تُعرف فرجينيا وولف بأنها من أهم وأبرز الروائيات اللواتي ظهرن في القرن التاسع عشر والعشرين، حيث أنها اعتبرت أيقونة في الأدب الحديث، وعلى الرغم من أنها كانت تعيش بين عائلة أفرادها كُثر، إلا أنها تمكنت من التميز والإبداع، ومن أهم الروايات التي اشتهرت بها وحققت نسبة مبيعات عالية حول العالم هي رواية أورلاندو، إذ تم تجسيدها إلى العديد من الأفلام السينمائية، كما تُرجمت إلى الغالبية العظمى من اللغات العالمية من ضمنها اللغة العربية، ونشرت لأول مرة في 11 أكتوبر 1928م.
نبذة عن الرواية
تم اقتباس الكاتبة للرواية من التاريخ المضطرب الذي عاشته إحدى العائلات المقربة إلى فيرجينيا وولف، حيث أن ابنة تلك العائلة كانت على علاقة صداقة قوية مع الكاتبة وهي تعرف الشاعرة والروائية من الطبقة الأرستقراطية والتي تدعى فيتا ويست، وقد حصلت تلك الرواية على شهرة واسعة حال صدورها، إذ اعتبرت أنها سيرة ذاتية وتصوير تاريخي للأدب الإنجليزي، وقد قدمتها المؤلفة بأسلوب السخرية، ويقدم الكِتاب وصف كامل للحياة التي يعيشها الأشخاص الذين يغيرون أنفسهم من جنس إلى آخر، كما يقدم المراحل والمغامرات التي يمر بها من يغير جنسه من رجل لامرأة وكيف أنه يعيش حياته لمدة أطول.
رواية أورنلادو
في البداية تدور وقائع وأحداث الرواية حول حياة أحد الشخصيات الرئيسية في الأحداث وهو شاب يدعى أورلي، إذ أن ذلك البطل كان يقيم في دولة إنجلترا، وقد كان تلك الفترة في عهد الملكة إليزابيث الأولى، وفي أحد الأيام يخضع هذا الشاب إلى تغيير جذري وغامض في جنسه، إذ أنه بشكل مفاجئ تعرض لتحول جنسي، وفي ذلك الحين كان ما زال في عمر الثلاثين، حيث أنه يعيش بعد ذلك إلى ما يقارب الثلاثمئة سنة، لكن دون أن يطرأ عليه أي تغير من متغيرات العمر، بحيث أنه كان مهما تقدم في العمر يبقى على الشكل الذي هو عليه في عمر الثلاثين.
وفي تلك الأثناء كان ذلك الشاب يعمل كخادم لدى بلاط الملكة إليزابيث، وقد كان من الخدم المفضلين والمقربين لدى الملكة، والملكة كانت في ذلك الوقت في مرحلة الشيخوخة المتأخرة ولم تلبث طويلاً حتى توفت، وبعد وفاتها يقع ذلك الخادم في حب إحدى الأميرات المقيمات في القصر والتي تدعى ساشا، وتلك الأميرة كانت من الفتيات اللواتي من الصعب أن ينساقن خلف المشاعر والعواطف.
وعلاوة على أنها كانت شخصية صعبة، فقد كانت كذلك فتاة متوحشة وعنيفة إلى حد كبير، وفي أحد الأيام تنتمي تلك الأميرة إلى الحاشية التابعة إلى السفارة الروسية، وتلك الحاشية كانت على الدوام تتميز بعلاقات الحب بين الأشخاص الذين ينتمون إليها، كما كان في ذلك الوقت يقام مهرجان التزلج على الجليد على نهر التايمز المتجمد عبر الصقيع العظيم الذي حصل في سنة 1608م، وعلى أثر ذلك الصقيع فقد تجمدت جميع أنواع الطيور التي كانت تطير في السماء وسقطت كالحجارة على الأرض.
وبالتزامن مع الفترة التي بدأ فيها الجليد بالذوبان قررت الأميرة أن تنتقل للعيش في دولة روسيا، وهنا دخل أورلي في حالة من الاكتئاب واليأس، إذ شعر بأنه قد تم هجرانه، وهنا عزم على إكمال كتابة إحدى القصائد الشعرية التي بدأ بها قديماً منذ فترة الصبا ولم يكملها، والتي تحمل عنوان شجرة البلوط، وفي تلك الأثناء حدث لقاء بينه وبين أحد الشعراء والذي يدعى نيكولاس غرين، وقد كان ذلك الشاعر من الأشخاص الذين يضمرون الحسد والحقد بداخلهم، حيث أنه كان على الدوام يتصيد الأخطاء في كتابات أورلي الشعرية، يشعر أورلي فيما بعد بأنه قد تعرض للخيانة والغدر حينما وصل إلى مسامعه أنه قد تعرض للسخرية والتهكم في أحد الأعمال الشعرية التي نشرها نيكولاس غرين.
وبسبب ذلك يدخل أورلي في حالة من التأمّل والتفكر بشكل عميق في الحياة التي يعيشها وعلاقة الحب التي عاشها من طرف واحد، ومن هنا شرع في إلى إعادة ترميم بيت أجداده الفخم، حيث قام بشراء أثاث جديد وحديث وبسعر غالي جداً، وبعد إتمام ترميم وتأثيث ذلك البيت يجعل منه مضيف للسكان عامة ويقوم هو بذاته باستقبالهم وتلبية طلباتهم وخدمتهم.
ومع مرور الوقت يتسلل الملل إلى حياة أورلي، كما كان في تلك الفترة يعاني من مضايقة إحدى الفتاة له، حيث أن تلك الفتاة قد وقعت في عشقه وكانت فتاة مزعجة وملّحة تدعى هارييت، إذ كانت طويلة القامّة ومسترجلة، وهو لا يفضل ذلك النوع من الفتيات، كما كان ما زال قلبه متعلق بالأميرة المهاجرة، وهنا أراد أورلي الهروب من ذلك الواقع وتلك البلاد بأي وسيلة كانت، وفي أحد الأيام قام تشارلز الثاني بتعيينه سفير لدولة القسطنطينية، وبالفعل كان أورلي يقوم بتأديته واجباته على أكمل وجه، إلى أن جاءت تلك الليلة التي شهدت العديد من الاضطرابات الأهلية وحدث بها أعمال شغبٍ إجرامية بشكل كبير.
وفي ذلك الوقت خلد أورلي إلى النوم لعدة أيام ولم يتمكن أي شخص من إيقاظه، وحين أفاق أورلي من نومه وجد نفسه شخصية مختلفة تماماً، حيث أنه قد تعرض لتحول جنسي وتحوّل جسده من جسم رجل إلى جسم امرأة، ولكن مع كل هذا التغير كان ما زال محافظاً على ذات الشخصية والتفكير الذي يتمتع بهما، ولكن في جسم امرأة، وعلى الرغم من أن ذلك الشيء يشعر الإنسان بالانزعاج والحيرة، إلا أن شخصية أورلي الخيالية كانت قابلة للتغيير، ومنذ ذلك اليوم تتغيّر ميول أورلي العاطفية باستمرار على الرغم من بقائه امرأة من الناحية البيولوجية.
وعلى أثر ذلك التحول يشرع أورلي في الهروب والفرار بشكل سري من القسطنطينية، حيث كان ذلك من خلال رفقة قبيلة من الغجر والسير حسب عاداتهم وتقاليدهم، لكن هذا الأمر لم تتحمله السيدة أورلي طويلاً والذي أوصل بها إلى صراع جوهري مع تربيتها والأمور التي اعتادت عليها في حياتها، ومن هنا عزمت على الرجوع إلى الوطن، وبينما كانت على متن السفينة المتوجهة إلى دولة إنجلترا، كانت ترتدي ثياب أنثوية ضيّقة، وهناك وقع حادث تسبب فيه سطوع كاحلها، إذ أن بحار السفينة سقط ومات.
وفي تلك اللحظة أدركت بالفعل ما هي أبعاد التحوّل إلى جنس امرأة، وبعد وصولها إلى إنجلترا، تُولع هارييت بأورلي مرة أخرى من جديد، حيث أنها سرعان ما أدركت حقيقة كونه رجل، حاول أورلي التملص من عروض الزواج التي قدمتها هارييت له، وعلى أثر ذلك كانت في كل مرة تقوم بتبديل الأدوار في الملابس، فأحياناً ترتدي ملابس رجالية وأحياناً أخرى ترتدي ملابس نسائية.
وفي النهاية ينغمس أورلي بنشاطات الحياة ما بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وفي منزل أجدادها تستضيف الشعراء العظماء، وقد كان من أبرزهم الشاعر ألكساندر بوب، وفي أحد الأيام يعاود الشاعر الساخر غرين الظهور من جديد، والذي كان يبدو أنه من الأشخاص الذين يعيشون طويلاً كذلك، لكن في هذه المرة كان يدعم كتابات أورلي في الشعر، ويقدم كامل دعمه في المساعدة في نشر القصيدة التي كتبها أورلي منذ الصغر، وأخيراً تتزوج أورلي من شخص آخر يتوافق معه في حالة التغيير الجسدي، وقد أشارت أورلي أن سبب النجاح والتفاهم بينهم يرجع إلى ذلك التطابق الجسدي بينهم.