اقرأ في هذا المقال
لم يطرأ على الشعر تغيّر كبير في صدر الإسلام، من حيث أساليبه وطرائفه الفنيّة؛ لأن الشعر فن يقوم على المحاكاة، فالشاعر يحتذي خطأ أسلافه. وفي الغالب كان الشاعر يتتلمذ لشاعر مشهور فيكون رواية له ويأخذ عنه طريقته ويحاكيه في أسلوبه، فنجد مثلاً الحُطيئة يقر بسيره على نهج زهير بن أبي سلمى والشعراء الذين كانوا يأخذون شعرهم بالتنقيح والتحكيك.
ويُضاف إلى ذلك أن الكثرة من شعراء صدر الإسلام كانوا من مخضرمي الجاهليّة والإسلام. ومن هؤلاء الحطيئة، كعب بن زهير، الخنساء، حسان بن ثابت، كعب بن مالك، العباس بن مرداس، أبو ذؤيب الهذلي، حميد بن ثور والشماخ بن ضرار، هؤلاء الشعراء كان لهم أسلوبهم وطرائقهم المميزة منذ العصر الجاهلي. ولم يكن من السير أن يغيروا في ظل الإسلام هذه الأساليبن. ومن هنا لا يجد الباحث فارقاً ذا شأن في الناحيّة الفنيّة بين شعرهم في الجاهليّة وشعرهم في الإسلام.
كما أنَّ التطوّر الذي طرأ على شعرهم منذ الإسلام، إنما يتجلى في المعاني والأغراض، فقد استحدثت أغراص جديدة وضمرت أغراض قديمة وأمد الإسلام هؤلاء الشعراء بزاد ثرٍ من المعاني والأفكار.
على أنَّ أثر العقيدة الإسلاميّة لم يكن واحداً لدى هؤلاء، فمنهم من نفذت العقيدة الجديدة إلى أعماقهم فانعكست في معانيهم وأغراضهم، شأن حسّان بن ثابت وكعب بن مالك وعبدالله بن رواحة والعباس بن مرداس مثلاً. ومنهم من كان أثرها ضئيلاً في نفوسهم ونتاجهم الشعري، شأن الحطيئة مثلاً. ومهما يكن من أمر فإنَّ المعاني الإسلاميّة أثرت بدرجات متفاوته في شعر صدر الإسلام.
أمّا النثر الادبي في هذه الحقبة فكان أمره مختلفاً في الشعر، فالنثر أكثر استجابة لدواعي التطوّر من الشعر. ومن هنا كان النثر الإسلامي أفضل تصويراً للحياة الإسلاميّة من الشعر، فضلاً عن أنَّ القرآن الكريم كان معجزة بلاغيّة ألقت ظلالها على نتاج الخطباء والمراسلين فطُبع بطابع إسلامي واضح القسمات، فكان النثر في هذه الحقبة إسلامياً، سواء في سماته الفنيّة أو في أغراضه ومعانيه.
ومن أظهر الآثار الإسلاميّة في نثر تلك الحقبة، حرص الخطباء على استهلال خطبهم بذكر اسم الله وحمده والصلاة على نبيه، بالإضافة إلى تضمين خطبهم بعضاً من آيات القرآن، حتى لقد سمّوا الخطبة بتراء إن لم تبدأ بذكر اسم الله وحمده.