من اتبع منهم إبليس باختياره صار متبعا له، ولكن حصول تلك المتابعة أيضا ليس لأجل أنّ إبليس يقهره على تلك المتابعة أو يجبره عليها والحاصل في هذا القول: أنّ إبليس أوهم أنّ له على بعض عباد الله سلطانا، فبين تعالى كذبه فيه، وذكر أنّه ليس له على أحد منهم سلطان ولا قدرة أصلا، ونظير هذه الآية قوله تعالى حكاية عن إبليس أنه قال تعالى: ﴿وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي﴾ صدق الله العظيم، [إبراهيم: ٢٢] وقال تعالى في آية أخرى: ﴿إنّه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون﴾ صدق الله العظيم.
4 – التسبيح والصلاة من أعظم أسباب رفع الضيق والكدر والهم عن قلب العبد قال تعالى: ﴿وَلَقَدۡ نَعۡلَمُ أَنَّكَ یَضِیقُ صَدۡرُكَ بِمَا یَقُولُونَ (٩٧) فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ ٱلسَّـٰجِدِینَ (٩٨) وَٱعۡبُدۡ رَبَّكَ حَتَّىٰ یَأۡتِیَكَ ٱلۡیَقِینُ (٩٩)﴾ قال العارفون المحققون عن هذه الآية: إذا اشتغل الإنسان بهذه الأنواع من العبادات انكشفت له أضواء عالم الربوبية، ومتى حصل ذلك الانكشاف صارت الدنيا بالكلية حقيرة، وإذا صارت حقيرة خف على القلب فقدانها ووجدانها، فلا يستوحش من فقدانها ولا يستريح بوجدانها.