رثاء الزوجة في الشعر

اقرأ في هذا المقال


كان الرثاء وسيظل غرض بارز من مواضيع الشعر الهامة الذي يوضح المشاعر والألم وحجم المصيبة التي نتجت جراء وفاة شخص له مكانةٌ في النفوس، لكن رثاء الزوجة كان قليل ولم يتفرد في مقطوعات مستقلة ويرجع سبب ذلك إلى العادات والثوابت التي جعلت ذِكر الأنثى أو أي شيء يتعلق بها ضمن ثوابت معينة، فظهر رثائها عند أهل المشرق يحوفه شيء من الحياء والوجل وفي هذا المقال سنوضحه في الشعر المشرقي.

الرثاء ومنزلته في الشعر العربي

الموت قدر مؤلم مستمر ما دامت الحياة والبشر عبروا عن آلامهم وحزنهم جراء القدر بأساليب عدة والدموع أكثر الأساليب الفطرية المستعملة، وفي الأدب برز الرثاء ليعبر به رواده عن أحزانهم وآلامهم وحجم المصيبة جراء الفقد ويقول شوقي ضيف عن الرثاء عند أهل المشرق:

” بدأ عند العرب كما بدأ عند كثير من الأمم الأخرى بصورة تشبه أن تكون سحراً، حتى يطمئن الميت في مرقده ولا تصيب روحه الأحياء من ورائه بشر، ثم أخذ يفقد هذه الغاية مع الزمن، وما زال حتى انتهى إلى الصورة الجاهلية، من الإفصاح عن إحساس الناس العميق بالحزن قبل الموتى ومحاولة ذكراهم تمجيدهم وبيان فضائلهم التي ماتت بموتهم، مع التفكير في القدر وقصور الناس أمامه، وعبثه بهم ولعبة بحياتهم وموتهم.”

أما مفهوم الرثاء فأتى في لسان العرب: ” رثاء: رثيت الميت رثيًا ورثاءًُ وَمرثاة ومرثيةً ورثته: مدحته بعد الموت بكيته، ورثة الميت أيضًا، إذا بكيته وعددت محاسنة، وكذلك إذا نظمت فيه شعرًا.”

وجاء في القديم على ألسنة الإناث التي تميزت بعاطفتها وقُرب دموعها ولهذا تقدم الرثاء النسوي على أغلب الرثاء منذ القدم، وربما يرجع سبب ذلك إلى استنهاض الهمم والحث على الثأر ومثال عليه في ذاك الوقت رثاء الخنساء كما وصل الأمر بالشعراء إلى بكاء أنفسهم مثل علقمة بن سهل.

رثاء الزوجة في الشعر العربي

كان رثاء الزوجة في القدم قليل ونادر جداً وربما يرجع سبب ذلك إلى العادات والقيم التي كانت تعيب ذلك وتعتبره ضعفاً وأمراً محظوراً، فقد ورد لنا من هذا العصر أبيات ترثي الزوجة مثل بكاء جرير زوجته حيث قال:

لَولا الحَياءُ لَعادَني اِستِعبارُ

وَلَزُرتُ قَبرَكِ وَالحَبيبُ يُزارُ

وَلَقَد نَظَرتُ وَما تَمَتُّعُ نَظرَةٍ

في اللَحدِ حَيثُ تَمَكَّنَ المِحفارُ

فَجَزاكِ رَبُّكِ في عَشيرِكِ نَظرَةً

وَسَقى صَداكِ مُجَلجِلٌ مِدرارُ

وَلَّهتِ قَلبي إِذ عَلَتني كَبرَةٌ

وَذَوُو التَمائِمِ مِن بَنيكِ صِغارُ

وفيما بعد بدأت الثورات تظهر على العادات والثوابت، وبدأ رثاء الزوجة يبرز وينتشر ومثال عليه بكاء عبد الملك لزوجته فقال:

فلا تلحياني إن بكيت فإنما

أداوي بهذا الدمع ما تريان

وان مكانا في الثرى خط لحده

لمن كان من قلبي بكل مكان

أحق مكان بالزيارة والهوى

فهل انتما ان عجت منتظراني

فهبني عزمت الصبر عنها لأنني

جليد، فمن بالصبر ابن ثمان

ضعيف القوى لا يطلب الأجر حسبه

أخذ رواد الكلام المنظوم يرثون زوجاتهم دون حرج أو قيود تمنعه من ذلك مثل رثاء مسلم بن وليد لزوجته:

بُكاءٌ وَكَأسٌ كَيفَ يَتَّفِقانِ

سَبيلُهُما في القَلبِ مُختَلِفانِ

دَعاني وَإِفراطَ البُكاءِ فَإِنَّني

أَرى اليَومَ فيهِ غَيرَ ما تَرَيانِ

غَدَت وَالثَرى أَولى بِها مِن وَلِيِّها

إِلى مَنزِلٍ ناءٍ لِعَينِكِ دانِ

وكذلك الشريف الرضي رثاء شريكة حياته وتحسره على ذكريات الشباب معها:

ذَكَرتُكِ ذَكرَةَ لا ذاهِلٍ

وَلا نازِعٍ قَلبُهُ وَالجَنانُ

أُعاوِدُ مِنكِ عِدادَ السَليمِ

فَيا دينَ قَلبِيَ ماذا يُدانُ

عَواطِفُ مِن مُقلِقاتِ الغَرا

مِ يَومَ دُموعي بِها أَروِنانُ

وفي أبيات ديك الجن الذي بكى جاريته التي تزوجها وكان متعلق بهواها كثيراً لكن الشك دخل إلى قلبه وقتلها ولكن بعد ظهور براءتها ندم كثيراً وبكى بحرقة:

يا طَلْعَةً طَلَعَ الحِمَامُ عَلَيها

وجَنَى لَها ثَمَرَ الرَّدَى بِيَدَيْها

رَوّيْتُ مِنْ دَمِها الثّرى ولَطَالَما

رَوَّى الهَوَى شَفَتَيَّ مِنْ شَفَتيْها

قَدْ باتَ سَيْفي في مَجَالِ وِشَاحِها

ومَدَامِعِي تَجْرِي على خَدَّيْها

وبعد ذلك يوجه كلامه لها وهي في قبرها ويقول:

أَساكِنَ حُفْرَةٍ وقَرارِ لَحْدِ

مُفَارِقَ خُلّةٍ مِنْ بعدِ عَهْدِ

أَجبني إِنْ قدرتَ على جَوابي

بحَقِّ الوُدِّ كَيفَ ظَلِلْتَ بَعْدي

وأَينَ حَلَلْتَ بعدَ حُلولِ قَلْبي

وأَحْشائي وأَضْلاعي وكِبْدِي

أما بكاء الزوجة عند الطغرائي فقد جمع في بكائه بين ثقافة العيب وثورة الإفصاح فهو يبكي زوجته ويفصح عن مدى الألم والحزن جراء خسارتها، ولكنه لم يذكر اسمها في أبياته واستبداله بكلمة ” سِتيرتي” وقال في رثائها:

أعلِّلُ النفس بالآمالِ أرقُبُها

ما أضيقَ العيشَ لولا فسحةُ الأمَلِ

لم أرتضِ العيشَ والأيامُ مقبلةٌ

فكيف أرضَى وقد ولَّتْ على عَجَلِ

كما نرى أصدق رثاء زوجة صادر من القاسم الضمدي الذي تحدث عن يوم فقده لزوجته وحمل جثمانها إلى القبر وامنيته لو أنهم كفنوها بجلده وفي ذلك يقول:

يــئُوبُ الغــائبُــونَ وكُــلُّ مَـيـتٍ

يُــشَــيَّعــُ مــا لِغَــيــبَـتِه إيـابُ

بـنـفـسـك عـصـرَ يومِ السبتِ نَعشٌ

تَــداولَه المــنــاكـبُ والرِّقـابُ

تُـسَـلُّ إلى الحَـفِـيـرَةِ مـنهُ شمسٌ

تَــبــلَّجَ فــي جَــوانِـبـهـا شِهـاب

من الخَفِراتِ يُخفي الليلُ منها

إذا مــا جَــنَّ مـا لا يُـسـتـراب

رثاء الزوجة في الشعر الحديث

لقد تغيرت النظرة للأنثى مع تقدم الزمن وأصبح لها حضور وتواجد في جميع الأصعدة كما لم يتحرج رواد الشعر الحديث من ذكر النساء في أبياتهم، كما أنهم بكوا من أحبوا من النساء وخصوصاً الزوجة ومثال عليهم نذكر البارودي الذي تألم كثيراً جراء فقده لزوجته ويقول فيها:

يد  المنون قدحت أي زناد

وأطرت أي شعلة بفؤاد

أوهنت عزمي وهو حملة فيلق

و حطمت عودي و هو رمح طرادي

كما بكى عزيز أباظة زوجته التي أصابها المرض وتمكن منها، ويتحدث عنها زوجها مصوراً اللحظات الأخيرة لها وهي مستندة على صدره باكياً:

دفعت صدرها إليَّ وألقت

رأسها عند راعدٍ ذي خُفوق

وفي قصائد عبد الرحمن صدقي تحدث عن مدى لوعته وحزنه الشديد جراء الفقد الذي أصابه من موت زوجته ويتحدث عن انفعالاته عند قبرها ويقول:

أقمت لك الأشعار نُصباً ومن يكن

كمثلك عِلماً فهو بالشعر أخلق

من ذلك ما خطه قلم نزار قباني في بلقيس حيث يقول:

شكراً لكم 

شكراً لكم 

فحبيبتي قتلت .. وصار بوسعكم

أن تشربوا كأساً على قبر الشهيدة

وقصيدتي اغتيلت 

وهل من أمـةٍ في الأرض 

إلا نحن تغتال القصيدة ؟

بلقيس 

كانت أجمل الملكات في تاريخ بابل

بلقيس 

كانت أطول النخلات في أرض العراق

كانت إذا تمشي 

ترافقها طواويسٌ 

وفي النهاية نستنتج إن بكاء الزوجات ورثائِهن في الكلام المنظوم في قديم كان مقيد بالعادات والقيم فلا يستطيع الزوج بكاء زوجته في أبياته، حيث كان يُعاب ويعتبر من الضعف الإذلال إذا عمد إلى ذلك، ولكن ومع التطور والتقدم فقد أصبح رواد الأدب يعبرون عن حزنهم جراء فقد الزوجة دون خوفٍ أو حرج.

المصدر: صورة المرأة في الشعر الجاهلي 2014كتاب الحيوان في الشعر الجاهلي تأليف حسين جمعة 2022الحركة العلمية والأدبية في دار الخليفة العباسي 2017الأمثال العربية والعصر الجاهلي تأليف محمد توفيق 2005الحياة العلمية في عصر الخلافة في الأندلس 2015


شارك المقالة: