تكسب الأمثال الكلام روعة وسطوع وبيان وسحر وجمال، وتثير العواطف والنفوس، وتمتلك المشاعر والقلوب، وتحل محل البرهان والحجة؛ لصدق مدلولها وصحة حكمها، تسير نهج الشعر وتعمل بنفس نهجه، لكن دلالة المثل أقوى من دلالة الشعرفي تصوير أفكار الأمم وأخلاقها.
قصة مثل ” رجع بخفي حُنينٍ”:
يقال في قديم الزمان، أنه كان هناك رجل يعمل في تصليح الأحذية وتصنيعها، في مدينة تدعى الحيرة بالعراق، فانشهر بسبب اتقانه لعمله وخبرته بها، وفي ذات يوم جاء رجل يركب على بعير، فنخ بعيره بجانب دكان حُنينٍ ودخل الدكان، وبدأ يدقق النظر في الأحذية التي قام حنين بصنعها، فأعجبه أحد الأحذية، فسأل عن سعره وأخذ يجادل في السعر ويساوم به، فأتضح أنه يريد شراء الحذاء، وبعد العديد من المجادلات حول السعر، اتفق مع حُنينٍ على سعر معين.
فقام الإعرابي بترك الدكان ولم يشتري الحذاء، ولم يلي اهتماماً لحُنينٍ، فأثار غضب لدى حُنينٍ لأنه هدر الكثير من وقته، فتسبب له بتعطيله عن عمله وعن الزبائن الذين جاءوا للشراء، ورأوا حُنينٍ منشغل مع هذا الرجل فذهبوا، مما أدى إلى خسرانه فلم يبيع شيئاً في ذلك اليوم.
أراد حُنين أن ينتقم من ذلك الإعرابي بطريقة يفرغ غضبه منه، فلحق به واتخذ طريقاً مختصراً سريعةً، فسبقه وأصبح أمامه، نزع حُنينٍ خفيه ثم وضع أحدهما في طريق الإعرابي، وقام بوضع الآخر على مسافة لا بأس بها من الخف الأول، فقام بإلاختباء في مكان مختفي عن الأنظار ليقوم بمراقبة الإعرابي منه عند وصوله.
فلما وصل الأعرابي إلى الخف الأول قال: هذا يشبه خف حُنينٍ، لو كان الثاني معي لأخذته، فتركه بمكانه وأكمل طريقه، وإذ به يجد الخف الثاني فقال: كأنهم خفي حُنينٍ، فأخذه وترك فرسه بمكانها ورجع ليأخذ الخف الأول، وكان حُنينٍ يترصد به وعنما رأه ذهب مسرعاً إلى أخذ فرسه والهروب بها، فرجع الأعرابي لمكان الفرس ولم يجدها، فرجع إلى أهله محمل بخفي حُنينٍ، بعد ما كان عائد من السفر محمل بالعطايا والهدايا، فقال أحدهم عنه: رجع بخفي حُنينٍ.
العبرة من مثل ” رجع بخفي حُنينٍ”:
يُضرب هذا المثل العربي عند اليأس من أخذ الشخص حاجته والرجوع بخيبة الأمل، فكل إنسان لديه أعماله وظروفه، ولا يجوز التطفل على حياة الأخرين والعبث بأرزاقهم، لأن كل ما نقدمه اليوم يعود إلينا في المستقبل القريب.