دور القرآن في محاربة الشائعات

اقرأ في هذا المقال


تفسير الآية:

﴿إِذۡ تَلَقَّوۡنَهُۥ بِأَلۡسِنَتِكُمۡ وَتَقُولُونَ بِأَفۡوَاهِكُم مَّا لَیۡسَ لَكُم بِهِۦ عِلۡمࣱ وَتَحۡسَبُونَهُۥ هَیِّنࣰا وَهُوَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِیمࣱ﴾ [النور ١٥]

هذه الآيات نزلت في حادثة الإفك تعالج وتصور عجيب لدقائق الشائعات، وكيفية تلقي الناس لها، وإذاعتهم لها بعد ذلك ولعلّ الأمر يتضح من خلال هذا التحليل لمضمون هذه الآية الكريمة:

أولاً: مجيء كلمة (إِذۡ) في مطلع هذه الآية؛ يشعر بلحظة تلقي الخبر، وأنّها لحظة حاسمة، يختلف الناس في التعامل مع الخبر بحسب اللحظة، ولذلك جاء ذكر توقيت الإنسان للخبر بداية هذه الآية.

ثانياً: التعبير عن سماع الخبر بالتلقي، فقال سبحانه وتعالى (تَلَقَّوۡنَهُۥ) بدلاً من تسمعونه، مع أنّ جُلّ الشائعات يكون تلقيها عن طريق السمع، وأداه ذلك هي الأذن كما لا يخفى، ولكن في ذكر التلقي هنا دلالة لطيفة؛ إذ فيه إيماء إلى شوق المتلقي لما يتلقى، فكأن هناك أناساً متعطشين لمثل هذه الشائعات، يبحثون عنها، ويتلقفونها، فإذا حصل لهم ما يريدون تلقوها تلقي الأهل لغائبهم، ففي التعبير بالتلقي دلالة على استعداد المتلقي وترحيبه بما سيأتي، وهذا يُنبيء عن مرض في بعض القلوب، وخصوصاً ما كانت الفئة الحاقدة على الدين وأهله.

ثالثاً: مجيء (بِأَلۡسِنَتِكُمۡ) وكذلك قوله تعالى (بِأَفۡوَاهِكُم) فيه ملمح لكثرة الفاعلين لهذا الأمر، ولانتشار ذلك بين الناس، وإلّا لقيل: إذا تلقونه باللسان، وتقولون بالفم، ويؤيد هذا إضافة ذلك إلى مخاطبين، ليكون ذلك أكثر حضوراً وواقعية.

رابعاً: في وقوع قوله تعالى (بِأَفۡوَاهِكُم) مباشرة بعد قوله تعالى إ(ِذۡ تَلَقَّوۡنَهُۥ بِأَلۡسِنَتِكُمۡ) دليل سرعة السّعي في نشر الخبر، وعدم عرضه على محك الدين، والعقل، وفي التعبير بالمضارع (وَتَقُولُونَ بِأَفۡوَاهِكُم) دليل على تجديد ذلك منهم في غير مرة.

خامساً: في مجيء مادة القول (وَتَقُولُونَ بِأَفۡوَاهِكُم) دون تنشرون، أو تذيعون مثلاً؛ للدلالة على تفوههم بهذا الخبر المنقول، وإجرائهم ذلك الخبر السّيء على ألسنتهم، وهذه خطيئة أخرى زيادة على خطيئة التلقي التي ذكرت سابقاً.

ولك أن تتأمل – أيّها المؤمن بربه- حجم هذه الشائعة التي هذا وصفها، وكم سيكون تأثيرها في الناس، وهذا الأمر من التلقي إلى الإخراج بهذا التصوير العجيب هو تجسيد دقيق لواقع محبي الشر، ومتلقي السؤء، وناقليه.


شارك المقالة: