خصائص شعر المتنبي

اقرأ في هذا المقال


تمكن المتنبي بوقت قصير من التقدم على العديد من رواد الشعر في ذلك العهد، وهذا ما جعل الغرور يتسلل إلى نفسه وألفَّ أبيات عديدة في مدح ذاته، كذلك وصل به الأمر إلى مدح نفسه حيث أظهر ذاته على الممدوح الرئيسي في مقطوعاته، نظم المتنبي بالكثير من الأغراض وتناول في طيات أبياته الكثير من المواضيع وتفرد بالكثير من السمات التي ميزته عن غيره وفي هذا المقال سنوضح شعره وأسلوبه.

أدب أبو الطيب المتنبي

يُعتبر من أبرز شعراء أهل المشرق مقيم في بلاط سيف الدولة وكان من أبرز شعراء هذا البلاط وعلى علم واسع بلغة الضاد وقوانينها النحوية واللغوية، تميز بجزالة الكلام المنظوم ورقتها وكان له تأثير واضح في أهل الشعر المعاصرين واللاحقين نظم الشعر في أول حياته وأظهرت أول أبيات له عن موهبة فريدة تنم عن ذكاء وفطنة.

عرف بكثرة قصائده وتعدد المواضيع التي تناولها ومنها ما تحمل الحكم والعبر وتميز بمقطوعات الفخر وكذلك المدح فهو موسوعة شاملة، ومن أبرز ما قيل بمدح ذاته:

 أنا الذي نظَر الأعمى إلى أدبي

وأسْمعَت كلماتي مَن بهِ صَمَمُ

أنامُ مِلْءَ جُفُوني عن شوارِدِها

ويَسْهَرُ الخلقُ جرَّاها وَيَختَصِمُ

وجاهلٍ مدَّه في جهلِهِ ضَحِكي

حَتّى أتَتْه يدٌ فرَّاسةٌ وفَمُ

وبسبب الغرور الذي أصابه عندما أحس بعلو درجاته أصبح لا يخاف من أي أحد مهما كانت مرتبته ومنصبه وكان الجميع مُحتَقر وفي ذلك يقول:

أَيَّ مَحَلٍّ أَرتَقي

أَيَّ عَظيمٍ أَتَّقي

وَكُلُّ ما قَد خَلَقَ الـ

لاهُ وَما لَم يَخلُقِ

مُحتَقَرٌ في هِمَّتي

كَشَعرَةٍ في مَفرِقي

كانت سمة التعالي والسمو متأصلة في ذاته مكونة لشخصيته مما جعله يشعر بالغرور وأنه فوق الجميع ولا أحد يعلوه ويقول:

مُحِبّي قِيامي ما لِذَلِكُمُ النَصلِ

بَريئاً مِنَ الجَرحى سَليماً مِنَ القَتلِ

أَرى مِن فِرِندي قِطعَةً في فِرِندِهِ

وَجَودَةُ ضَربِ الهامِ في جَودَةِ الصَقلِ

وَخُضرَةُ ثَوبِ العَيشِ في الخُضرَةِ الَّتي

أَرَتكَ اِحمِرارَ المَوتِ في مَدرَجِ النَملِ

الأغراض الشعرية لشعر المتنبي

1- المدح: تميز المتنبي بالمديح ومنها مدح الحمداني وكانت أغلب أبيات المتنبي في المدح قيلت في الحمداني، وكذلك مدح ولاة الأمر والحكام:

وَقَفْتَ وَما في المَوْتِ شكٌّ لوَاقِف

 كأنّكَ في جَفنِ الرّدَى وهْوَ نائِمُ

تَمُرّ بكَ الأبطالُ كَلْمَى هَزيمَةً

 وَوَجْهُكَ وَضّاحٌ وَثَغْرُكَ باسِمُ

تجاوَزْتَ مِقدارَ الشّجاعَةِ والنُّهَى

 إلى قَوْلِ قَوْمٍ أنتَ بالغَيْبِ عالِمُ

2- الوصف: برع المتنبي في وصف مشاهد الصراعات والحروب المهمة التي حدثت آنذاك ويُعدُّ شعره موسوعة تاريخية يحمل في طيات أبياته أخبار الأحداث والنزاعات، كما اتقن وصف البيئة كذلك رسم بريشته أروع اللوحات لها كما تطرق في شعر الوصف لذكر صفات الأشخاص وكذلك ذاته وفي وصف البشر يقول:

لَها ثَمَرٌ تُشيرُ إِلَيكَ مِنهُ

بِأَشرِبَةٍ وَقَفنَ بِلا أَواني

وَأَمواهٌ تَصِلُّ بِها حَصاها

صَليلَ الحَليِ في أَيدي الغَواني

وَلَو كانَت دِمَشقَ ثَنى عِناني

لَبيقُ الثُردِ صينِيُّ الجِفانِ

3- الفخر: أكثر المتنبي من التفاخر في قصائده ولم ينسى ذاته في المواضيع المتنوعة فكان يتفاخر بذاته في قصائد المدح أو مقطوعات الهجاء، لهذا نرى سمة الفخر تطغوا على أبياته ومن ذلك:

وَلَكِنَّني مُستَنصِرٌ بِذُبابِهِ

وَمُرتَكِبٌ في كُلِّ حالٍ بِهِ الغَشما

وَجاعِلُهُ يَومَ اللِقاءِ تَحِيَّتي

وَإِلّا فَلَستُ السَيِّدَ البَطَلَ القَرما

إِذا فَلَّ عَزمي عَن مَدىً خَوفُ بُعدِهِ

فَأَبعَدُ شَيءٍ مُمكِنٌ لَم يَجِد عَزما

4- الهجاء: كان مُقل الهجاء ويحمل فيها حكم فيصبح قاعدة عامة وكان يتهكم ويستخدم الألقاب المضحكة التي تضفي على جو الهجاء سخرية، ومثال على ما نظمه في بوتقة رواد الشعر المنافسين له ويقول:

أَفي كُلِّ يَومٍ تَحتَ ضِبني شُوَيعِرٌ

ضَعيفٌ يُقاويني قَصيرٌ يُطاوِلُ

لِساني بِنُطقي صامِتٌ عَنهُ عادِلٌ

وَقَلبي بِصَمتي ضاحِكٌ مِنهُ هازِلُ

وَأَتعَبُ مَن ناداكَ مَن لا تُجيبُهُ

وَأَغيَظُ مَن عاداكَ مَن لا تُشاكِلُ

5- الرثاء: كان رثائه يتسم بسمة الفلسفة وخلوه من العاطفة والمشاعر ومثال عليه رثاء جدته:

أَحِنُّ إِلى الكَأسِ الَّتي شَرِبَت بِها

وَأَهوى لِمَثواها التُرابَ وَما ضَمّا

بَكَيتُ عَلَيها خيفَةً في حَياتِها

وَذاقَ كِلانا ثُكلَ صاحِبِهِ قِدما

وَلَو قَتَلَ الهَجرُ المُحِبّينَ كُلَّهُم

مَضى بَلَدٌ باقٍ أَجَدَّت لَهُ صَرما

6- الحكمة: كان مُكثر في إيراد الحكمة في أبياته سيطر عليها صفة الأمثال التي تميل إليها النفس، ومن حكمة في الحياة يقول:

وَمُرادُ النُفوسِ أَصغَرُ مِن أَن

نَتَعادى فيهِ وَأَن نَتَفانى

غَيرَ أَنَّ الفَتى يُلاقي المَنايا

كالِحاتٍ وَلا يُلاقي الهَوانا

وَلَوَ أَنَّ الحَياةَ تَبقى لِحَيٍّ

لَعَدَدنا أَضَلَّنا الشُجعانا

خصائص شعر أبو الطيب المتنبي

1- تَعلُق شعره تعلقًا قويًا بِحياته وشخصيته وتُعدُّ قصائده مترجمة للأحداث التي مرَّ بها.

2- قام على استحداث ألفاظ مميزة تفرد بها وكانت معبرة عما يجول في خاطره مثل لفظ (تُرج، تقهر) وقال عنه العشماوي:

” أن لِلغة المتنبي تشكيلاتٍ خاصةٍ يتكون منها نسيج الشعر والتي تبطل معها اللغة أن تكون مجرد مجموعة متآلفة من الأصوات تدل اصطلاحًا على مقابل مادي فتصبح صورة صوتية وحدسيَّة معًا، والعلاقة بين معناها ولفظها تقوم إما على اقتران الصوت بالموضوع أو الموقف الفكري، أو الرؤية وغما على اقترانه بالحس والحدس.”

3- توجه إلى استخدام نمط حديث ومختلف عن الأنماط القديمة وحياكة الحكمة بنمط رائع برز في أبيات المدح بالذات وخاصة مدحه لسيف الدولة، التي كشفت عن مدى تعلقه به وإعجابه بصفاته وأخلاقه.

4- كان يحسن استخدام المحسنات فكثرت المحسنات في أبياته ومثال عليه قوله:

عَلى قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتي العَزائِمُ

وَتَأتي عَلى قَدرِ الكِرامِ المَكارِمُ

وَتَعظُمُ في عَينِ الصَغيرِ صِغارُها

وَتَصغُرُ في عَينِ العَظيمِ العَظائِمُ

يُكَلِّفُ سَيفُ الدَولَةِ الجَيشَ هَمَّهُ

وَقَد عَجَزَت عَنهُ الجُيوشُ الخَضارِمُ

5- أكثر من استخدام أسلوب الإشارة النداء ومثال عليه:

أَذا الغُصنُ أَم ذا الدِعصِ أَم أَنتِ فِتنَةٌ

وَذَيّا الَّذي قَبَّلتُهُ البَرقُ أَم ثَغرُ

رَأَت وَجهَ مَن أَهوى بِلَيلٍ عَواذِلي

فَقُلنَ نَرى شَمساً وَما طَلَعَ الفَجرُ

رَأَينَ الَّتي لِلسِحرِ في لَحَظاتِها

سُيوفٌ ظُباها مِن دَمي أَبَداً حُمرُ

6- استعمل نمط النداء وكان مكثر في هذا في قصائده ومن ذلك:

يا أعدلَ الناسِ إلا في معامَلتي

فيكَ الخِصامُ وَأنتَ الخَصْمُ والحَكَمُ

أعيذُها نظراتٍ منكَ صادقةً

أن تَحْسبَ الشَّحمَ فيمَن شَحْمُهُ وَرَمُ

وما انتفاعُ أخي الدُّنيا بناظرِهِ

إذا استَوَت عندَهُ الأنوارُ والظُّلَمُ

7- تضمنت قصائده العديد من الضمائر ولذلك كان يطغى على أبياته الغموض وعدم الوضوح ومثال عليه:

عَجِبتُ مِنكَ وِمنّي

يا مُنيَةَ المُتَمَنّي

أَدَنَيتَني مِنكَ حَتّى

ظَنَنتُ أَنَّكَ أَني

وَغِبتُ في الوَجدِ حَتّى

أَفنَيتَني بِكَ عَنّي

8- اللجوء إلى استعمال مفردات شاذة وغريبة وكان يهدف إلى إبراز مهارته وإظهار اطلاعه الواسع في اللغة وتمكنه منها ومن هذه المفردات المخشلب، والأخفش وغيرها وقال عنه ابن جنيّ:

” فلم يكن المتنبي جاهلاً أو غافلاً عما يقول في شعره ويعنيه، إنما كان خروجه عن الإعراب وإتيانه الشاذ والنادر من الألفاظ عن وعّي ودراية، وإنا هو الشعر الذي لا يقف عند حدّ ولا منتهى لحريته في ملاحقته للمعنى والقبض على الدلالةِ.”

9- إدراج صور ومعانٍ جميلة لها وقع في نفس المتلقي فكان بارع في رسم أجمل الصور التي تعبر عن الظلم، وكذلك التفاخر بذاته وشجاعته وأيضًا أروع المشاهد للممدوح وغير ذلك من الصور البيانية.

10- الاختصار دون الإخلال في المعنى المراد من اللفظ ومثال عليه:

بأي بلادٍ لم أجرّ ذوائبي

 وأيُّ مكانٍ لم تطأهُ ركائبي

11- تعج قصائِده بالحكم والأمثال التي تعبر عما يختلج صدره من مشاعر وتعبر عن الأحداث التي مرَّ بها في حياته بأسلوب دمج فيه العقل مع الأحاسيس، ومثال عليه:

عِش عَزيزاً أَو مُت وأَنت كَريم

بين طَعنِ القنا وخفقِ البنود

فَاطلبِ العِزَّ في لظَى ودَعِ الذُّ

لَّ ولَو كانَ في جِنانِ الخلودِ

يقتل العاجِزُ الجبَانُ وقد يَع

جزُ عَن قطعِ بُخنُقِ المولودِ

وفي النهاية نستنتج إن المتنبي يُعدُّ من أشهر أدباء عصره وكان مغترًا بنفسه وظهر ذلك في أغلب أبياته ترعرع في بلاط الحمداني وأسهب في مدحه، وكان مُقل في مدح ولاة الأمر كما عرف كلامه المنظوم بالعديد من السمات التي ميَّز نفسه بها في ذاك الوقت.


شارك المقالة: