اشتهر الكاتب والمؤلف فرانس كافكا وهو من مواليد دولة التشيك من أهم رواد الكتابة التي صنفت من قِبل الأدباء والنقاد على أنها كتابة كابوسية، كما صنف بأنه من أفضل الروائيين الذين أبدعوا في فن كتابة الروايات والقصص القصيرة باللغة الألماني، حيث أن جميع ما صدر عنه من أعمال أدبية كانت في البداية تنشر باللغة الألمانية، ومن أكثر الروايات التي حققت شهرة واسعة حول العالم ونسبة مبيعات عالية هي رواية المحاكمة أو ما تعرف في بعض الأحيان برواية القضية.
نبذة عن الرواية
تم العمل على إصدار الرواية في سنة 1925م، وقد تناولت في مضمونها الحديث عن إحدى الجرائم التي لم يتم تحديد نوع تلك الجريمة، ولكنه على أثرها يتم اعتقال ومقاضاة ومحاكمة شخص ليس له أي يد فيها، وبحسب التصريحات التي أدلى بها الصديق المقرب من الكاتب فإن المؤلف لم يضع النهاية في الرواية، وقد أوصى من خلال وصيته التي تركها أن يتم تدمير الرواية وحرقها بالكامل بعد وفاته، إلا أنّ صديقه المقرب حينما اطلع على الرواية وجد أنها مكتملة ومسرودة بشكل جيد، ومن هنا خالف إرادة المؤلف وعزم على تحريرها ونشرها واعتبرها أنها رواية مفهومة وواضحة، وقد تم فيما بعد تجسيدها من قِبل المخرج العالمي الشهير أورسون ويلز إلى فيلم سينمائي من بطولة ممثلين مشهورين.
رواية المحاكمة
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث الرواية حول إحدى القضايا المبهمة وغير المذكور نوعها وشكلها، والتي على أثرها تم القبض في صباح أحد الأيام على المتهم البريء والذي يدعى جوزيف، حيث كان ذلك اليوم هو الذكرى الثلاثين لميلاد المتهم، حيث كان جوزيف يعمل كأمين الصندوق الرئيسي لأحد البنوك في ذلك الوقت، إذ أنه وبشكل غير متوقع يقوم اثنين من العملاء المجهولين الهوية والذين ادعوا أنهم تابعون إلى إحدى الوكالات دون ذكر اسمها، وقد صرح العميلين أن هناك جريمة وقعت وأن أصابع الاتهام تم توجيهها إلى جوزيف.
ولكن ما كان مفاجئ أنه لم يتم على الإطلاق سجن جوزيف، وقد ترك في تلك الأثناء إنسان طليق وحر في بيته، وكل ما طلب منه هو أن ينتظر التعليمات التي سوف تصدر عن اللجنة الخاصة بالشؤون القانونية، وفي ذلك الوقت حاولت صاحبة المنزل الذي يقيم به جوزيف والتي تدعى السيدة فراو التخفيف عنه بشأن المحاكمة التي حكمت عليه، لكنها في ذات الحين كانت تشك في أن تلك المحاكمة له صلة وارتباط بالعلاقة التي كان يقيمها المتهم مع إحدى جاراته والتي تدعى فرولين.
وفي أحد الأيام أقام جوزيف زيارة إلى جارته فرولين؛ وذلك من أجل التخفيف من توتره ومخاوفه وحالة القلق التي دخل بها، وقد كان في ذلك الحين بينهم علاقة غرامية، وبعد مرور أيام قليلة وجد جوزيف سيدة تدعى مونتاغ وقد كانت إحدى النزيلات المقيمات في الغرف الأخرى، قد انتقلت للإقامة في غرفة فرولين، وعند علمه بذلك أدرك أن هذا الأمر الغاية منه هو قطع علاقته مع فرولين، وبعد أيام بسيطة تم الطلب من جوزيف الحضور إلى المحكمة في يوم محدد وقريب، لكن لم يتم إعلامه بالوقت الذي سوف تتم به المحاكم أو الغرفة التي سوف يتم التحقيق معه فيها.
وبعد إجراء العديد من التحليلات والمباحثات اكتشف جوزيف أن المحكمة التي سوف يتم بها استجوابه تقع في علية المبنى، وعند وصول جوزيف المحاكمة كان قد تأخر عن الموعد المحدد مما جعل لجنة المحاكمة تقوم بتوبيخه، ومما أثار حقد وكراهية المجلس على جوزيف هو أنه ادعى وهو بحالة انفعال وعنف أن المحاكمة سخيفة للغاية، كما أن التهمة الموجهة إليه كانت فكرة حمقاء.
وفي وقت لاحق حاول جوزيف أن يحصل على مقابلة مع القاضي المسؤول عن قضيته، لكنه لم يصل إليه ويعرف أي يتواجد، وحينها التقى بزوجة أحد الحاضرين إلى المحاكمة، وهنا حصل منها على بعض المعلومات حول العملية، كما حاولت التقرب منه، إلا أنه في تلك اللحظة تم اقتحام الغرفة من قبل أحد طلاب في تخصص القانون، والذي بدوره اصطحب المرأة معه، حيث ادعى أنها محبوبته، ثم بعد ذلك قام زوج المرأة بأخذ جوزيف في جولة حول مكاتب المحكمة، إلى أن حال منه التعب والإرهاق إلى درجة كبيرة، وقد كان في ذلك الوقت يتواجد مسؤولين ومتهمين آخرين من المحكمة.
وفي ذات مساء وفي الغرفة الخاصة بالتخزين في البنك الذي يعمل به عثر جوزيف على العميلين اللذان قبضا عليه مجلودين على يد الجلّاد؛ وذلك جراء طلبهم الرشوة من جوزيف، وقد كان ذلك على أثر الشكوى التي تقدم بها جوزيف إلى المحكمة، حاول جوزيف أن يتجادل مع الجلاد وينهى به عن جلدهم، وصرح بأنه لا داعي للجلد، إلا أنّ الجلاد أصر على رأيه وفعل به.
في اليوم التالي رجع جوزيف إلى غرفة التخزين وهناك أُصيب بالصدمة؛ حيث أنه وجد كل شيء كما تركه في اليوم السابق، بما في ذلك العميلان وسياط الجلد، وفي تلك الأثناء قدم عم جوزيف في زيارة إلى ابن أخيه بعد قلقه حول الاشاعات التي سمعها حوله، وقد كان برفقة العم شخص يدعى هير، وهو شخص يعمل في مهنة المحاماة، ولكن كان في ذلك الوقت مريض طريح الفراش وتقدم العناية له ممرضة تدعى ليني، وقد كانت الممرضة ما زالت شابة في مقتبل العمر.
وحينما رأت الممرضة جوزيف سرعان ما أبدت إعجابها به، وبعد عدة محادثات دارت بين الممرضة وجوزيف والتي قادت إلى تطور العلاقة بينهم إلى أن أصبحوا مرتبطين مع بعضهم بعلاقة غرامية، وفي وقت لاحق قابل جوزيف عمه وقد كان غاضب إلى حد كبير، إذ اتهم جوزيف بأنه لم يحترم المكان والأشخاص المتواجدين به بسبب علاقته التي أقامها مع الممرضة، وهذا ما زاد من تعقد قضيته بشكل أكبر.
ومن هنا أدرك جوزيف من خلال عدة زيارات إلى هير أنه شخصية متقلبة ولن يستفيد منه بخصوص القضية، وفي ذلك الوقت قدم أحد العملاء إلى جوزيف في البنك وقد له نصيحه بأن يوم بطلب المشورة من شخص يدعى السيد تيتورلي، وقد كان الرسام الرسمي في المحكمة، في الحقيقة لم يكن هناك أي تأثير لتيتورلي داخل المحكمة، لكن بسبب الخبرة الواسعة التي يمتلكها والتي ظهرت بشكل مؤلم لجوزيف، إذ أنه لم يتمكن سوى أن يقدم اقتراح وخيارات افتراضية معقدة إلى حد كبير، ولم يتم إيجاد أي دليل على تبرئة جوزيف بشكل قاطع.
وفي النهاية قرر جوزيف تولي أمر القضية بنفسه، وعند وصوله إلى مكتب هير تقابل جوزيف بشخص يدعى رودي كان يواجه الظلم في قضية نسبت إليه، وقد استمرت قضية رودي ما يقارب على الخمس سنوات، وبسبب اعتماده على المحامي وممرضته انتقل من رجل أعمال ناجح وثري إلى إنسان مفلس، وهنا كان المحامي يسخر من موكله أمام جوزيف ونعته بأنه من التابعين له وشبهه بالكلب، وهذا الأمر الذي قد أفسد رأي جوزيف بالمحامي وابتعد عنه وأمسك بزمام قضيته بنفسه.