تُعتبر رواية المشار إليها من الروايات التي شاع صيتها في معظم الدول حول العالم، حيث تعود كتابتها إلى المؤلف والأديب هربرت جورج ويلز، فهو من أهم وأبرز الكُتاب في إنجلترا في ذلك الوقت، فقد كان من الأدباء الذين تميزوا باتباع أسلوب الخيال العلمي في كتابة الروايات، بالإضافة إلى إضفاء نوع من الحس في المغامرة، إذ اشتهر في العديد من الروايات التي لامس بها القراء الواقعية والحديث عن الحقائق المخفية، لكن ذلك لم يعفيه من تلقي الانتقادات حول رواياته.
نبذة عن الرواية
تناولت الرواية موضوع التمييز بين الحق والباطل، حيث أنه هناك الكثير من الأشخاص الذين ينساقون خلف الباطل ولا يعترفون بالحق، حتى ولو كان واضح أمامهم وضوح الشمس، فأن تكون شخص يميز بين الباطل والحق في مجتمع ينساق كافة أفراده حول الباطل ويبزون تبريراتهم حول ذلك ويدعون أنه هو الحق بأم عينه، هذا يكون من الأمور التي لا يمكن تحملها والاستمرار فيها بأي شكل من الأشكال، وهذا ما ظهر بشكل واضح وجلي في رواية أرض العميان، فقد ألبسوا الحق ثوب الباطل وتغنوا به، فالإنسان حينما يكون بصره قوي في مجتمع مليء بعمى البصر هذا الأمر يستدعى الفرار.
قصة رواية أرض العميان
في مرحلة من المراحل وصل ظلم الإسبان إلى مدينة تعرف باسم بيرو، فقد ساد حينها الكثير من الاضطهاد والطغيان، مما جعل من يقوى على الهروب ينفذ بنفسه من تلك الحياة، وهذا ما قاد مجموعة كبيرة من الأشخاص يسعون بأنفسهم إلى الفرار إلى جبال الإنديز، ولكن مما لم يكن في الحسبان أنه وفي تلك الأثناء حدثت العديد من التغيرات في الجبال، مثل انهيارات وتحطم عدد كبير من الصخور التابعة لذلك الجبال، مما دفع المهاجرين إلى الانحسار في وادي يبعد مسافة كبيرة عن السكان في العالم، واضطروا إلى التعايش به، فلم يكن هناك أمامهم أي سبيل للعودة، إذ أنهم أصبحوا لم يدركون أي جانب من جوانب العالم من حولهم.
ومع مرور الأيام بدأت تظهر بينهم العديد من الأمراض في مختلف الأعضاء في الجسم، ولكن من أكثر ما انتشر بينهم هو مرض العمى، حيث بدأ يتغلغل فيهم شيئاً فشيئاً إلى أن أصبحوا جميهم لا يدركون ولا يرون أي شيء من حولهم، وهنا بدأت التنبؤ بالتفسيرات التي أودت بهم إلى ذلك، وتشتت الآراء فيما بينهم، بينما الغالبية العظمى منهم أشارت إلى أن هذا العمى قد أصابهم كنتيجة إلى الخطايا والرذائل التي ارتكبوها في حياتهم.
ومرت سنين عديدة على عيشهم في ذلك الوادي وتكاثرت أعدادهم حتى توارثوا ذلك المرض عبر أجيالهم، إذ كان حينما يتزوجون يرزقون بأطفال لا يملكون البصر منذ ولادتهم، وبقوا على تلك الحال إلى أن جاء في يوم من الأيام أحد الأشخاص الذي يعمل كمستكشف للطبيعية وهو من أصول بريطانية يدعى (نيونز)، فقد كان يمتلك خبرة واسعة في تلك المناطق ومواقعها وكيفية الخروج والدخول منها وكل ما يخص مثل تلك المناطق، فقد كان حينها يقوم بإحدى الرحلات الاستكشافية مع مجموعة من زملائه، ولكن ما حدث معه هو أنه حينما وصل بتسلقه إلى إحدى الصخور المتخلخلة قام بالانزلاق من أعلى الجبل إلى أسفل الوادي الذين يقطنون به العميان، فظن زملاءه أنه قد توفي، فلم تكن لديهم معرفة بالوادي الموجود أسفل الجبل الصخري.
لكن أثناء سقوطه كان قد وقع على كومة كبيرة من الثلوج، ممّا جعله يصل إلى ذلك الوادي بسلام دون أي ضرر في جسده، وعندما نهض أخذ بالتجول في أرجاء الوادي والنظر إليه بتمعن، وضمن مسيرة كان قد شاهد قرية غريبة عجيبة، إذ كان بنائها ليس كالبناء المعهود الذي كان يشاهده في العالم الخارجي، فقد كان نظام البناء خالي تماماً من وجود النوافذ، كما أن البيوت متلونة بألوان فاقعة تزيغ النظر، فأدرك حينها أنّ تلك القرية لا يمكن أن تكون لغير أشخاص فاقدين نعمة البصر، ومن هنا بدأ اختلاطه وانغماسه بينهم، فأخذ الحديث إليهم عن المدينة التي كان يعيش فيها، وأنّ الأشخاص في العالم الخارجي يتمتعون بالبصر ولنظر والتعرف على الأشياء من حولهم، هنا بدأ في تعجبهم مما يسرده عليهم المستكشف، فلم يصدقونه في أي شيء يقوله لهم، وأخذ تفكيرهم إلى أنه رجل مجنون يتغنى بجمال الدنيا والألوان في الخارج وهذا ليس أمر معروف بالنسبة إليهم، وهكذا أخذوا يصفون المستكشف بالجنون.
وبعد العديد من المحاولات في إقناعهم بما يقوله لهم، لكن دون جدوى، فعزم على الهروب من تلك القرية بأي طريقة، ولكن لسوء حظه باءت كل محاولاته بالفشل، فلم يبقى أمامه أي طريقه، حينها قرر العودة إليهم والاعتذار منهم عن كل قول صدر منه، كما قام بإنكار كل حقيقة تكلم عنها، ثم بعد ذلك قبلوا اعتذاره، لكن بشرط أن يتلقى عقابه على فعلته، فأخذوا بجلده بالسوط ووكلوا إليه الأشغال الشاقة، وبعدها أذنوا له بالعيش معهم.
ومع مرور الأيام بدأ يعتاد على الحياة معهم، وفي يوم ما بدأ يعجب بأحد الفتيات في تلك القرية، لكن كانت نظرته معاكسة تماماً للأشخاص من حوله، فقد كانوا يصنفوها من ضمن الفتيات القبيحات؛ وذلك لأنها تمتلك أنف مدبب وأهداب طويلة، فعزم المستكشف على طلب يدها، مما وضع والدها في حيرة بأن يقوم بتزوجيها من الرجل المجنون، أو أن يرفض فتبقى ابنته القبيحة دون زواج طوال عمرها، فذهب لاستشارة عدد من الحكماء في القرية، إذ أشاروا عليه أن المجنون يمتلك عضوين صغيرين يقعان فوق أنفه، وتلك العضوين هما من يساهمان في إتلاف عقله، إذ ينبغي التخلص من ذلك العضوين حتى يصبح الشاب كاملاً بالنسبة لهم، وبعد ذلك لا بأس من الزواج من الفتاة.
هنا رفض المستكشف ذلك الموضوع بكل شدة، حيث بدأ بالصراخ الشديد وبدأ يقاوم ذلك الأمر بكل ما يملك من قوة، هنا دخلت الفتاة وطلبت منه أن يقوم بذلك من أجل حبهما، فقد كان العمى من الأمور المشروطة في التعايش في مثل تلك المجتمعات النائية، حينها لم يكون أمام المستكشف أي حل أو طريقة أخرى، مما جعله يرضخ لطلبات الناس من حوله، خرج بعدها ليلقي نظرة استطلاع أخيرة على جمال العالم والدنيا من حوله، لكنه لم يستطيع وداع الجمال الخارجي، فكل شيء من أمامه يسطع بجمال خاص به، فكيف له أن يترك كل هذا السحر ويقطن بقية حياته دون الاستمتاع بذلك الجمال، هنا فكر في محاولة أخيرة للهروب من تلك القرية الساخطة، وبالفعل تمكن من النجاح في الهروب ونجا بنفسه من المكوث في مجتمع ميت وهو على قيد الحياة.